قدمت جنوب أفريقيا أدلة لـ محكمة العدل الدولية في لاهاي، متهمةً من خلالها إسرائيل بقيامها بالإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجاء ذلك بعدما رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد الاحتلال في 29 ديسمبر/كانون الأول، بدعوى انتهاك تل أبيب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
محكمة العدل الدولية "لاهاي"
وحول الأدلة التي قدمتها جنوب أفريقيا، والدفاعات الإسرائيلية المحتملة، وطلب جنوب إفريقيا اتخاذ تدابير احترازية عاجلة، أكد بعض الخبراء أنه سيتم اتخاذ قرار ضد إسرائيل في جلسات الاستماع الأولية التي ستعقد في 11 يناير/كانون الثاني الجاري، والتي تعتبر المرة الأولى التي تمتثل فيها إسرائيل أمام هذه المحكمة.
فيما أكدت جنوب أفريقيا، من خلال الدعوى المؤلفة من 84 صفحة، أن أفعال إسرائيل في غزة تعتبر إبادة جماعية لتدمير الفلسطينيين داخل القطاع وتدمير القومية الفلسطينية والمجموعة العرقية والإثنية.
فيما وصف الاحتلال الاتهام الموجه إليه بأنه لا أساس له؛ إذ قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إن الاتهام السخيف الذي توجهه جنوب أفريقيا يهدف إلى إثارة الكراهية القاتلة لليهود.
لتبدأ بعدها العديد من التساؤلات حول ما هي محكمة العدل الدولية؟ وما مهامها؟ وكيف تم إنشاؤها؟ وما الدول الأعضاء فيها؟ وما هي المحاكمات التي قامت بها منذ تأسيسها؟
"لاهاي" تُعَدُّ محكمة العدل الدولية "ICJ"، المعروفة باسم المحكمة العالمية، الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، ومقرُّها في لاهاي بمملكة هولندا. تأسست سنة 1945، لفض النزاعات القانونية بين الدول.
تُميِّز المحكمة العدل الدولية نفسها عن المحكمة الجنائية الدولية، حيث تختص بالتعامل مع النزاعات القانونية بين الدول، وتُقَدِّم منبراً للدول لحل النزاعات بينها. تتنوع اختصاصاتها لتشمل النزاعات الحدودية والقضايا التي تتعلق باتهامات الدول بخرق التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
كما تقدِّم المحكمة خدمات استشارية، حيث تصدر فتاوى للهيئات التي تُحال إليها من قِبَل منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ورغم أن إحصاءات القضايا التي تنظرها المحكمة ليست كثيرة، فإن قراراتها تحمل أهمية كبيرة في تشكيل القانون الدولي.
يُذكر أن الولايات المتحدة انسحبت من الاعتراف بالاختصاص القضائي الإلزامي للمحكمة، ما يعني الالتزام بالقرارات التي تقبلها ورفض تلك التي لا تلقى قبولاً.
تشمل مهام المحكمة تقديم قراراتها في إطار وظائف التحكيم والاستشارة، ما يجعلها جهة رئيسية في فهم وتطبيق القانون الدولي، وتُوفِّر وسيلة سلمية لحل النزاعات بين الدول.
ما قبل تأسيس محكمة العدل الدولية
قبل أن تتأسس محكمة العدل الدولية "لاهاي" شيدت محكمة التحكيم الدائمة "PCA" سنة 1899 في لاهاي، وهي أول مؤسسة دائمة لتسوية النزاعات الدولية. تم إنشاؤها عندما عقد مؤتمر لاهاي للسلام عام 1899، وشارك فيه جميع القوى الكبرى وعدة دول أصغر، هذا المؤتمر نتج عنه إبرام أولى المعاهدات متعددة الأطراف لإدارة الحروب.
اتفاقية التسوية السلمية للمنازعات الدولية، التي وقّعت في لاهاي، حددت الإطار المؤسسي والإجرائي لإجراءات التحكيم. وعلى الرغم من دعم المكتب الدائم لها، إلا أن المحكّمين يتم تعيينهم من قِبل الدول المتنازعة.
في عام 1900، تأسست محكمة التحكيم الدائمة وبدأت إجراءاتها في عام 1902. مؤتمر السلام الثاني في لاهاي عام 1907، شهد مراجعة لاتفاقية التسوية وتعزيز القواعد لإجراءات التحكيم أمام المحكمة.
