مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اقتراح قانون لإجراء اختبارات جهاز كشف الكذب للوزراء الإسرائيليين الذين يشاركون في اجتماعات أمنية، وذلك على خلفية تسريبات ومشادة كلامية حدثت في وقت سابق خلال جلسة للكابينت الإسرائيلي، هاجم خلالها وزراء في الحكومة الإسرائيلية رئيس الأركان هرتسي هليفي بعد قراره تشكيل فريق تحقيق لبحث الإخفاقات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما تضمنت الجلسة انتقادات ونقاشات غاضبة بين بعض الوزراء ومسؤولين في الجيش. فما قصة جهاز كشف الكذب؟ وهل يمكن خداعه؟
تاريخ أجهزة كشف الكذب
قبل حوالي ألف سنة قبل الميلاد كان جهاز كشف الكذب في الصين القديمة عبارة عن مسحوق الأرز، إذ كان على من يشتبه في أنه يكذب أن يمضغ مسحوق الأرز ويبصقه. إذا كان المسحوق المبصوق جافاً، فيعتبر المشتبه به كاذباً، حيث كان الكذب، حسب اعتقادهم، يزيد من الخوف ويقلل من تدفق اللعاب كاستجابة للخوف.
وخلال عصر محاكم التفتيش في الأندلس، كان على المشتبه بهم مضغ الخبز والجبن، فإذا اختنقوا أثناء تناول الطعام -بسبب جفاف الحلق الناتج عن الخوف- فهذا دليل على أنهم كاذبون.
ومن هنا فإنّ فكرة الاستجابة الفسيولوجية للكذب التي جرى الكشف عنها بواسطة تلك الاختبارات بسيطة، هي فكرة قديمة وتبدو همجية وبدائية بالنسبة لنا؛ إذ تكفي إضافة بعض الأسلاك الكهربائية وبعض المصطلحات التي تبدو تقنية، كي تصبح فكرة كشف الكذب عن طريق الاستجابة الفسيولوجية فكرة علمية، لذا كان للوصول لجهاز أكثر دقة، تفكيراً أوسع.
في سنة 1730م، كتب الروائي البريطاني دانيال ديفو مقالاً بعنوان "مخطط فعال للوقاية الفورية من عمليات السطو في الشوارع"، أوصى فيه بأنّ قياس نبض الأشخاص المشتبه بهم هي طريقة مناسبة للتمييز بين صحة أو عدم صحة كلام الشخص، كان اقتراحه طريقة مناسبة لتوظيف العلوم الطبية في مكافحة الجريمة.
في عام 1878م، استخدم الباحث وعالم الفسيولوجيا من إيطاليا أنجيلو موسو، أداة مُعقدة تُسمّى مخطط التحجم في بحثه لدراسة مدى تأثير الاضطرابات لدى الأشخاص على نشاط القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، خاصةً عند قيام الأشخاص بالكذب في أمر معين، وكيف تغيرت تحت محفزات معينة. كان أنجيلو موسو أول عالم يقدم تقارير عن التجارب التي لاحظ فيها حدوث تغيرات في معدل تنفس الشخص وضغط دمه ومعدل نبضه عند قيامه بالكذب.
حتى نهاية القرن التاسع عشر، لم يتم استخدام أي جهاز قياس وكشف الكذب على الإطلاق، جاء أول استخدام لأداة علمية مصممة لقياس الاستجابات الفسيولوجية لهذا الغرض في عام 1895م عندما قام الطبيب سيزار لومبروزو بتعديل أداة موجودة تُسمّى الرسم البياني الهيدروليكي، واستخدم هذا الجهاز في تجاربه لقياس التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في ضغط الدم ومعدل النبض لمشتبه به في جريمة أثناء استجواب الشرطة.
في عام 1906م، قام المخترع جيمس ماكنزي بتحسين جهاز كشف الكذب في سنة 1892م، وذلك بمساعدة من صانع الساعات لانكشاير سيباستيان شو.
