خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي عقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عادت إلى الواجهة العديد من الأسماء الفلسطينية التي دخلت التاريخ بأعمالها البطولية، من بينهم الأسير ثائر كايد حماد.
قضى ثائر كايد حماد 20 عاماً في سجون الاحتلال، لاتهامه بقتل 11 جندياً إسرائيلياً وإصابة 6 آخرين، من بينهم 3 حالات خطيرة بين مدينتي رام الله ونابلس في منطقة وادي الحرامية في الضفة الغربية المحتلة.
خاطر ثائر بتنفيذه عملية استثنائية أحدثت اهتزازاً في الساحة الإعلامية الفلسطينية والعربية. ورغم أهمية الحدث، فإن الإعلام الإسرائيلي قرر تجاهله، تفادياً للإشارة إلى الصورة المذلة التي رسمها هذا الشاب الفلسطيني، الذي هزم جيشهم باستخدام بندقية قديمة للصيد، تبدو بالكاد كافية للغرض الذي صُممت له.
في ريعان شبابه، أحدث هذا الثائر تحولاً جديداً في سجل المقاومة الفلسطينية. رغم أن الإعلام الإسرائيلي قد أغفل هذه الفعلة، فإنها ألقت بظلالها الكبيرة في الإعلام الفلسطيني والعربي، حيث أصبحت رمزاً للشجاعة والتحدي في مواجهة الاحتلال.
من هو ثائر كايد حماد؟
وُلد ثائر كايد حماد في 29 يوليو/تموز 1980 في بلدة سلواد شمال شرق رام الله، وسط عائلة مكونة من خمسة إخوة، عُرف ثائر بعد عملية عيون الحرامية التي نفذها في 3 مارس/آذار سنة 2002، والتي تعتبر لحظة فارقة في التاريخ الفلسطيني والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما يُلقّب بقناص عيون الحرامية، كما أنها تعتبر من العمليات التي نفذها مواطن لا ينتمي لأي فصيل سياسي.
تعتبر هذه العملية من بين أكثر العمليات شجاعة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، إذ قام بشن هجوم مباغت على مجموعة من الجنود الإسرائيليين على طريق بين مدينتَي رام الله ونابلس. استخدم بندقية M1 الأمريكية القديمة التي يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى، ونفذ هجومه الذي قتل خلاله 11 جندياً إسرائيلياً ومستوطناً، فيما أصاب 9 آخرين قبل أن تنفجر بندقيته.
العملية كان لها تأثير كبير على الساحة الإعلامية والسياسية، حيث أُشير إلى حماد كشخصية بارزة في المقاومة الفلسطينية. يعتبره البعض بطلاً قومياً، في حين يعتبره الاحتلال الإسرائيلي "إرهابياً" لتبدأ عملية البحث عليه، وإلقاء القبض عليه من قِبل الاحتلال. كما تظل هذه العملية نقطة تحول في تاريخ الصراع الفلسطيني، وتسجيلاً لمظاهر الصراع الدائم بين الفلسطينيين والاحتلال.
ما هي عملية عيون الحرامية؟
بتاريخ 3 مارس/آذار 2002، قام الثائر كايد قدورة حماد، بتنفيذ عملية استثنائية على جبل "عيون الحرامية"، بين مدينتَي رام الله ونابلس. بدأت ملحمته هذا اليوم بالاستعدادات الدينية، حيث توضأ لأداء صلاة الفجر وحمل مصحفه. ارتدى زياً عسكرياً وحمل بندقية M1 الأمريكية القديمة، التي يعود تاريخها للحرب العالمية الأولى، وكانت مزودة بـ70 رصاصة، حسب ما صرح به ثائر لموقع فتح ميديا الفلسطيني.
انطلق ثائر إلى جبل "عيون الحرامية"؛ حيث قضى ساعتين يراقب الحاجز العسكري الإسرائيلي، على بُعد 120 متراً تقريباً. وفي الساعة 6 صباحاً، بدأ هجومه المباغت، حيث قتل 11 جندياً إسرائيلياً، وأصاب 9 آخرين برصاصه الدقيق. بعد نفاد الرصاص، انتظر وصول سيارة مدنية فيها مستوطنان اثنان وقام بإطلاق رصاصتين على رأسيهما.
تبع ذلك تصدي الثائر لجنود إسرائيليين ومستوطنين آخرين بشكل عشوائي، حيث قضى على عدد منهم وألقى بنفسه من الجبل. بعد انفجار البارودة وانتهاء العملية، انسل حماد من المنطقة، ساعدته الأشجار والتضاريس الوعرة في الهروب. بنهاية اليوم، كانت حصيلة هذه العملية 11 قتيلاً و9 مصابين، وقد أخذ حماد معه 26 رصاصة.
كانت هذه العملية ثورة على حاجز إسرائيلي يهين الفلسطينيين ويقهرهم ويذلهم ويعيقهم من الوصول إلى بلداتهم وقراهم، فكانت هذه العملية للثأر والانتقام من هذا الحاجز، وعلى إثر هذه العملية أزيل الحاجز بالكامل.
البحث والاعتقال
في أعقاب العملية فرضت قوات الاحتلال طوقاً أمنياً حول بلدة سلواد، ونفذت حملة تمشيط مكثفة بهدف البحث عن المنفذين المحتملين للهجوم. خلال هذه الحملة، تم اعتقال ثائر المنفذ المفترض، حيث تم احتجازه لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتم الإفراج عنه.
وبعد مرور عامين من البحث والتحقيقات التي قامت بها أجهزة الأمن الإسرائيلية، تم اعتقال ثائر كايد حماد في 2 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2004. وهو شاب من بلدة سلواد شمال رام الله. أجريت محاكمته أمام المحكمة العسكرية في عوفر، حيث استمرت الجلسات لمدة 30 جلسة.
في نهاية المحاكمة، أصدرت المحكمة حكماً بالسجن المؤبد 11 مرة لثائر حماد، وتم نقله إلى سجن إيشل المركزي. وتم وضعه في قسم العزل رقم 4، حيث التقى بمروان البرغوثي، الذي لقَّبه بـ"أمير كتائب شهداء الأقصى".