أثناء المؤتمر، قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا اقتراحاً مشتركاً لمحكمة دائمة بقضاة يعملون بدوام كامل. لكن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن اختيار القضاة أدى إلى تعليق الأمر مؤقتاً.
تأثرت مؤتمرات لاهاي للسلام والأفكار التي نشأت عنها في إنشاء محكمة عدل أمريكا الوسطى، التي تأسست عام 1908. خلال الفترة بين عامَي 1911 و1919، وُضِعت خطط لإنشاء محكمة قضائية دولية، لكنها لم تتحقق بشكل كامل بعد الحرب العالمية الأولى.
إنشاء محكمة العدل الدولية الدائمة "PCIJ" جاء بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أدت الأحداث الدموية غير المسبوقة في تلك الحرب إلى إقامة عصبة الأمم عام 1919. تم تأسيس العصبة كأول منظمة حكومية دولية عالمية، بهدف الحفاظ على السلام والأمن الجماعي. وفي إطار هذه العصبة، جاءت فكرة إنشاء محكمة الدائمة للعدل الدولي.
وفقاً للمادة 14 من ميثاق العصبة، تم التدعيم لإنشاء محكمة دائمة للعدل الدولي، التي ستكون مسؤولة عن فصل النزاعات الدولية وتقديم رأي استشاري عند الطلب. تم تبني النظام الأساسي للمحكمة في ديسمبر/كانون الأول 1920، وتم التوقيع والمصادقة عليه سنة 1921.
الملامح الأولى لمحكمة العدل الدولية
بعد الحرب العالمية الأولى تأسست المحكمة الدائمة للعدل الدولي، كانت تمتاز هذه الأخيرة بسمات فريدة أضفت لها أهمية كبيرة في ميدان القانون الدولي.
تمتاز هذه الهيئة الدائمة بتحديد أحكامها القانونية و قواعدها الإجرائية، ما جعلها تبرز بشكل فعّال عن هيئات التحكيم السابقة. وقد كان لها سجل دائم يشكل وسيلة فعّالة للتواصل بين الحكومات والهيئات الدولية، ما أعطى لها دوراً مهماً كحلقة وصل فعّالة.
تبنت المحكمة إجراءات علنية إلى حد كبير، حيث تضمنت المرافعات والحجج الشفوية والأدلة الوثائقية، ما أضفى شفافية وشمولاً على إجراءاتها، كما تمثلت في تشكيل مجموعة متنوعة من القضاة الذين يمثلون أنظمة قانونية مختلفة، ما منحها تمثيلاً شاملاً وواسع النطاق.
كانت المحكمة أول من سرد مصادر القانون التي يمكن الاعتماد عليها، وهو ما ساهم في تطوير القانون الدولي بشكل فعّال.
منذ جلستها الأولى سنة 1922 إلى غاية سنة 1940، تعاملت المحكمة مع 29 نزاعاً بين الدول وأصدرت 27 رأياً استشارياً، مما ساهم في حل العديد من النزاعات الدولية، لكن رغم الدور الرئيسي الذي لعبته الولايات المتحدة في إنشاء المحكمة، إلا أنها لم تنضم إليها أبداً بسبب التحديات التي واجهتها في الحصول على تأييد مجلس الشيوخ.
تأسيس محكمة العدل الدولية
بعد ذروة نشاطها سنة 1933، شهدت المحكمة الدائمة للعدل الدولي تقهقراً في أنشطتها، وذلك نتيجة التوتر الدولي المتزايد والانعزالية التي سيطرت على تلك الحقبة الزمنية. فيما وضعت الحرب العالمية الثانية حداً فعلياً للمحكمة، حيث عقدت آخر جلسة علنية لها في ديسمبر /كانون الأول سنة 1939 وأصدرت أوامرها الأخيرة في فبراير/شباط سنة 1940.
أما خلال سنة 1942، فأعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دعمهما المشترك لإنشاء أو إعادة إنشاء محكمة دولية بعد الحرب. وفي عام 1943 ترأسَت المملكة المتحدة لجنة تضم قانونيين من جميع أنحاء العالم، تعرف بـ "لجنة الحلفاء"، لمناقشة المادة.