أيضاً في عام 1914م، قام عالم النفس الإيطالي فيتوريو بيونسيه بصناعة جهاز اكتشاف الكذب من خلال جهاز تصوير هوائي يسجل معدل تنفس الأشخاص، أجرى بنوسي عدة تجارب تتعلق بعلاقة الكذب وتأثيرها على الجهاز التنفسي، واكتشف أنه عند قيام الأشخاص بالكذب في موضوع معين سيتم حدوث عدة تغيرات بالجهاز التنفسي، يعود الفضل إلى الدكتور ويليام مولتون مارستون، وهو عالم نفس أمريكي، في اختراع شكل مطور من جهاز كشف الكذب، وذلك في عام 1915م.
وفي عام 1921م، طور جون إيه لارسون، عالم النفس من كندا الذي يعمل في قسم شرطة بيركلي في كاليفورنيا مبدأ عمل جهاز كشف الكذب، في الواقع يعتبر الكثيرون اليوم أن له الفضل في تطوير جهاز كشف الكذب الأصلي.
وفي عام 1926م ظهر جهاز كلير بوليغراف في السوق باعتباره جهاز كشف الكذب المُحسّن، وهو نسخة محسّنة من جهاز كشف الكذب للمخترع لارسون.
في عام 1939م، حصل ليونارد كيلر على براءة اختراع لما يعرف أنّه النموذج الأولي لجهاز كشف الكذب الحديث وسُمي باسمه (جهاز كشف الكذب كيلر).
ومنذ عام 1962م، تقدمت التقنيات الحديثة وتم دمجها في جهاز اكتشاف الكذب، وفي أواخر السبعينيات كان الدكتور جوزيف ف. كوبيس، من جامعة فوردهام في مدينة نيويورك، أول باحث يستخدم تطبيقات الكمبيوتر المحتملة لغرض تحليل مخطط جهاز كشف الكذب.
وخلال الثمانينيات، تم إجراء بحث على جهاز كشف الكذب المحوسب في جامعة يوتا بواسطة العلماء (John C. Kircher وDavid C. Raskin)، وفي عام 1988م، قاموا بتطوير نظام كشف الكذب باستعمال تقنية حديثة وهي (CAPS)، في عام 1993م، أكمل عالما الإحصاء الدكتور ديل إي أولسن وجون سي هاريس في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز في ماريلاند برنامجاً برمجياً يُسمّى (PolyScore)، والذي يستخدم خوارزمية رياضية معقدة لتحليل بيانات جهاز كشف الكذب.
بعد هذه التطورات في تحسين آلية عمل جهاز الكشف تم استعماله بشكل كبير لدى الجهات والهيئات الحكومية في أمريكا، ثم انتشر استعماله في العديد من الدول في مختلف أنحاء العالم، مع أكثر من قرن من البحث والتطوير لجهاز كشف الكذب، بقي من أكثر الوسائل فعالية في كشف الكذب خاصةً لدى الأشخاص المشتبه بهم في القضايا الجنائية وأثناء وقوع الجرائم.
كيف يعمل جهاز كشف الكذب؟
يعمل جهاز كشف الكذب من خلال تثبيت عدد من الحساسات المختلفة الأدوار على جسم الشخص الذي يتم التحقيق معه، وتقوم هذه الحساسات برصد العديد من المؤشرات الفسيولوجية لجسم الشخص أثناء طرح الأسئلة عليه والإجابة عنها، مثل ضغط الدم وسرعة نبض القلب وحرارة الجسم وغيرها.
ويستخدم المحقق أثناء جلسة التحقيق مجموعة من الأسئلة المختلفة ليتابع الاستجابات المختلفة لجسم الشخص على جهاز كشف الكذب، حيث كثيراً ما يتم البدء بأسئلة بسيطة لا مجال للكذب فيها مثل "ما اسمك؟" أو "هل ترتدي قميصاً داخلياً؟".
وتستعمل هذه الأسئلة لرصد النشاط الطبيعي للجسم على جهاز كشف الكذب، ومن ثم مقارنته بالاستجابات الأخرى عند طرح أسئلة أكثر أهمية وحساسية مرتبطة بالقضية التي يتم استجواب الشخص بشأنها.
باستخدام هذه العملية يستطيع الجهاز رصد التغير الجسدي الذي يطرأ على الشخص عند الإجابة على مختلف الأسئلة، ما قد يشير إلى وجود كذب أو محاولة تضليل في الإجابة التي يقدمها الشخص، وذلك انطلاقاً من الاعتقاد العلمي السائد بأن هناك تغييرات تطرأ على الإنسان عند الكذب مثل تسارع نبض القلب وارتفاع حرارة بعض مناطق الجسم والتغير في ضغط الدم، إضافة للتعرق، وغيرها من المؤشرات الجسدية.
