بعدما استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي سيارة تقل الصحفي الفلسطيني حمزة الدحدوح، نجل المراسل بقناة الجزيرة وائل الدحدوح، ما أدى إلى استشهاده، يعود إلى الأذهان استشهاد عدد من أفراد عائلة الدحدوح قبل أسابيع، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته في قصف إسرائيلي، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استهدف منزلاً نزحوا إليه في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
هذا الحزن التراكمي والخسارات المتتالية التي مني بها المراسل الفلسطيني، أثارت موجة من التعاطف الواسع مع معاناة الدحدوح وغيره من آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة من الفقد المتكرر والمرارة المضاعفة لموت المقربين نتيجة للعدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 3 أشهر حتى الآن على قطاع غزة.
إذ تكرر مشهد خسارة العديد من المواطنين لأكثر من فرد مقرب من الأسرة أو العائلة والأصدقاء، إضافة لخسارة منازلهم ومصادر رزقهم وشعورهم بالأمان، الأمر الذي يكبد الشخص ضريبة نفسية باهظة، فيما يعرّفه خبراء علم النفس بـ"الحزن التراكمي" أو "المرارة المضاعفة".
ما هو الحزن التراكمي؟
يمكن وصف الحزن المضاعف أو المرارة التراكمية بأنها سلسلة من الخسائر والفقد للأشخاص المقربين تحدث خلال فترة زمنية قصيرة.
ويحدث هذا النوع من الحزن المركب، عندما تتراكم خسائر متعددة فوق بعضها البعض في حياة شخص واحد بشكل متسلسل. أحد الأمثلة على الحزن التراكمي هو فقدان أحد أفراد أسرته، يليه فقدان صديق، ثم بعد بضعة أشهر أو أسابيع، يتم فقدان المنزل أو الوظيفة وغيرها من العوامل الحياتية الكبرى.
وبحسب دراسات متخصصة في علم النفس بهذا الشأن، فإنه على الرغم من أن تلك الخسائر قد يكون لها أسباب مختلفة، وتؤثر على مناطق مختلفة من جودة وشكل حياة الشخص، وتختلف في مستويات شدتها ووقعها على النفس، فقد يكون التعامل معها دفعة واحدة بهذا الشكل أصعب من التعامل مع الخسائر الفردية، بسبب التأثير المضاعف والحزن النفسي المتراكم على الشخص نتيجة التعرض المتسلسل لها في فترة محدودة من الحياة.
ويعد الحزن التراكمي أمراً صعباً وله تأثير عميق على الصحة النفسية والعقلية، لأنه قبل أن تتاح للشخص فرصة التعافي والشفاء بالتأقلم مع كل واحدة من الخسائر، تنشأ خسارة أخرى- غير متوقعة على الأغلب- ما يجعل التغلب على أي حزن أمراً صعباً أكثر فأكثر.
أعراض الحزن التراكمي المركب
وفقاً لعلماء النفس والصحة العقلية، هناك عدد من الأعراض الشائعة بين من يعانون من المرارة التراكمية والحزن المركب أو المضاعف، وهي كالتالي:
- الشعور بالصدمة.
- الإحساس بالإنكار وعدم التصديق.
- الغضب.
- الحزن الشديد.
- الشعور بالذنب والندم.
- الشعور بالقلق والتوتر.
- الإحساس بالعجز.
- الخدر العاطفي (كأن الأحداث عبارة عن حلم أو كابوس غير واقعي).
- الشعور بالإرهاق والإعياء الشديد.
- عدم القدرة على النوم (الأرق).
- فقدان الشهية.
- العزلة عن الأصدقاء والعائلة.
- صعوبة الأداء في العمل.
- صعوبة تأدية المهام اليومية مثل الاستحمام وتغيير الملابس.
وقد يستغرق الأمر عدة أسابيع أو أشهر، وفي حالات حادةٍ سنوات، حتى يعود الشخص الذي يعاني من الحزن التراكمي المتفاقم إلى سلوكه المعتاد من الحياة.
أسباب الحزن المركب والمرارة المتراكمة
كما أسلفنا الذكر، هناك عدة أسباب للحزن التراكمي تنحصر بشكل عام في المعاناة من أكثر من مصيبة واحدة في فترة زمنية قصيرة، مثل موت فرد من الأسرة، يليه خسارة عمل أو زوج أو حتى اكتشاف الإصابة بمرض معين.