أوصى تقريرها لعام 1944 بضرورة الاستناد إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية في فلسطين كأساس لأي محكمة دولية جديدة، بعد ذلك، أصدر مؤتمر لقوى الحلفاء إعلاناً مشتركاً يعترف بضرورة إنشاء منظمة دولية عامة.
وفي سنة 1944، قدمت الولايات المتحدة مقترحاً في دمبارتون أوكس لإنشاء منظمة حكومية دولية.أما في أبريل/نيسان 1945، نظم مؤتمر في واشنطن جمع 44 من فقهاء القانون من جميع أنحاء العالم لصياغة قانون المحكمة المقترحة.
في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي عقد خلال نفس السنة، تقرر إنشاء محكمة دولية كجزء لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة. وعلى ذلك، اجتمعت المحكمة الدائمة للعدل الدولي للمرة الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1945 وقررت نقل أرشيفها إلى خليفتها.
استقال قضاة محكمة العدل الدولية في 31 كانون الثاني/يناير 1946، مع انتخاب أعضاء محكمة العدل الدولية في شباط/فبراير 1946. في أبريل/نيسان 1946، حُلت المحكمة الدائمة للعدل الدولي رسمياً، وانتخبت محكمة العدل الدولية رئيساً وعينت أعضاء مكتبها، وعقدت جلسة عامة افتتاحية في وقت لاحق من نفس الشهر.
كانت أول قضية ترفع في محكمة العدل الدولية في مايو/أيار سنة 1947 حول الحوادث التي كانت في قناة كورفو والتي تتعلق بمسؤولية الدول عن التلوث البحري، إضافة إلى مبدأ المرور البريء للسفن. كانت القضية المثيرة للجدل أول قضية من أي نوع تنظر فيها محكمة العدل الدولية بعد إنشائها عام 1945.
كيفية انتخاب القضاة بمحكمة العدل
تتألف محكمة العدل الدولية، من 15 قاضياً يتم انتخابهم من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لـ 9 سنوات. يتم اختيار هؤلاء القضاة من قائمة المرشحين الذين تم تقديمهم من قِبل المجموعات الوطنية في محكمة التحكيم الدائم. تشير الفقرة إلى أن عملية الانتخاب تتم وفقاً للمواد من 4 إلى 19 من النظام الأساسي للمحكمة.
تُجرى الانتخابات على مراحل، حيث يتم انتخاب 5 قضاة كل 3 سنوات لضمان استمرارية العمل داخل المحكمة. يُشير الفقرة أيضاً إلى أنه في حالة وفاة قاضٍ أثناء فترة ولايته، يتم انتخاب قاضٍ جديد في انتخابات خاصة لاستكمال الفترة. يحق لقضاة المحكمة أن يتمتعوا بلقب "صاحب السعادة".
تُلقي الفقرة الضوء على أهمية التنوع الجغرافي في تشكيل المحكمة، حيث يجري توزيع المقاعد حسب المناطق الجغرافية. وفقاً للتفاهم غير الرسمي، تخصص خمسة مقاعد للدول الغربية، وثلاثة للدول الأفريقية، ومقعدان لدول أوروبا الشرقية، وثلاثة لدول آسيوية، واثنان لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
تتناول الفقرة أيضاً استقلالية القضاء في محكمة العدل الدولية، حيث يُلخص النظام الأساسي في المواد من 6 إلى 18 متطلبات انتخاب القضاة ذوي الشخصية الأخلاقية العالية والقدرة على شغل أعلى مناصب القضاء في بلدانهم. وتشير الفقرة إلى أن قضاة المحكمة غير قادرين على تولي مناصب أخرى أو العمل كمستشارين.
يُسلط الضوء في الفقرة على القضاة الخاصين الذين يمكنهم نظر القضايا الخلافية وكيف يتم اختيارهم بموجب المادة 31 من النظام الأساسي. تُشير الفقرة أيضاً إلى دور الغرف المخصصة في المحكمة وكيف يمكن أن تسهم في حل النزاعات الدولية.
