خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووجود أكثر من 5 ألف امرأة حامل داخل القطاع وأكثر من حالة ولادة يومياً، تواجه النساء العديد من المشاكل خلال هذه الفترة، خاصة مع انعدام المراكز الطبية المتخصصة، ما يدفع الكثير منهن إلى الولادة في المخيمات دون وجود رعاية طبية خاصة.
حسب موقع Middle East Eye البريطاني، استخدمت نور معين مقصاً خاصاً بالورق ومشبك غسيل لقطع الحبل السري لابن أختها التي ولدت خلال أيام القصف على قطاع غزة في ظروف تفتقر إلى الكهرباء، إذ استعانت بإضاءة من هاتفها المحمول فقط.
إذ لا توجد معدات لكي تستخدمها الممرضة، البالغة من العمر 25 سنة فقط، أثناء استقبال مولود أختها على أصوات الغارات الجوية والقصف المدفعي العشوائي من الاحتلال الإسرائيلي، رغم قربهم من المستشفى، فإن العائلة لم يكن بمقدورها المغامرة بالخروج من المنزل خلال الليل للوصول إلى المشفى بسبب الغارات الجوية في المنطقة.
بالإضافة إلى أن المستشفيات وسيارات الإسعاف في غزة كانت مكتظة بالشهداء أو جرحى الهجمات الإسرائيلية. لم يكن أمام آية، شقيقة نور، خياراً آخر سوى الولادة في منزل الأسرة، الذي نزحت إليه في وقت سابق من الحرب.
الولادة في غزة والغارات الجوية
في ليلة مظلمة ومليئة بالتحديات، شاركت ندى نبيل، البالغة من العمر 31 عاماً، وهي أخت زوجة السيدة آية، قصتها، فحسب نفس المصدر بدأت قصتها في ساعة متأخرة من الليل، حيث بدأت آلام المخاض بشدة، وكان على العائلة التحلي بالشجاعة واتخاذ القرارات الحاسمة.
وفي حديثها، قالت ندى: "كانت الآلام شديدة لدرجة لا يمكن تحملها، ورغم الوضع الخطير، لم نكن نفكر حتى في الانتقال إلى المستشفى، حيث كان ذلك يعرّض حياة آية ورضيعتها لخطر محدق. كان القصف مستمراً، وصوت الدبابات الإسرائيلية يعلو في المنطقة".
وأضافت ندى: "لم نكن نعرف كيف نتصرف في ظل الظروف الصعبة، ولكن كان علينا التصرف بسرعة، وكانت آية في حاجة ماسة للمساعدة".
نور، شقيقة زوج آية، كانت تعود تجاربها في مجال المساعدة في عمليات الولادة، ولكن هذه المرة كانت تواجه تحديات جديدة. وفي ظل غياب الكهرباء، كان يتعيّن عليهن الاعتماد على الإضاءة البسيطة، ولكن هذا الخيار لم يكن متاحاً في المنزل.
وفي إطار الظروف القاسية التي فرضتها إسرائيل على غزة بقطع إمدادات الكهرباء والوقود، وجدت العائلة نفسها تعيش في ظلام تام، واستخدمت آخر ما تبقى من بطاريات الهواتف لتوفير الإضاءة اللازمة لعملية الولادة.
وفي هذا السياق، أوضحت ندى: "كنا نعيش في ظل الحروب السابقة، لكن هذه المرة كانت التحديات أكبر، واستخدمنا ضوء كشاف الهواتف لمساعدة نور في رؤية العملية بوضوح".
تركت العائلة منزلها في شارع الرمال بوسط مدينة غزة خلال أول أيام الحرب، ولجأت إلى منزل أسرتهم في منطقة الصحابة. كان هذا المنزل واسعاً، واستقبل العديد من الأسر المتضررة، حيث جمعتهم الرغبة المشتركة في البقاء معاً خلال هذه الظروف الصعبة.
وختمت ندى حديثها بوصف المشهد الفريد لولادة الطفلة في هذه الظروف الصعبة، حيث تجمعت النساء حول آية، والرجال خارج المنزل يصلون من أجل سلامتها. كانت أصوات القصف مرتفعة، وصرخات الألم تتناغم مع الصلوات والتشجيعات من الموجودين.
وفي الختام، وصفت ندى اللحظة بأنها سريالية وصعبة التصديق، وأشارت إلى أن الجميع كانوا يرددون الدعاء من أجل السلامة والصبر، في محاولة لتخطي هذه التجربة الصعبة بروح إيجابية وتضامن قوي.