يعمل الجهاز على تسجيل كل تلك الاستجابات الجسدية على ورقة يراها المحقق والشخص الذي يتم التحقيق معه، حيث إنه رغم توافر أجهزة كشف الكذب الحديثة التي تقدم تلك الاستجابات على شكل أرقام إلا أن الكثيرين يفضلون استخدام الورقة لكونها تملك تأثيراً نفسياً معيناً على الشخص الذي يتم التحقيق معه.
من خلال رصد كل تلك الاستجابات الجسدية على الجهاز عبر مختلف أنواع الأسئلة والمواقف يستطيع المحقق أن يعلم ما إذا كان الشخص الذي يمثل أمامه يقدم معلومات صحيحة أو أن المعلومات التي يقدمها غير صحيحة.
هل يمكننا خداع جهاز الكذب؟
تتمثل طريقة عمل أجهزة كشف الكذب، في قياس التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الجسم، من معدل التنفس والنبض ومستوى ضغط الدم وكذلك الاستجابة الجلدية الكهربائية، والتي ترتبط بخصائص الجلد فيما يتعلق بالتوصيل الكهربائي.
ويمكن أن يشمل ذلك وسائل أخرى، تُستخدم بدورها لكشف الكذب، مثل قياس التغيرات التي تشهدها حدقة العين، وكذلك قياس نشاط المخ باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي.
وفقاً لـapmreports، فإنّ خداع جهاز كشف الكذب مسألة واقعية، إذ سبق أن نجح مجرمون في خداع جهاز "كشف الكذب"، من بينهم غاري ريدجواي، المعروف باسم قاتل النهر الأخضر، والجاسوس الروسي ألدريتش أميس، الذي استخدم ما يسمى بـ"التدابير المضادة" للتغلب على أجهزة كشف الكذب مرتين في الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
وفي الوقت نفسه هناك أشخاص أبرياء فشلوا في تجاوز الاختبار من بينهم بيل فيجرل، الذي كان يشتبه في أنه قتل زوجته عام 1986، والذي فشل في الاختبار، ولكن لحسن حظه تم إيجاد القاتل الحقيقي، وذلك من خلال تتبع أدلة الحمض النووي في جريمة القتل والوصول إلى القاتل BTK دينيس رادر.
نتنياهو يريد استخدام جهاز كشف الكذب ضد معارضيه
دفعت التسريبات، التي كشفتها وسائل إعلام إسرائيلية عن هجوم وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيلية على رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للإيعاز بطرح قانون كشف الكذب على الكنيست لإقراره.
ووفق ما تداولته الصحافة الإسرائيلية، طالب نتنياهو بإخضاع وزرائه والمسؤولين رفيعي المستوى الذين يحضرون اجتماعات الحكومة ومجلس الحرب بإجراء اختبارات كشف الكذب.
ولفتت إلى أن "رئيس الوزراء أمر بأن يكون جهاز الأمن العام (الشاباك) مسؤولاً عن إجراء اختبارات كشف الكذب للوزراء، لكن الشاباك أعلن "تحفظه على القيام بذلك"، مشيراً إلى أنه "يبدو من نص الاقتراح أنه سيطلب من جميع المشاركين في جلسات الحكومة، بمن فيهم المستشار القانوني للحكومة ورؤساء الأجهزة الأمنية والمسؤولون، اجتياز اختبارات الكذب".
وقالت مصادر مطلعة على التفاصيل إنه "من المتوقع أن يتم إعفاء نتنياهو نفسه من الخضوع لهذا الاختبار، بسبب جهاز تنظيم ضربات القلب المزروع في صدره".
ولم تكن تلك الاختبارات حكراً لمزاج رئيس الحكومة، ففي مارس/آذار 2018 خضع ضابط رفيع بجيش الاحتلال، وهو العميد أوفيك بوخاريس، لاختبارات جهاز كشف الكذب بسبب اتهامه بخمس تهم اغتصاب واعتداء جنسي.