حينما اعتلى ملك بأصول ليبية عرش مصر الفرعونية.. الإطار الحضاري لاحتفالات رأس السنة الأمازيغية

تم النشر: 2022/01/12 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/12 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
طقوس حفل الزفاف الأمازيغي - الشبكات الاجتماعية

في كل عام جديد يعود الجدل حول منشأ احتفالات رأس السنة الأمازيغية، وهي مناسبة ثقافية واجتماعية دأب سكان الشمال الإفريقي على الاحتفاء بها وتكريسها كرمز من رموز الهوية الوطنية وقد اعتمدها البرلمان الجزائري والقوانين الجزائرية بتخصيص يوم الثاني عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول يوما وطنيا وعطلة رسمية وهي سابقة جزائرية في دول الشمال الأفريقي.

ومع اقتراب رأس السنة الأمازيغية الجديد، إذ يوافق يوم 12 يناير/كانون الثاني 2022، تعود الآراء والنقاشات والتحليلات عن السياق الحضاري والتاريخي لمنشأ هذه المناسبة، فهناك من يرى بامتداد أصولها إلى سنة 950 قبل الميلاد حينما اعتلى ملك من أصول ليبية عرش مصر الفرعونية، وهو شيشنق الأول؛ ما يمثل ابتهاجاً بوصول أول ملك أمازيغي إلى سدة الحكم في دولة مهمة خلال ذلك الزمان.

    لكن هذا الرأي لا يستند إلى أية أدلة علمية، فلا يوجد أي مصدر مكتوب أو منقوش يربط بين تلك الاحتفالات وسيطرة شيشنق الأول على الحكم، ثم إن الملك المذكور بالرغم من أصوله الليبية إلا أنه كان فرداً مصرياً بحكم التنشئة الاجتماعية والعادات والديانة وقد مر على مجيء أجداده إلى مصر قرون عديدة، 

كذلك فإن الليبيين لم يكونوا استثناء من الأجانب الذين حكموا مصر وسيطروا عليها، فالهكسوس تمكنوا من تأسيس أسر حاكمة في مصر وهم الذين هاجروا من أواسط آسيا والنوبيون (بلاد السودان حالياً) سيطروا على الحكم في في بعض فترات الدولة الفرعونية، ونفس الأمر بالنسبة إلى الفرس والأشوريون الذين جاءوا من العراق واليونان والرومان احتلوا مصر في العهود المتأخرة ولا نجد أياً من هذه الشعوب الأجنبية تحتفل بسنوات تربعها على عرش الفراعنة.

  أما الرأي الثاني وهو الأكثر ترجيحاً فيقر بأن رأس السنة الأمازيغية هو مناسبة زراعية احتفلت بها شعوب أخرى مثل الرومان وبعض القبائل العربية، وهي إشارة إلى الارتباط بالأرض والتفاؤل بموسم فلاحي متميز وبمحاصيل وفيرة ويمكن للفلاح الخبير أن يفهم مدى أهمية هذا الشهر بالنسبة إلى الموسم الفلاحي.

     وارتباط السنة الأمازيغية بالموسم الزراعي له سنده في المصطلحات اللغوية، سواء في اللغة اللاتينية أو في اللغة الأمازيغية، فكلمة يناير/كانون الثاني كلمة لاتينية مركبة من YEN وتعني واحداً 

وAYER وتعني الشهر أي الشهر الأول من السنة وجعلت الديانة الرومانية الوثنية من يناير/كانون الثاني إله للبدايات والانتقالات وهو موجود في الميثولوجيا الرومانية باسم يانوس أو جانوس.

 كما أن كلمة Id N Usggas الأمازيغية تعني ليلة السنة أو باب السنة، وينبغي الإشارة إلى أن الطقوس والمعتقدات التي تقام للاحتفال بيناير/كانون الثاني  جميعها على علاقة بالفلاحة وبالموسم الفلاحي وليس فيها إشارات للاحتفال بالسنة التي وصل فيها شيشنق الأول إلى عرش مصر.

   إن احتفالات رأس السنة الأمازيغية شكلت مناسبة ثقافية واجتماعية لسكان شمال إفريقيا منذ مئات السنين، لكنها لم تشهد كل هذا الجدل ولم تتعرض لحملات التهريج المستمرة، كما أن العرب والأمازيغ تمازجوا في بوتقة حضارية وعرقية أيضاً، فالاختلاف والتنوع الثقافي بالجزائر يمثلان مصدر قوة للأمة الجزائرية. وفي الأخير نتمنى سنة سعيدة للجميع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بن عطية الله عبد الرحمان
أستاذ جامعي وكاتب جزائري
تحميل المزيد