الاختصاصات القضائية للمحكمة
وفقاً للمادة 93 من ميثاق الأمم المتحدة، يُعتبر جميع أعضاء الأمم المتحدة، والبالغ عددهم 193 عضواً، أطرافاً تلقائياً في النظام الأساسي للمحكمة الدولية. ويتاح أيضاً للدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة أن تنضم إلى النظام الأساسي للمحكمة وتصبح طرفاً به وفقاً لإجراءات المادة 93.
كانت سويسرا، قد اعتمدت هذا الإجراء في عام 1948 لتصبح طرفاً، بينما انضمت ناورو إليه في عام 1988، عندما تصبح دولة طرفاً في النظام الأساسي، يحق لها المشاركة في القضايا المعروضة على المحكمة.
ومع ذلك، يجب أن يُفهم أن كون الدولة طرفاً لا يمنح المحكمة تلقائياً الاختصاص القضائي في النِّزاعات التي تشمل هذه الأطراف. يُحسب الاختصاص القضائي في محكمة العدل الدولية بناءً على النوع الثلاثي للقضايا:
- القضايا الخلافية: تصدر محكمة العدل الدولية في هذه القضايا حكماً مُلزماً بين الدول التي توافق على الخضوع لحكمها، حيث يُستبعد مشاركة الأفراد والشركات والأجهزة المكونة للدولة الفيدرالية والمنظمات غير الحكومية وأجهزة الأمم المتحدة وجماعات حق تقرير المصير.
ورغم ذلك، يُسمح للمصالح غير الحكومية أن تكون موضوع الإجراءات إذا رُفعت قضية من قِبل دولة ضد دولة أخرى، على سبيل المثال، في حالات "الحماية الدبلوماسية"، حيث يُمكن للدولة رفع قضية نيابةً عن أحد مواطنيها أو شركاتها.
الاختصاص القضائي يشكل مسألة حاسمة في القضايا الخلافية، حيث يكون لمحكمة العدل الدولية اختصاص على أساس الموافقة. وتحدد المادة 36 أربعة أسس لتأسيس اختصاص المحكمة.
يُشدد على أن المحكمة قد تكون لها أيضاً اختصاص على أساس الموافقة الضمنية إذا قبل المدعى عليه اختصاص المحكمة صراحةً أو ببساطة دافع عن الأسس الموضوعية، كما حدث في قضية قناة كورفو سنة 1949.
- الاختصاص العرضي: حتى يتم إصدار حكم نهائي، تحتفظ محكمة العدل الدولية بالاختصاص في إجراءات مؤقتة لحماية حقوق أحد أطراف النزاع. يُسمح لأحد طرفي النزاع أو للطرفين معاً بتقديم طلب إلى المحكمة للحصول على تدابير مؤقتة. في قضية نزاع الحدود بين بوركينا فاسو ومالي، تقدم الطرفان بطلب للمحكمة لإصدار تدابير مؤقتة.
يستند الاختصاص العرضي للمحكمة في هذا السياق إلى المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة. على غرار الحكم النهائي، تكون التدابير المؤقتة التي تصدرها المحكمة ملزمة للدول الأطراف في النزاع. ومن المهم أن يكون الاختصاص الظاهري مُسْتوفًى، حيث تُختص محكمة العدل الدولية بالإشارة إلى التدابير المؤقتة فقط إذا تم تحقيق الاختصاص الظاهري بالشكل المناسب.
- آراء استشارية: تستعرض هذه الفقرة جلسة سماع حول "التوافق مع القانون الدولي لإعلان الاستقلال من جانب واحد من قبل مؤسسات الحكم الذاتي المؤقتة في كوسوفو". تتناول النص أيضاً موضوع الفتاوى ودورها كوظيفة من وظائف المحكمة الدولية، حيث تكون مفتوحة فقط لهيئات ووكالات الأمم المتحدة المحددة.
تُشير الفقرة إلى أن الفتوى تُصدر بناءً على طلب من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، ويتعين أن يأذن الأمين العام للأمم المتحدة لأي هيئة أخرى بطلب فتوى من المحكمة. ويُشدد على أن هذه الفتاوى تُعتبر استشارية فقط، لكنها لها تأثير واحترام واسع ويمكن أن يكون لها تأثير ملزم على الدول أو الوكالات المعنية حسب الظروف والقوانين الداخلية.
