بعيداً عن الديانات والأعراق.. هل يعتبر فوز المغرب انتصاراً عربياً وإسلامياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/12 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/12 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
جزائريون يحتفلون بانتصارات منتخب المغرب (رويترز)

لست من متابعي كرة القدم، ولكن الجدل الذي أثير حول فكرة تأهل المنتخب المغربي وكونه إنجازاً عربياً أو إفريقياً أثار انتباهي، ولعل الإجابة عن هذا السؤال معقدة، ولكنها ممكنة وبسيطة، إذا تحرر الإنسان من العقد والعواطف المتشددة والمتصلبة والمتعصبة.

في الحقيقة هذا السؤال من المفترض ألا يثير الجدل أو يحدث حساسيات بين متابعي الساحرة المستديرة، وهي الرياضة التي من المفترض أن تربي بين ممارسيها ومتابعيها الروح الرياضية وتقبل الآخر.

المغرب دولة في شمال إفريقيا، وهي عضو في جامعة الدول العربية، ويعتبر الجزء الأكبر من مواطنيها من عرقي العرب والأمازيغ، بالإضافة إلى مكونات عرقية أخرى، كما أن الدولة المغربية توجد فيها الأديان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية.

ويَنص الدستور المغربي على أن الدولة إسلامية، وأن البلاد متعددة الثقافات، حيث ذكرت الثقافة العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية والحسانية، والإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

المنتخب المغربي في المباراة التي جمعته مع البرتغال/ REUTERS
المنتخب المغربي في المباراة التي جمعته مع البرتغال/ REUTERS

ومن هذا المنطلق وبناءً على الحقائق التي ذكرت في السابق يمكننا القول إن إنجاز المنتخب الوطني المغربي هو إنجاز لكل المكونات الثقافية والعرقية لمواطني دولة المغرب، بعربها وأمازيغها وأفارقتها ومسلميها ومسيحييها ويهودها.

وفي السياق نفسه أيضاً ومن الطبيعي أن يفرح الأقربون بهذا الإنجاز المغربي، من منطلق قاعدة القرب والبعد، لأنه من الطبيعي أن يسعد مواطن ليبي أو شامي أو خليجي مثلاً بفوز منتخب المغرب أكثر من فرحه بفوز منتخب أوروبي أو منتخب من أمريكا أو أمريكا اللاتينية.

لكن هذا أيضاً لا يمكن أن يمنعنا من القول إن فوز المنتخب الوطني المغربي هو إنجاز لكل مواطني المغرب بثقافاتهم وأديانهم المختلفة، وليس حكراً على العرب والمسلمين.

وحتى نفهم الصورة بشكل أفضل لنفترض مثلاً أن قيساً وعمر أخوان، شارك قيس في مسابقة ونجح فيها، فهل يعقل أن يقول عمر إن هذا الفوز هو إنجاز له (لعمر) فقط، بالطبع لا، وهذا ينطبق على فوز المغرب، هل يعقل أن يحسب هذا الإنجاز حصراً على العرب والمسلمين، وأن يحرم المواطنون المغاربة الأمازيغ والمسيحيون واليهود من هذا الحق حتى من منطلق مجازي ومن ناحية الوصف في الأخبار مثلاً، بالطبع هذا لا يجوز.

في الحقيقة أعتقد بشكل شخصي أن فوز المغرب يعتبر إنجازاً يسعد الأفارقة والعرب ودول العالم الثالث بشكل عام، حيث حمل فوز المغرب رسالة لجميع الدول المنتمية لهذه التقسيمات تنص على أنه لا يوجد شيء مستحيل.

وحتى نفهم بشكل أكبر وأفضل يمكننا النظر مثلاً للمنتخبات الأخرى الأوروبية والأمريكية والآسيوية، هل تسوّق هذه البلدان ومشجعو الفرق على اختلافها لفكرة انتصار دين على دين آخر خلال مباريات كرة القدم؟ هل سمع أحد مثلاً بأن فوز البرازيل أو فرنسا مثلاً أو غيرهما هو انتصار للمسيحية مثلاً؟ أو عرقية أو لغة معينة؟ هذا غير منطقي! وحتى إن وجد فإن العقل لا يقبله، وسيكون له تأثير سلبي على الآخر الذي يفترض أن يقبل وأن يحترم.