ومن الأمثلة على الخسائر التي قد تسبب مرارة مركّبة عند البعض:
- فقدان شخص كنت تعرفه أو تعرفه معرفة مقربة.
- التعرض لخسائر مالية.
- خسارة وظيفتك أو عملك.
- الطلاق أو الانفصال عن شريك حياتك.
- تشخيص حالة صحية خطيرة.
- مشاهدة شخص عزيز يعاني من حالة صحية خطيرة.
- فقدان الصحة أو الحركة أو القدرة المعرفية.
- فقدان المنزل بسبب صعوبات مالية أو كارثة أو حرب.
- فقدان الممتلكات الشخصية أو الأشياء الثمينة.
- فقدان الحقوق أو الإحساس بالأمان.
- التعرض لتغيير في نمط الحياة يصعب التعامل معه.
قد يعاني البعض بصورة خاصة من تداعيات نفسية أكثر حدة من غيرهم عند المعاناة من الخسائر الشخصية المتراكمة، وهم على سبيل المثال الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو حالات صحية أخرى. أو الأشخاص الذين يفتقرون إلى الدعم الاجتماعي في حياتهم، والكبار في السن، والأشخاص الذين يتعرضون بشكل روتيني للصدمات، مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية أو الأخصائيين الاجتماعيين أو المستجيبين الأوائل أو الصحفيين في مناطق الحروب.
كما قد يعاني من يعيشون في بيئة مُهدَّدة يتعرضون فيها للعديد من الخسائر في وقت واحد، مثل قطاع غزة بتجدد العدوان الإسرائيلي عليه، أو مناطق الكوارث الطبيعية، من تبعات نفسية خطيرة بسبب المرارة المركّبة.
التعامل مع الحزن المركب بشكل صحي
ينصح خبراء الصحة النفسية والعقلية باتباع عدد من التعليمات؛ لتسهيل عملية التعافي وتجاوز الصدمات الناجمة عن تراكم وتفاقم المصائب في الحياة الشخصية، ومن أهم النقاط التي يجب اتباعها:
1- عدم قمع الحزن: من المهم الشعور بما يكفي من الحزن على كل خسارة على حدة؛ وذلك حتى يتمكن الشخص من البدء في قبول الواقع والمضي قدماً.
صحيح أن معالجة المشاعر أمر صعب لكنه ضروري. وعدم أخذ الوقت الكافي لمعالجة كل خسارة أو قمع المشاعر بالانهيار والحزن، يمكن أن يزيد من تفاقم المشاعر السلبية.
2- الرعاية الذاتية: من الضروري التعاطف مع الذات وتقدير معاناتها، خاصةً أنها لم تمتلك الوقت الكافي للاستيعاب والتأقلم بعد كل مصيبة شخصية.
الاستعانة بالأشخاص المقربين: من الضروري الاستعانة بدوائر المقربين سواء من الأهل أو الأصدقاء، والتواصل معهم ومشاركتهم الأفكار والمشاعر؛ للحصول على الدعم النفسي والمعنوي منهم.
3- الأمر يستغرق بعض الوقت: لا يجب أبداً وضع فترات زمنية أو توقعات غير واقعية للحزن. إذ يستغرق الحزن وقتاً للشفاء، وقد يستغرق الحزن المتفاقم والمرارة المتراكمة نتيجة تجدد المصائب والخسائر الشخصية وقتاً أطول. لذا من الضروري الاستعانة بالصبر مع النفس ومنحها ما تحتاج من الوقت.
4- البحث عن معنى الحياة: الخسارة تساعدنا على وضع الأمور في نصابها الصحيح وإعادة تحديد ما هو مهم بالنسبة لنا في الحياة. لذا من الممكن اغتنام هذه الفرصة لتحديد الأشياء التي تتوافق مع القيم الشخصية.
5- طلب المساعدة المتخصصة: وفي حال صعوبة التأقلم، من الضروري اتخاذ قرار الاستعانة بالأطباء النفسيين المتخصصين؛ للمساعدة على التأقلم والتعافي من الخسارة والشعور بالسلام والقبول.