يتم التأكيد على أن الفتوى لا تكون ملزمة بموجب النظام الأساسي للمحكمة، ولكن يمكن أن تكون مُلزمة على وجه التحديد إذا نصت الصكوك أو اللوائح على ذلك. يُبرز النص أن الطابع غير الملزم لا يُقلل من أثرها القانوني، حيث تعكس وجهات نظر المحكمة الرسمية بشأن قضايا مهمة من القانون الدولي.
يتناول النص الطابع المثير للجدل للفتاوى، ويشير إلى أنها غالباً ما تكون محل جدل بسبب الأسئلة المثيرة للجدل التي تُطرح أو استخدامها كوسيلة لتقديم قضية خلافية بالفعل إلى المحكمة. كما يُذكر عند وصول الطلبات، تُعطى المحكمة الفرصة للجهات المعنية لتقديم معلومات.
قضايا أحيلت لمحكمة العدل الدولية
منذ بدايتها سنة 1945 قامت محكمة العدل الدولية بالفصل في بعض القضايا المرفوعة إليها من بينها:
- الخلاف بين تونس وليبيا بخصوص ترسيم الحدود الجغرافية:
تواجه تونس وليبيا تحديات حادة فيما يتعلق بالحدود البحرية، وهذا الصراع قد تفاقم بسبب التاريخ الاستعماري الفرنسي والإيطالي الذي ترك أثره في المنطقة. وصل الخلاف بين البلدين إلى حد الصدام العسكري في بعض الأحيان على مياه البحر.
تاريخياً، قامت تونس في عام 1977 بتوجيه قارب إلى المنطقة المتنازع عليها، ما أدى إلى إعلان ملكية البحر الذي يتبع لتونس. ورغم صدور قرار من المحكمة الدولية بشأن هذه القضية، إلا أن تونس اعتبرت أنها لم تحصل إلا على الجزء الأقل من حقوقها.
حقل البوري، الواقع في البحر المتوسط، يعد مصدراً لإنتاج النفط بمعدل 23 ألف برميل يومياً، ويديره شركة "مليتة" للنفط والغاز بالتعاون مع شركة "إيني" الإيطالية. ورغم اكتشافه في عام 1976، إلا أن النزاعات القضائية استمرت بين الجارتين حتى عام 1982.
في النهاية، أصدرت محكمة لاهاي قراراً نهائياً يؤكد سيادة ليبيا على الجرف القاري دون منح أي نصيب لتونس. على الرغم من محاولات تونس لإعادة النظر في الحكم، فإن المحكمة رفضت الدعوى مرتين، ما أكد تفضيلية حقوق ليبيا في هذا الصراع البحري المعقد.
- إيران والشكوى ضد أمريكا:
إيران إير الرحلة رقم 655، والتي تُعرف بالإنجليزية بـ "Iran Air Flight 655″، كانت طائرة نقل مدنية تحمل حوالي 290 راكباً، بمن فيهم طاقم الرحلة والركاب. كانت الطائرة من طراز إيرباص A300 التابعة لشركة إيران إير، وقد اقلعت من مطار بندر عباس الدولي متجهة إلى مطار دبي الدولي في 3 يوليو/تموز 1988.
لكن أصدرت القوات البحرية الأمريكية أمراً بإسقاط الطائرة المدنية، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب الذي يصل عددهم إلى 290 شخصاً وغرقها في مياه الخليج العربي.
على إثر هذا الحادث، قدّمت إيران شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة في عام 1989. وفي فبراير/شباط 1996، وافقت الولايات المتحدة على دفع مبلغ 131.8 مليون دولار لإيران لحل النزاع، على الرغم من عدم تحملها رسمياً مسؤولية إسقاط الطائرة المدنية.
- الانتهاكات الحقوقية في سوريا:
قضت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة بقضية رفعتها كندا وهولندا ضد النظام السوري لانتهاكه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وفي قرار تاريخي، أوضحت المحكمة أنه يجب على النظام السوري اتخاذ جميع التدابير لمنع التعذيب والمعاملة اللاإنسانية.
في البيان الصادر عن المحكمة أكد أيضاً ضرورة اتخاذ إجراءات لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بأعمال التعذيب.
