مسلمة.. سئمت من التبرير!

تعودت على رؤية وديان من الدم منذ الصغر، على رؤية جثث الأطفال المنهوشة بالرصاص والقنابل الفوسفورية والعنقودية، تعودت على رؤية أشلاء الضحايا في العراق، وعلى رؤية جثث الأطفال السوريين تطفو فوق البحر الأبيض المتوسط، تعودت على رؤية الدم والدموع والانكسارات والنكسات القاتلة.. لم يعد الموت يعنيني.. سيأتي يوم عاجلاً أم آجلاً ويقول القدر كلمته لأصير بدوري نسياً منسياً.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/18 الساعة 04:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/18 الساعة 04:21 بتوقيت غرينتش

لا أستطيع تبرير قتل الأبرياء العزل في كل مكان من العالم، مهما كان دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو انتماؤهم.

شمل الله برحمته الفرنسيين الأبرياء الذين قضوا نحبهم نتيجة أعمال إرهابية شنيعة.. طالت حياتهم واغتالت ضحكاتهم وسلبت منهم الفرح.

الدين الذي أعتنقه لم يعلمني يوماً العنف.. هناك من تعمق في هذا الدين وألحد، وهناك من زاد إيماناً، وهناك من لا يزال يطرح الكثير من الأسئلة كل يوم حول ماهية هذا الدين، وهناك من وظفه للقتل وهدر دماء الأبرياء.. لكلٍّ تأويلاته وطريقة فهمه للأمور.

بعد كل حادث إرهابي شيء مبهم ينغص عليّ حياتي، شعور ممزوج بالحزن واللاانتماء والخوف من المجهول، وكأنني مضطرة للتبرير لكل شخص أجنبي أنني لست إرهابية وأن الذين قاموا بتلك الأعمال الشنيعة لا يمتون لديني بصلة.

أصلي خمس مرات في اليوم أو أكثر، أضع حجاباً، أقول أذكاراً، أصوم رمضان، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أتمنى أن أحج رفقة والدي وزوجي، لكني لست إرهابية، لا أحب سفك الدماء، بكاء الأمهات الثكالى يقضّ مضجعي، وأنين اليتامى يوجعني، أبكي إن قتل شاب وترك حبيبته أو زوجته وحيدة، الحياة كئيبة جداً دون من نحب.

صورة محمود الدرة رفقة والده وهو يتعرض للاغتيال من طرف الصهاينة لم تشأ أن تغادر ذاكرتي منذ كنت طفلة، أظن أنني فقدت الكثير من أهلي في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان وسوريا.. بسبب المصالح الجيواستراتيجيّة والدولار والبترودولار..
أنهار من الدم مقابل آبار من البترول…

تعودت على رؤية وديان من الدم منذ الصغر، على رؤية جثث الأطفال المنهوشة بالرصاص والقنابل الفوسفورية والعنقودية، تعودت على رؤية أشلاء الضحايا في العراق، وعلى رؤية جثث الأطفال السوريين تطفو فوق البحر الأبيض المتوسط، تعودت على رؤية الدم والدموع والانكسارات والنكسات القاتلة.. لم يعد الموت يعنيني.. سيأتي يوم عاجلاً أم آجلاً ويقول القدر كلمته لأصير بدوري نسياً منسياً.

تعودت على رؤية الموت كل يوم، يخطف الأرواح ولا يطلب فدية، يُبكي المقل دماً ولا يعتذر..

فقدت الكثير من أهلي العرب.. بسبب المصالح والسياسة.. بسبب فريقين لا زالا يتحاربان بسبب رجلين ماتا منذ أربعة عشر قرناً.. ومن أحقهما بالخلافة.

نحن شعب نحب الله ورمضان والزكاة وصلاة التراويح وصلاة العيد وعيد الأضحى.. نحب الضحك والنكت والرقص والأعراس، والألوان.. نحب الحب والعشق والأغاني والجمال والسفر.. نكره الدمار والموت.. ونبكي لوفاة أشخاص لم نلتق بهم قط.
ديني لم يعلمني يوماً القتل.. لم يحبب إليّ الدماء المسفوكة.

أنا مسلمة لكنني لست إرهابية ولا أحسّ بأدنى انتماء لكل من سوّلت نفسه أن يقتل الآخرين..
أنا مسلمة أبكي إن فقدت طفلاً فلسطينياً أحرق الصهاينة بيته، أو عراقياً فتكت به عبوة ناسفة، أو أفغانياً قتلته القوات الأمريكية عن طريق الخطأ.

أبكي ضياء ويسر.. الزوجين اللذين قتلهما أمريكي منذ أشهر.. واتُّهم بالجنون..
أبكي فقط ولا أشتكي أبداً.

أنا مسلمة.. وتعبت من التبرير.. من أن أبرر دائماً وأبداً أنني فعلاً لست إرهابية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد