منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سنة 1948؛ بدأت العديد من حملات الاعتقال في صفوف الفلسطينيين، إلا أن هناك أسيراً حكم عليه بأطول مدة حكم في التاريخ، فيما ترفض إسرائيل الإفراج عنه تحت أي ظرف.
عبد الله البرغوثي هو الأسير الذي قال فيه الضابط المسؤول عن ملفه في المحكمة العسكرية في بيت لحم، لو اضطرت إسرائيل أن تترك الأراضي الفلسطينية لأي سبب فإنها ستأخذه معها، إذ يعتبر من بين أخطر المقاومين الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي؛ حيث قام بإعادة إحياء كتائب القسام سنة 2000 بعد اغتيال قائدها يحيى عياش سنة 1996.
يعود سبب الحكم عليه بـ67 مؤبداً و5200 سنة من السجن إلى اتهامه بتنفيذ 7 عمليات فدائية قتل فيها 67 إسرائيلياً، فيما جرح أكثر من 500 آخرين.
قضى عبد الله البرغوثي أكثر من 20 سنة داخل السجون الإسرائيلية، إذ اعتقل من قبل قوات خاصة في مدينة البيرة في الضفة الغربية المحتلة في 5 مارس/آذار سنة 2003.
من هو عبد الله البرغوثي؟
ولد عبد الله غالب عبد الله الجمل البرغوثي في عام 1972 في دولة الكويت، في أسرة تعود أصولها إلى عائلة فلسطينية معروفة باسم عائلة البرغوثي. بعد فترة من الولادة، انتقل البرغوثي إلى العاصمة الأردنية عمان، حيث أدركته الفرصة للتعرف على عديد من العائلات الفلسطينية.
عاش البرغوثي في ظل ظروف التهجير من الوطن، حيث شاهد عن كثب قصص المنكوبين ومعاناة النازحين بسبب الاحتلال الإسرائيلي. تلك التجارب صاغت في نفسه شعوراً عميقاً بمقاومة المحتل، وكتبت تلك التجارب بأحرف من الصميم على روحه.
يعتبر عبد الله البرغوثي شاهداً على الواقع الفلسطيني، حيث تمثل رحلته حكاية لا تخلو من الألم والصمود. إن تجربته الشخصية تعكس تأثير الظروف الصعبة على حياة الفلسطينيين، وتبرز ضرورة فهم أبعاد الصراع والتهجير في المنطقة.
بدأ عبد الله البرغوثي مسيرته التعليمية في الكويت، حيث أكمل تعليمه الأساسي. وبعد تغييرات جوهرية نجمت عن حرب الخليج، انتقل إلى المملكة الأردنية حيث أتم دراسته الثانوية وحصل على شهادة الثانوية العامة في فرع الميكانيكا عام 1990.
لم يكتفِ البرغوثي بالتعليم العالي في بلاده فقط، بل سافر إلى كوريا الجنوبية، حيث يجيد لغتها، وتخصص في دراسة الهندسة الإلكترونية في جامعاتها لمدة ثلاث سنوات. خلال فترة إقامته في كوريا، استفاد البرغوثي من فرصة تعلم صناعة المتفجرات واكتساب مهارات أساسية في هذا المجال، بالإضافة إلى تعزيز معرفته في فنيات اختراق أنظمة الحاسبات وأجهزة الاتصالات.
حصل عبد الله البرغوثي على ماجستير من جامعة القدس سنة 2022 وهو داخل السجون الإسرائيلية في قسم الدراسات الإقليمية.
المسيرة النضالية والرجوع إلى فلسطين
عندما يتعلق الأمر بمسيرة النضال الشهيرة للبرغوثي، تظهر البداية في مساره النضالي في سن مبكرة. وذلك خلال وجوده في الكويت، إذ شارك البرغوثي في مجموعات تقاتل ضد القوات الأجنبية، ما أدى إلى اعتقاله لمدة تقارب شهراً في سجون دولة الكويت، ومن ثم تم ترحيله إلى المملكة الأردنية الهاشمية.
بعد عودته من كوريا الجنوبية، حاول البرغوثي دخول فلسطين دون جدوى. وفي عام 1998، حصل على عقد عمل في إحدى الشركات الفلسطينية، حيث تواصل مع شخصيات من حركة المقاومة حماس وأعلمهم بمهاراته في صناعة المتفجرات، مظهراً استعداده للتضحية من أجل القضية الفلسطينية.
مع بداية الانتفاضة الثانية في عام 2000، أصبح البرغوثي مهندساً للعمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما جعله هدفاً لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي.
اعتقله الجهاز الوقائي الفلسطيني لمدة شهر بعد تنفيذه عملية فدائية في مطعم "سبارو" بتل أبيب في أغسطس/آب 2001، حيث قتل فيها 15 إسرائيلياً وأصيب آخرون.
بعد إطلاق سراحه، قاد البرغوثي عدة عمليات استشهادية في المستوطنات الإسرائيلية، فيما يرى الاحتلال الإسرائيلي أنه مسؤول عن مقتل 66 إسرائيلياً وإصابة أكثر من 500 آخرين.
خلال مسيرته الوظيفية شغل عبد الله البرغوثي العديد من المناصب المتصلة بتخصصه، من بينها:
- سنة 1997 اشتغل مهندساً لصيانة الأجهزة في بعض الشركات الأردنية.
- مبرمج حاسبات في القدس سنة 1998.
- وفي السنة نفسه عمل قائداً ميدانياً في كتائب القسام فرع الضفة الغربية.
- متخصص في صناعة المتفجرات من مواد سامة موجودة في البطاطس.
- التخطيط لعدة عمليات عسكرية ما بين سنة 2000 و2003.
البرغوثي واعتقاله بالصدفة
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية عبد الله البرغوثي في 5 مارس/آذار 2003، خلال نقله لطفلته المريضة إلى أحد الأطباء في مدينة البيرة في تلك اللحظة. تم استدعاؤه للتحقيق بسبب كونه شخصاً مُدرجاً على رأس قائمة المطلوبين.
خلال فترة التحقيق التي استمرت لمدة 3 أشهر، تعرض لتعذيب شديد ومعاملة لا إنسانية، وأدين بالسجن المؤبد 67 مرة و5200 عام، وهو الحكم الأطول في تاريخ السجون. قضى منها عبد الله البرغوثي 10 سنوات في السجن الانفرادي، تحت ضغوط نفسية وإهانات جسدية، بما في ذلك إدخال مرضى عقليين للتأثير عليه وتهديد أهالي الإسرائيليين الذين قتلوا بالانتقام منه.
شارك في إضراب عن الطعام حتى تم نقله من السجن الانفرادي إلى السجون العادية التي يُحتجز فيها الأسرى الفلسطينيون الآخرون. على مدى العقدين اللذين قضاهما في السجن، لم يسمح لعائلته بزيارته إلا 6 مرات فقط.
اتصل البرغوثي سنة 2015 من داخل السجون الإسرائيلية بإحدى الإذاعات المحلية في قطاع غزة، ووجه رسالة لكتائب القسام بعدم التسرع بإبرام صفقة تبادل أسرى، الأمر الذي كان سبباً في إعادته إلى العزل والتحقيق مرة أخرى.
يرفض الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عن عبد الله البرغوثي تحت أي ظرف أو صفقة لتبادل الأسرى، إذ يعتبره الاحتلال من بين أخطر الأشخاص في كتائب عز الدين القسام والمقاومة الفلسطينية.