رئيس لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، باولو بينيرو، وصف القرار بأنه "تاريخي"، مشيراً إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان كانت سمة مميزة للصراع السوري لسنوات. كما دعا البيان الصادر عن المحكمة سوريا إلى اتخاذ تدابير فعالة للحفاظ على الأدلة ومنع التدمير.
- دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل:
قامت جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول برفع قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وذلك بسبب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2023.
من المقرر أن تكون أول جلسة في المحكمة يوم الخميس 11 يناير/ كانون الثاني 2024 والذي تعتبر الأولى للاحتلال الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية.
- نزاع حول مسار الحدود البحرية الفاصلة بين الولايات المتحدة وكندا في منطقة خليج مين.
- شكوى جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية ضد الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي بشأن أفعالها في حرب كوسوفو.
- شكوى من جمهورية مقدونيا بأن استخدام اليونان حق النقض على انضمامها إلى الناتو ينتهك الاتفاقية المؤقتة في 13 سبتمبر/أيلول 1995 بين البلدين. بُت في الشكوى لصالح مقدونيا في 5 ديسمبر/كانون الأول سنة 2011.
- شكوى من جمهورية الكونغو الديمقراطية بأن أوغندا قد انتهكت سيادتها، وأن جمهورية الكونغو الديمقراطية قد خسرت موارد بمليارات الدولارات تقرر لصالح جمهورية الكونغو الديمقراطية.
- شكوى من جمهورية الهند بشأن حكم بإعدام مواطن هندي، "كولبوشان جادهاف"، من قِبل محكمة عسكرية باكستانية.
انتقادات بالفشل للمحكمة
تلقت المحكمة الدولية انتقادات حول أحكامها وإجراءاتها، وكذلك بخصوص سلطتها. يشير الكثيرون من هؤلاء المنتقدين، مثل الأمم المتحدة، إلى السلطة العامة الممنوحة لها من قِبل الدول الأعضاء، ويشيرون إلى مشاكل في تكوين القضاة وأحكامهم.
الانتقادات تتضمن اقتصار الاختصاص على الحالات التي يتفق فيها الطرفان على الخضوع لقرار المحكمة، ما يؤدي إلى تصاعد حالات العدوان دون حل فعال، وتحديد المدعين حيث لا يمكن للمنظمات والشركات الخاصة والأفراد رفع قضايا أمام المحكمة.
كما يُشير إلى استقلالية المحاكم الأخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية، وتداخل السلطات؛ حيث يمكن للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن استخدام حق النقض لتعطيل تنفيذ قرارات المحكمة. تظل هذه الانتقادات جزءاً من النقاش حول فاعلية المحكمة الدولية وكيفية تعاملها مع التحديات المعاصرة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الدولية.
يزعم النقاد أنها فشلت في عدة جوانب، ما أدى إلى تعريضها للجدل والشكوك حول فاعليتها. تتمثل أحد التحديات في أن اختصاصها هو اتفاقي، ما يسمح للدول بعدم الاعتراف بسلطتها. كما تعتبر بعض الانتقادات الأخرى أنها بطيئة وبيروقراطية، حيث يستغرق حل بعض القضايا سنوات.
بالإضافة إلى العيوب المذكورة، يتعلق الأمر أيضاً بالطابع السياسي لقُضاتها الذين يتم انتخابهم من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ما قد يؤدي إلى تحيزات متوقعة أو حقيقية. وتفتقر المحكمة إلى آلية فعّالة لتنفيذ قراراتها، وحتى بعد صدور الحكم، قد تختار الدول تجاهله دون عواقب جوهرية.
مع ذلك، تبرز الحاجة الماسة إلى تحسين مسارها لتعزيز فاعليتها. يمكن أن يسهم تنفيذ آلية تشجع الدول على قبول اختصاص المحكمة في زيادة الاحترام لقراراتها، وتسريع إصدار الأحكام قد يعزز مصداقيتها.
بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها لتشمل الجهات الفاعلة غير الحكومية، وتحقيق نظام أكثر استقلالية وعدالة يمكن أيضاً أن يعزز تأثيرها. عملية انتخاب القضاة قد تسهم في تحسين غالبية القضايا. ومع ذلك، تتطلب مثل هذه الإصلاحات توافقاً عالمياً، وهو أمر غير سهل.