لباب المندب أهمية كبيرة بفضل موقعه الجغرافي، فهو مضيق طبيعي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ليكون بذلك الفاصل بين قارتي أفريقيا وآسيا من جهة اليمن وجيبوتي، كما يتوسط القارات الخمس.
ويخدم باب المندب التجارة بين الشرق والغرب، فهو واحد من بين أكثر الممرات البحرية ازدحاماً في العالم، ويمر منه خُمس الاستهلاك العالمي من النفط سنوياً، الشيء الذي يجعله نقطة استراتيجية للدول العظمى والإقليمية.
إلا أن هذا المعبر، وخلال الحرب الذي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، شهد عمليات استهداف الحوثيين في اليمن لعدة سفن تابعة للاحتلال، الشيء الذي خلق قلقاً دولياً حول العمليات التجارية التي تعبر من خلاله.
فماذا نعرف عن تاريخ باب المندب؟ وما أصل تسميته هذه؟ وما هي أهميته الاقتصادية والسياسية في المنطقة؟
باب المندب.. صراع تاريخي على أهم رابط بين أفريقيا وآسيا
تعود بداية تشكّل المعبر البحري "باب المندب" إلى الحقبة الجيولوجية الثالثة، وذلك بسبب التباعد الذي حصل بين الصفائح القارية الأفريقية والآسيوية، نتيجة للحركة البنائية للصدع السوري الأفريقي، الذي كان سبباً في تكون البحر الأحمر وخليج عدن.
ونتيجة هذا التباعد في الصفائح، غرقت مجموعة من الأراضي التي كانت تربط بين القارتين، الشيء الذي جعل مضيق باب المندب يتكون، والذي بلغ عرضه 30 كيلومتراً، وعمقه 310 أمتار.
وبعد تشكله، أصبح هذا المعبر يشكل دوراً مهماً فيما يخص التجارة والملاحة البحرية منذ العصور القديمة، وذلك لأنه كان يتم استخدامه من أجل مرور السفن المحملة بالبضائع، بين الشرق والغرب.
وقد شهد باب المندب العديد من الحروب والصراعات بين الإمبراطوريات والدول المتعاقبة على المناطق التي يربط بينها، وذلك لرغبتها في السيطرة عليه؛ كونه ممراً تجارياً حيوياً.
ومن بين هذه الحروب نذكر معركة باب المندب عام 1551، بين البرتغاليين والعثمانيين، والتي انتهت بانتصار العثمانيين ومقتل قائد البرتغاليين لويز فيغيريا.
وقد تم ذكر هذا المعبر عبر التاريخ في مجموعة مصادر؛ من بينها المساند الحميرية، والإبحار حول البحر الأريثري للتاجر الإغريقي، وجغرافيا بطليموس.
بعد افتتاح قناة السويس سنة 1869، التي تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، تضاعفت أهمية باب المندب، وأصبح من أهم الممرات البحرية في العالم، وذلك لأن عملية النقل البحري بين أوروبا وآسيا أصبحت أسهل بكثير مقارنة بالسابق.
وقد زاد الاهتمام الدولي بهذا المعبر البحري مرة أخرى، بعد اكتشاف النفط في الخليج العربي، وزيادة الطلب على هذه المادة الحيوية.
إذ إنه خلال وقت قريب، وبالضبط سنة 2013، مرّ عبر باب المندب ما يعادل 3.8 مليون برميل من النفط، وهو الذي يعادل 6.7% من تجارة النفط العالمية.
وعلى الرغم من هذه الأهمية العالمية، إلا أن باب المندب شهد العديد من التحديات والتهديدات خلال العقود الأخيرة، وذلك بسبب الحروب الاهلية القائمة في كل من الصومال واليمن، والتوترات الإقليمية بين الدول العربية وإيران.
بالإضافة إلى أن هذا الممر شهد تدخلات عديدة من الغرب، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين، التي أقامت قواعد عسكرية في الدول المطلة على باب المندب، لحماية مصالحها وتأمين حرية الملاحة.
أصل التسمية.. بين الروايات والأساطير
ارتبطت تسمية باب المندب بهذا الاسم بعدة روايات وأساطير مختلفة، منها ما هو موثق، ومنها ما تم تداوله بين الشعوب التي تعاقبت على المنطقة المطلة عليه.
وحسب ما تم ذكره في المساند الحميرية، فإن هذه التسمية تعني "جازَ وعَبَر"، فيما تشير رواية أخرى إلى أنه يعني البكاء والنواح والحداد على الميت، وقد تم تداوله خلال فترة عبور الأحباش إلى اليمن، والذين كانوا يعانون مخاطر كثيرة خلال العبور تسببت في وفاة أعداد كبيرة منهم، بسبب وجودهم في أماكن بها جزر خطيرة، وعواصف مميتة.
وفي رواية أخرى، يقال إنه عبر هذا الممر المائي، كان يتم نقل السبابا الأفريقيات إلى الشرق الأوسط، خلال فترة غزو أفريقيا، وكانت النساء حينها تبكين على فقدان بناتهن اللواتي يتم نقلهن عبر هذا الطريق البحري.
كما كانت هناك قصة أخرى حول أصل تسمية باب المندب، وهي التي تشير إلى أن فترة انقسام الأرض، واختفاء الأماكن التي كانت تربط أفريقيا بآسيا، كانت سبباً في وفاة الكثيرين ممن كانوا يسكنون هناك، الشيء الذي جعله مكاناً مرتبطاً بالموت والحداد.
الدور الاقتصادي لباب المندب
يعمل باب المندب على خدمة النقل بين الشرق والغرب، كونه نقطة استراتيجية للدول العظمى والإقليمية، ما يجعله واحداً من بين أهم الممرات البحرية في العالم.
إذ إنه يمر منه خُمس استهلاك النفط في العالم، والذي يتم تصديره واستيراده من دول مثل الصين والهند واليابان والولايات المتحدة والسعودية والإمارات والعراق وإيران.
إذ إن أي انقطاع أو تعطيل لحركة الملاحة في باب المندب قد يكون له تأثير سلبي على أسعار النفط والاقتصاد العالمي.
كما أن لهذا المعبر البحري دوراً تجارياً عالمياً مهماً، حيث يمر عبره نحو 10% من حجم التجارة البحرية العالمية، من خلال مرور السفن المحملة بحاويات البضائع والسلع المختلفة، التي يتم نقلها عبر الأسواق الأفريقية والعالمية والإقليمية.
يضاف إلى ذلك أن باب المندب هو نقطة استراتيجية للأمن الإقليمي والدولي، حيث تحاذيه عدة دول تعاني من الصراعات والحروب.