يجمع الشيخ صالح العاروري الذي اغتالته إسرائيل في الضاحية الجنوبية عدة سمات، منها أنه متخصص في الشريعة الإسلامية، وعمله في الجناح العسكري لـ"حماس" في الضفة الذي كان معروفاً باسم كتائب الشهيد عبد الله عزام إلى أن جرى توحيد الاسم بين الضفة وغزة تحت "عز الدين القسام"، إضافة إلى كونه انخرط بعد 2007 في العمل السياسي والقيادة التنظيمية.
أكسبته الأبعاد الثلاثة قدرة على العبور والنفاذ واسعة، إضافة إلى انتمائه إلى الضفة الغربية ومشاركته المبكرة في النضال فيها إبان الانتفاضة الأولى، واتصاله بكبار العمل المقاوم في حماس كعماد عقل ويحيى عياش ومحمد الضيف، وتعرضه للسجن على فترتين؛ الأولى 15 عاماً من 1992 وحتى 2007م، ثم سجنه مرة أخرى بعد التصفية التي أجرتها السلطة الفلسطينية تجاه حماس في الضفة بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007 حتى أفرج عنه عام 2010. ثم إبعاده خارج فلسطين ليتنقل بين سوريا وتركيا ولبنان وقطر.
تلك التجربة سهلت له ابتكار بعض التكتيكات، التي ستتخذ طابع الشعار لكنها في جوهرها استراتيجية ظهرت وتجلت في أكثر من موقف، أبرزها كان "سيف القدس" وعملية "طوفان الأقصى"، فما هو ذلك الشعار الذي سكه العاروري.
وحدة الساحات
تقوم فكرة شعار "وحدة الساحات" على تجاوز الخلافات البينية بين الفصائل ومكونات محور العداء لإسرائيل للتوحد خلف الهدف الرئيسي وهو مواجهة العدو الإسرائيلي، على أن توحد فلسطين كل الساحات التي تمزقها الجغرافيا والأيديولوجيا.
وبالفعل استطاع هذا الاتجاه الذي لم يكن العاروري بالطبع هو مُحركه الوحيد، إدماج العديد من الساحات المتباينة جغرافياً والبعيدة من حيث الانتماء والأفكار، بل ظهر بشكل جليّ في صورة انتفاضة على مدار العامين الماضيين منذ معركة سيف القدس.
أحد أبعاد الشعار هو: ما إن تسخن ساحة للحرب مع الكيان المحتل حتى تدخل الأخرى، سواء داخل فلسطين أو خارجها، مستغلاً سقف الإمكان للمقاومة، فكل بلد يصلح لأن يقاوم فيه فرد واحد فليفعل، وكل شارع، كما تبنى العاروري فيها أفكاراً حول التعبئة والتجييش العاطفي من أجل إحياء المقاومة في مناطق ماتت فيها إكلينيكياً كالضفة الغربية بعد انتهاء الانتفاضة الثانية.
الساحات الفلسطينية
في "سيف القدس" ظهر الشعار، إذ انتفضت غزة نصرة للقدس وحي الشيخ جراح، هذه التحركات التي فرضتها الغرفة المشتركة في غزة تعبيراً عن معادلة الاعتداء على الأقصى مقابل صواريخنا، لم تكن لتتم إلا بالوحدة الأولى التي حدثت بين فصائل المقاومة داخل غزة، بين حماس و"الجهاد الإسلامي" وبقية الفصائل الذين هم بالطبع أقل عدداً.
ثم ما إن وقعت الأحداث حتى تفجّر الداخل، عندما اندفع عرب مدينة "اللد" إلى الإضراب والاشتباك السلمي مع جنود الاحتلال، وتكرر ذلك في قرى وبلدات فلسطين المحتلة، والتي أدت إلى مواجهات شرسة عجلت بقرار إنهاء الحرب وتوقفها خلال 11 يوماً. شاركت وقتها الضفة بمواجهات لكنها اتسمت بالضعف بصورة عامة.
بعد أن انتهت جولة سيف القدس عادت بعض من روح الثورة في الضفة، اشتعلت محاولات عديدة لإحياء روح النضال والمقاومة، كتيبة نابلس وجنين وغيرها من الفصائل الصغيرة التي تشكلت بشخصيات عابرة للانتماء، فمنهم من كان ينتمي إلى "شهداء الأقصى" المنبثقة من "فتح" وينخرط في النضال مع آخر من حماس أو "الجهاد" وهكذا. وقد كان العاروري حاضراً في الاتفاق السياسي بين حماس وفتح عام 2017.
نفذ العديد من الفلسطينيين في الضفة والقدس ولبنان عمليات ضد الاحتلال، كانت "الجهاد الإسلامي" خلف العديد من تلك العمليات، إذ كان العامان اللذان تليا "سيف القدس" في الضفة دمويَّين بصورة يومية، لا تخلو من اقتحامات وشهداء.
أما على مستوى الشتات ففي الخارج أخذت الحركة الفلسطينية في العالم بعداً أكبر، حيث بلغت ذروة الدعم الحقوقي والإنساني، وقد كان الجهد الأكبر من الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات، إذ أثرت في الأكاديميين والحقوقيين.
إذ كانت وحدة الساحات قائمة على توحيد جغرافيا فلسطين بين فلسطين غزة، وفلسطين الضفة، وفلسطين الداخل، وفلسطين الشتات، وحَّد العدو المشترك جغرافيا فلسطين المشتتة.
الساحات الإقليمية
منذ فجر عملية طوفان الأقصى وهناك تساؤل: هل نجح شعار وحدة الساحات؟ على كل، هذا اختبار حقيقي له لكنه على المستوى الإقليمي أثبت فعاليته، فاليمن انخرط في "طوفان الأقصى" من خلال استهداف أم الرشراش "إيلات" بصواريخ كروز ومسيرات انتحارية، وتلا بعدها التصعيد تجاه السفن التجارية التابعة لرجال أعمال من دولة الاحتلال، ثم استهداف كل السفن الذاهبة أو العائدة من دولة الاحتلال الصهيونية.
وفي لبنان كان هناك مستويان للمشاركة: الأول من قبل الحزب، وكان قائماً على استهداف نقاط المراقبة وبعض التصعيد بين الفينة والأخرى والإشغال. أما المستوى الآخر فهو السماح لـ"سرايا القدس" التابعة لـ"الجهاد الإسلامي" ولكتائب عز الدين القسام التابعة لـ"حماس" باستخدام جنوب لبنان كنقطة انطلاق في عمليات تجاه دولة الاحتلال. وقد اغتيل إلى جوار صالح العاروري، قائد كتائب عز الدين القسام في لبنان عزام الأقرع. كذلك شهدت سوريا والعراق عمليات ضد القوات الأمريكية ومصالحها في البلدين.