عند الحديث عن الجهاز العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يمكن الحديث عن الشيخ صلاح شحادة، وذلك لدوره الكبير في تأسيس هذا الجهاز سنة 1984، والذي كان يُعرف في البداية باسم "المجاهدون الفلسطينيون".
وقد كانت "كتائب القسام" في البداية، عبارة عن مجموعة من الخلايا العسكرية السرية، التي نفذت سلسلة من عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد كان صلاح شحادة قائداً لحركة "المجاهدون الفلسطينيون"، حتى سنة 1991، بعد أن تحوّل اسم الجهاز إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام.
ومنذ ذلك الوقت، وحتى سنة 2002، عندما تم اغتياله، تمكن الشيخ صلاح شحادة من تطوير العمل العسكري في الحركة، وجعله جيشاً كبيراً قادراً على خوض معارك وحروب كبرى.
من هو الشيخ صلاح شحادة؟
وُلد صلاح الدين مصطفى شحادة بتاريخ 24 من فبراير سنة 1952، في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وهو الأخ الأصغر لست بنات، وكبر وسط عائلة أصولها من يافا، والتي تم تهجيرها قسراً من طرف الاحتلال سنة 1948.
درس المرحلة الابتدائية في مدارس الأونروا في مخيم الشاطئ بغزة، فيما درس المرحلة الإعدادية في مدارس بيت حانون، بعد الانتقال للعيش في المدينة الحدودية مع الأراضي المحتلة.
وقد حصل صلاح شحادة على شهادة الثانوية العامة بتفوق من مدرسة فلسطين في غزة سنة 1972، لينتقل بعد ذلك لمصر ويلتحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية.
تزوج صلاح سنة 1976، وأنجب من زوجته ست بنات، كما أنه في نفس السنة عمل في مجال البحث الاجتماعي بمدينة العريش، شمال سيناء.
كما عُيّن بعد ذلك مفتشاً للشؤون الاجتماعية في العريش، إلى أن استعادت مصر مدينة العريش من الاحتلال الصهيوني سنة 1979، لينتقل حينها للعيش في بيت حانون، ويتسلم منصب مفتش الشؤون الاجتماعية لقطاع غزة.
لكنه استقال من عمله، وقرر الانتقال للعمل في دائرة شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، ابتداء من سنة 1982.
الاعتقالات في سجون الاحتلال
تم اعتقال الشيخ القائد صلاح شحادة من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي سنة 1984، وذلك بسبب للاشتباه بنشاطه العسكري، وقد تم توجيه تهم له بتشكيل خلايا عسكرية، وتدريب أفرادها على السلاح، والأمر بتنفيذ عمليات ضد أهداف عسكرية في غزة.
وبالرغم من عدم ثبوت أي من هذه التهم عليه، فإن قوات الاحتلال استمرت في حبس صلاح شحادة لمدة سنتين بموجب قانون الطوارئ الذي يفرضه الاحتلال، ونال حريته سنة 1986.
وقد استمر في عمله مرة أخرى مديراً لشؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في غزة، إلى أن أغلقت سلطات الاحتلال الجامعة في محاولة لوقف انتفاضة الحجارة عام 1987.
وقد تم اعتقاله مرة أخرى من طرف الاحتلال الإسرائيلي صيف سنة 1988، وذلك لأنه استمر في عمله، حتى بعد فرض إغلاق الجامعة الإسلامية.
ومن التهم التي وُجهت للشيخ صلاح شحادة قيادة الجهاز العسكري لحماس، والوقوف وراء أسر الجنديين آفي سبورتس وإيلان سعدون.
وقد حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات ونصف، أُضيفت إليها سنة بدل غرامة رفض الشيخ صلاح شحادة أن يدفعها، وبعد انتهاء المدة حُوّل إلى الاعتقال الإداري لمدة 20 شهراً حتى أُفرج عنه منتصف سنة 2000.
وقد تعرض خلال فترة الاعتقال لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، فقد كان المحققون ينتفون لحيته شعرة بعد شعرة، حتى شك في أنه لن تنبت له لحية بعد ذلك، كما أنه مكث في التحقيق قرابة العام، حتى بلغ مجموع سنوات اعتقاله 14 سنة.
العودة لتشكيل الجهاز العسكري القسامي
تم تهديد صلاح شحادة من طرف ضباط مخابرات الاحتلال، وقالوا له إنه سيتم اغتياله في حال استمر في نشاطه العسكري في كتائب القسام.
ومع ذلك، استقال شحادة من عمله في الجامعة الإسلامية بغزة، وتفرغ للعمل العسكري، ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي، ضارباً عرض الحائط بكل التهديدات التي تعرض لها، وكله أمل في العمل على تحرير بلده من المحتل.
وقد عمل منذ سنة 200 على بناء الجهاز العسكري، وترتيب صفوفه من جديد، بعد ملاحقة أجهزة السلطة الفلسطينية له.
وقد تواصلت العمليات الاستشهادية المنظمة من طرف حركة حماس مع بداية انتفاضة الأقصى، التي اعتبرها الشيخ "نقطة انطلاق نحو تحرير فلسطين"، فكان المخطط والعقل المدبر لها.
وقد كان نتاج هذه الانتفاضة إطلاق الصاروخ القسامي الأول تجاه الأراضي المحتلة، بفضل جهود وحدة التصنيع التي شكلها إلى جانب الوحدات والأكاديميات العسكرية المتخصصة.
كما كان المشرف على عدة عمليات استشهادية، مات على أثرها عشرات الجنود الاسرائيليين، ليصبح بذلك المطلوب الأول عند قوات الاحتلال.
اغتيال بأوامر من رئيس وزراء الاحتلال
أصبح الشيخ صلاح شحادة على رأس قائمة الاغتيالات التي تستهدفها قوات الاحتلال، بعد أن تم تصنيفه على أنه أخطر رجل في فلسطين.
فقد تم تسخير كل الأجهزة بأوامر من رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أريئيل شارون، من أجل ملاحقته واغتياله، كونه العدو الأول للكيان الصهيوني.
في 22 من يوليو سنة 2002، تم اغتيال صلاح شحادة وعدة أفراد من عائلته، من بينهم زوجته، بعد أن ألقت طائرات الاحتلال الحربية قنبلة تزن طناً من المتفجرات على منزل في حي الدرج شرق مدينة غزة.
وقد تسببت هذه المجزرة في استشهاد 18 شخصاً، من بينهم مرافق صلاح شحادة القيادي في القسام زاهر نصار، و8 أطفال.