(1)
كرم الله الإنسان وخلقه في أحسن صورة، ووهبه الحياة وحرم انتزاعها منه، الإنسان واحد في أي زمان ومكان، والحياة واحدة يستحقها كل إنسان، والإنسانية واحدة لا تتجزأ.
بدأت فرنسا هذا العام بأحداث شارل إيبدو، وها هي تنهيه بتفجيرات باريس راح ضحيتها المئات، الشيء الوحيد المتجدد هذه الأيام هو القتل، تعددت الأسباب أو اختلف المكان إلا أنه واحد.
قبل أحداث باريس بيوم واحد شهدت الضاحية الجنوبية لبيروت تفجيرات راح ضحيتها العشرات، قبلها بحوالي أسبوعين حادث تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء ومقتل جميع ركابها.
يومياً يطالعنا الإعلام بأخبار القتل، القتل المستمر في أماكن كسوريا والعراق ومصر واليمن أو في حوادث متفرقة زمانياً ومكانياً فى أماكن أخرى من العالم، لكن يظل القتل حاضراً باستمرار.
الجريمة المنظمة العابرة للحدود أصبحت السمة الغالبة هذه الأيام، وتستطيع أن تنفذ الى أي مكان متجاوزة الحدود، وباتت تنظيمات تمتلك يداً طويلة لتنفيذ مثل هذه الجرائم.
لذلك لا يمكن الفصل بين أماكن الصراع (المتوطن) والقتل المستمر وأماكن التفجيرات والجريمة المنظمة.
نحن أمام جيل جديد من العمليات وجيل جديد من المنفذين.
(2)
لم تأخذ التكهنات حول تلك الأحداث وقتاً طويلاً، فقد قطع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تلك التكهنات بإعلان مسؤوليته عن تلك الأحداث الثلاثة، يصفها التنظيم بأنها عمليات انتقامية رداً على قذف الأماكن التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق، بحسب بيانات التنظيم نفسه التي ينشرها على الإنترنت ويتداولها الإعلام.
حوادث مستنكرة وتبريرات مرفوضة؛ لان ما لم تحصل عليه في ميدان القتال لا تأخذه بعيداً عن ميدان القتال وعلى حساب مدنيين عُزل.
بنفس أهمية التساؤل عن دوافع التنظيم وقدرته على تنفيذ تلك الجرائم المرفوضة تكون أهمية التساؤلات: لماذا ظهر التنظيم؟ وكيف تعاظم التنظيم؟ ولماذا؟
يتمدد التنظيم وينتشر مستغلاً الفوضى التي يسببها الفراغ الأمني والعسكري الذي يسببه ترك الأجهزة الأمنية والعسكرية لمسؤولياتها الرئيسية واتجاهها لقمع ثورات شعوبها، ولأجل الدفاع عن الديكتاتوريين الذين يحكمون.
يمكننا تحديد اللحظة التي بدأ فيها التنظيم بالتوسع حينما أقدم المجرم نور المالكي، رئيس وزراء العراق السابق، على فضّ اعتصامات سلمية مطالبة بحقوق سياسية أساسية وضد التهميش بالقوة، هنا بدأ التنظيم يتدخل بحجة الدفاع عن الناس (وبالفعل لم يكن هناك من يدافع عن هؤلاء الناس الذين استبيحت دماؤهم عند فض اعتصاماتهم) ، لم يجد المالكي من يحاسبه أو يقول له كفاك قتلاً.
دفع بشار بجيشه لقمع ثورة الشعب السوري السلمية فسقطت سيطرته المركزية على الدولة وحدودها، ما فتح الطريق أمام التنظيم ليتمدد في سوريا أيضاً، معلناً عن إقامة دولته على أراض عراقية وأخرى سورية.
الى هنا لم يكن أحد يتحدث عن خطر داعش أو يواجهه، ولم تتحرك الولايات المتحدة ضد التنظيم إلا بعد أن كان التنظيم قاب قوسين أو أدنى من دخول العاصمة العراقية بغداد، حينها شعرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإمكانية سيطرة التنظيم على العراق بأكمله، فبدأوا بتشكيل التحالف الدولي (الذي يضم 28 دولة) لمحاربة تنظيم الدولة.
(3)
استباح المالكي دماء العراقيين واستعان بمليشيات إيرانية فكان منطقياً أن تتمدد داعش في العراق، استباح بشار دماء السوريين فكان منطقياً أن تظهر داعش في سوريا، افتعل السيسي عدواً من أهل سيناء وشرع في حربهم فكان منطقياً أن تظهر داعش في سيناء، في ليبيا قام حفتر ببدء حرب أهلية فكان منطقيا أن تظهر داعش.
ليس هذا وفقط بل بيت القصيد أن نجد من يدعم بشار والسيسي والمالكي وحفتر ويؤيد انقلاباتهم العسكرية ويتغاضى عن مذابحهم وجرائهم ضد الإنسانية.
حكومات غربية كثيرة فضلت مصالحهم الآنية على صالح الشعوب والدول ودعمت الديكتاتوريين، متناسين أن سياسيات هؤلاء وجرائمهم هي من تصنع الإرهاب، لم يحركوا ساكناً أمام المذابح والقتل والقمع الذي قام بها هؤلاء للحفاظ على حكمهم وتثبيته، بل وتعاملوا معهم وأعطوا لهم شرعية دولية.
فتحت أهم عواصم الغرب أبوابها لاستقبال هؤلاء المجرمين القتلة، واستقبلهم سياسيو هذه البلاد بالحفاوة والترحاب وأعلنوا عن مزيد من التعاون معهم.
اليوم الغرب يعاني من إرهاب صنعته سياسات أنظمة مستبدة دعمتها حكومات بعض الدول الغربية نفسها.
داعش نتيجة أكثر منها سبباً، ابحثوا عن أسباب ظهورها وحاسبوا أجهزة المخابرات التي سمحت لداعش بالتمدد، حاسبوا الأنظمة الديكتاتورية التي ينتج الإرهاب كنتيجة عكسية لسياساتهم، حاسبوا البلدان والحكومات التي تدعم هؤلاء الديكتاتوريين، حاسبوا السياسيين أولاً.
أيها الساسة تحلوا بقيمكم (التي تعلنون اليوم الحرب لتحافظوا عليها) ليس ضد الإرهاب فقط، بل تحلوا بقيمكم بالوقوف ضد المجرمين السفاحين القتلة من الحكام، تحلوا بقيمكم بمساندة تطلعات الشعوب نحو الحرية والعدل، تحلوا بقيمكم بدعم الثورات الشعبية وكسب صداقة الشعوب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.