كرة القدم ومنافساتها المختلفة ليست صراعاً بين الأديان والعرقيات، والفيفا لا تعتمد الدين أو العرق في تصنيف وتقسيم المنتخبات، وإنما تعتمد المنتخبات الوطنية الممثلة للدول، وتقسيماً بحسب قارات العالم.

النظر لهذا الموضوع بهذه الطريقة معقد ولكنه جميل وسهل وهين على الأنفس بشكل أكبر، وهو في الحقيقة منطقي أكثر، ولكن في المقابل فإن إثارة الجدل حول الأمر سيئة، وتسبب الدخول في خلافات لا فائدة منها إلا إثارة العنصرية والكراهية، وفي النهاية كل ذلك لن يغير من الحقيقة أي شيء. 

تأهل المنتخب المغربي إلى نصف النهائي مونديال قطر 2022/ REUTERS
تأهل المنتخب المغربي إلى نصف النهائي مونديال قطر 2022/ REUTERS

أعرف كثيرين مثلاً من العرب المقيمين في أوروبا ويشجعون بلدانهم الأصلية وبلدانهم الحالية في الوقت ذاته، وبعضهم تتساوى عنده درجة التشجيع والحب، وحتى العرب المقيمون في بلدانهم يشجعون فرقة أجنبية ويسمونها بألقاب عالمية.

وفي محاولة للتوضيح وزيادة الفهم يمكننا أن نأخذ مثلاً دولة أوروبية متعددة الأعراق والثقافات مثل فرنسا أو بريطانيا أو غيرهما، ونحن نعلم أن الدول الأوروبية يوجد بين لاعبي منتخباتها أفارقة وأحياناً عرب.

في حالة فوز فرنسا مثلاً أو بريطانيا هل يعقل مثلاً أن تخرج أصوات من أوروبا تقول إن هذا الفوز هو فوز للمسيحيين على الأديان الأخرى؟ أو أن يقول مثلاً إن هذا الفوز هو فوز للأوروبيين؟ وبالتالي يحرم المواطنون من أصول إفريقية وعربية ومسلمة من حقهم الذي شاركوا في صناعته ربما حتى من داخل المنتخبات الفائزة؟! طبعاً هذا غير منطقي.

مرة أخرى أقول إن تأهل المغرب لنصف نهائي المونديال هو إنجاز مغربي خالص بكل مكونات المغرب المختلفة، لم يشارك في صناعته أحد آخر، ولكنه إنجاز يسعد العرب والأفارقة والأمازيغ والمسلمين بحكم القرب وضآلة الإنجازات السابقة للدول الواقعة في هذه التقسيمات والتصنيفات.

ولمن يحاول استغلال الحدث لإثارة الجدل والثغرات العنصرية باسم الدين أقول كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الناس بنو آدم، وآدم من تراب"، و"دعوها فإنها منتنة". 

وقال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى".

إن الدولة الوطنية بمفهومها الحديث تجمع مكوناتها المختلفة وتساوي بينها، وإن العاقل وصاحب المنطق السوي ينظر للأمور باتزان بعيداً عن العواطف، ويحاول دائماً تجنب الجدالات التي لا تفيد، والتي تفرق ولا تجمع، وتضر ولا تنفع.

هنيئاً للمغرب، ويحق للجميع أن يفرحوا إذا شعروا بأن هذا الإنجاز يسعدهم أو يمثلهم، الأصل أن ينظر الجميع في المنطقة لهذا الإنجاز كدافع للترابط والمضي نحو الأمام في لعبة كرة القدم، أو حتى في الأمور التي تعتبر أكثر أهمية، ولكن ليس من المنطق أن يجعل هذا الحدث مادة للجدل والسجال والنقاش، ولا أن يوصف انتصار المنتخب المغربي في لعبة بأوصاف أكبر مما يجب، لتسويق وهم لا يغير من الواقع أي شيء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected].

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد الزعيليك
كاتب صحفي ليبي
كاتب صحفي ليبي
تحميل المزيد