الولادة دون معدات طبية في غزة
وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً دمر فيه 52 منشأة طبية، وحطم أكثر من 56 سيارة إسعاف في قطاع غزة. واستشهد إثرها ما لا يقل عن 283 من اختصاصيي الرعاية الصحية.
يصل إجمالي عدد الفلسطينيين الذين استُشهدوا لأكثر من 18 ألفاً، وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا من المدنيين، خاصة بين الأطفال والنساء.
لم يكن لدى أسرة آية توقع بأنها ستواجه ولادة مبكرة، وكانوا غير مستعدين بأي خطط طارئة. وبدون معدات طبية، اضطروا للاعتماد على الأغراض المنزلية التي كانت أمامهم.
وفي سياق مأساوي آخر، كانت لحظات حياة أيّة محفوفة بالمخاطر. بينما كانت ندى تحمل المشعل وتقرأ القرآن، كانت تنتظر ولادة آية التي كانت تناضل من أجل البقاء. وقالت ندى: "كان الوقت ينفد، وكنا نخشى على حياة الرضيعة. كانت لحظة رعب وصراخ، ولكن عندما ولدت آية أخيراً، انفجرت الفرحة والبكاء في آن واحد".
تفاصيل المأساة لا تتوقف هنا. بعد الولادة، اضطرت نور لتقديم رعاية ما بعد الولادة باستخدام أدوات بسيطة مثل المقص الورقي المعقم ومشابك الغسيل، فكانت تحتاج إلى الاستفادة من كل ما توفره الظروف المحيطة بها.
وأضافت ندى: "كان علينا البحث عن مستلزمات طبية بسيطة بأيدينا. استخدمنا كل ما وجدناه لضمان سلامة آية والرضيعة، والحمد لله كانت النتيجة إيجابية".
وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، استمرت قصة الصمود والتحدي. يقول الدكتور عدن راضي، طبيب الولادة وأمراض النساء في مستشفى العودة بشمال قطاع غزة: "هناك نحو 5 آلاف امرأة حبلى في غزة تحتاج إلى رعاية صحية منتظمة، وهو أمر يعكس الحاجة الملحة لدعم صحي في هذه الظروف الصعبة".
تحمل الطفلة التي وُلدت في هذا السياق الصعب اسم "ماسة"، لتكون تذكيراً بالقوة والثبات في وجه التحديات. وختمت ندى: "رغم كل الصعاب، أصررنا على أن تبصر هذه الحياة في ظل الأوضاع القاسية، وهي الآن جزء لا يتجزأ من حياتنا".
مخاطر الولادة في المنزل
يعتبر اللجوء إلى الولادة في المنزل خياراً تقوم به بعض النساء، لكن ما هي المخاطر المحتملة لهذا الاختيار؟
في ظل هذا الاتجاه المتزايد نحو الولادة في المنزل، تشير الأبحاث إلى أن هناك ارتباطاً متزايداً بين هذا الاختيار وبين احتمالية ارتفاع معدل وفاة الرضيع وحدوث نوبات مرضية واضطرابات في الجهاز العصبي.
على الرغم من ذلك، يُظهر البحث أيضاً أن بعض الإجراءات يمكن أن تخفض من هذه المخاطر، مثل الحصول على مساعدة من ممرضة قابلة معتمدة والتواصل مع طبيب متخصص في طب التوليد.
تأكيداً على أهمية التحضير للولادة بالمنزل، يُشدد على أن اختيار اختصاصيي الرعاية الصحية المناسبين ووضع خطة متكاملة يمكن أن يساهم في تقليل المخاطر. من خلال اختيار قابلة معتمدة والتحدث مع الطبيب المعني، يمكن للنساء تحسين فرص نجاح تجربة الولادة في المنزل.
وماذا عن الاستعداد الفعَّال للولادة في المنزل؟ يُشدد على ضرورة اختيار اختصاصي رعاية صحية ذوي كفاءة عالية والتفاوض بشأن خطة الولادة. ويُشجع على حضور دورات التحضير للولادة لضمان استعداد الأم لما قد تواجهه أثناء عملية الولادة.
أخيراً، ولتأمين السلامة، يجب على المرأة الحامل والمستعدة للولادة في المنزل أن تضع خطة للانتقال إلى المستشفى في حالة الضرورة. هذا يتطلب مناقشة مع طبيب حالات الطوارئ المحتملة وترتيب وسيلة للنقل إلى المستشفى بشكل فوري، إذا لزم الأمر.