تسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول ،2023 في تدمير مساحات شاسعة من البنايات والبقع السكنية، الأمر الذي تسبب في تحويل أحياء كاملة إلى أطلال، مخلفةً أطناناً لا حصر لها من الركام.
هذا الركام والهدم المتراكم لعب دوراً كبيراً في عرقلة مساعي الدفاع المدني والمنظمات الإغاثية في الوصول إلى الأحياء المنكوبة، ما تسبب في حصار كثير من الأحياء، وتعطيل قدرة سكان المناطق المستهدفة على الحركة.
وعلاوة على وقوف الركام حائلاً أمام مساعي إغاثة وإسعاف ضحايا استهدافات قوات الاحتلال، يمثل الركام معضلة اقتصادية ضخمة أمام جهود الإعمار وإعادة البناء.
الأمر الذي قد يدفع كثيرين إلى التساؤل: أين يذهب ركام البنايات والهدم الناجم عن الحروب والكوارث الطبيعية، وكيف يتم التخلص منه؟
ما هو الركام؟
الركام هو بقايا الشظايا المكسورة مثل الصخور والأحجار والألواح الخشبية والأسلاك والمخلفات البلاستيكية والألياف الناتجة عن تساقط وتدمير المباني وتحولها إلى أنقاض.
وهي تتكون من كتل متنوعة من الأشياء المعدومة المنهارة داخل البنايات، علاوة على جسم البناء نفسه من ألواح خرسانية وأحجار وأساسات من الصلب تم تشييدها بها.
وبحسب سبب التدمير، تختلف طبيعة الركام الناجم عن البنايات والطرق المنهارة، وفرص إعادة التدوير والاستخدام لاحقاً.
على سبيل المثال، تختلف طبيعة الركام والأنقاض في المدن التي تعرضت لفيضانات خطيرة، عن تلك الناجمة عن الزلازل المدمرة، وذلك بسبب تغيير الماء لطبيعة وشكل المخلفات وقابلية استخدامها لاحقاً عند إعادة التدوير.
وبطبيعة الحال، يختلف الشكل النهائي للركام الناجم عن القصف والحرائق في مناطق الحروب والنزاعات عن الأنواع الأخرى من الأنقاض والهدم. وهو ما يلعب دوراً في طرق الإزالة وإعادة تدوير الركام لإعمار المناطق المنكوبة وبناء البنى التحتية من جديد.
اختيار مواقع جمع الأنقاض بعناية
يوضح خبراء متخصصون أن اختيار مكان تخزين الحطام الناجم عن الحروب والكوارث الطبيعية يتطلب "دراسة دقيقة" من قبل خبراء جيولوجيين وبيئيين متخصصين.
ويحذّر بعض الناشطين في مجال البيئة من أن إزالة الأنقاض بطريقة غير مناسبة، قد تؤدي إلى كارثة بيئية. على سبيل المثال، يساهم إلقاء الأنقاض في المدن أو الغابات أو المسطحات المائية كالبحار والأنهار، دون تحللها وإعادة تدويرها، في حدوث كوارث بيئية جديدة وتهديد حياة النباتات والحيوانات والحشرات، وأحياناً قد يصل الأمر إلى تسببها في تفشي الأمراض والأوبئة بين البشر.
لذلك ينبغي اختيار مواقع التجميع على أن تكون بعيدة عن المناطق الزراعية والسكنية، وكذلك الأراضي الرطبة والمناطق المحمية الغنية بالنباتات والحيوانات المتنوعة.
استخدامات الأنقاض وركام البنايات المنهارة
عندما يتم رفع الأنقاض في المناطق المنكوبة، تجري عمليات لهدم المباني المتضررة ونقل الأنقاض وإزالة الجدران المتصدعة وغير ذلك، لكيلا يتم إعادة سكن المباني المتضررة بشكل يهدد حياة المواطنين لاحقاً.
كما يتم العمل على إعادة تدوير الأنقاض والخرسانة والإسمنت ومخلفات البناء المختلفة لاستخدامها في رصف الطرقات غير المأهولة، وترميم الشوارع والأراضي المتضررة، وكذلك ضمن المواد الخام في إتمام بعض عمليات البناء الأخرى.
إلى ذلك يقول عمران الخروبي مدير برنامج إزالة الركام الصادر عن منظمة الأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة بعد حرب 2014، إن هناك نوعين من استخدامات الركام.
وأوضح في تصريحات نشرها الموقع الرسمي للمنظمة، أنه أولاً، يتم تجميع الركام في مناطق محددة، ثم بعد ذلك "يتم طحن هذا الركام واستخدامه في إعادة ترميم الطرق التي تم تدميرها، أو الطرق الزراعية. أما الجزء الآخر من الركام أو الكتل الكبيرة فيتم في فترة الشتاء استخدام كمية كبيرة منها لتدعيم كاسر الميناء في مدينة غزة".
كما لفت إلى أن الركام الناتج عن الحروب يختلف كلياً عن الركام الناتج عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل أو غيرها، إذ يكون فيه خليط من المواد المتفجرة أو الصواريخ أو المعدات الحربية التي لم يتم تفجيرها، مما يتطلب عناية خاصة وفرقاً متخصصة، وهو الأمر الذي يفاقم من تكلفة إعادة البناء، والمدة التي تستغرقها العملية.
التصنيف وإعادة التدوير
ويوضح جان روكا، مدير مشروع إعادة تدوير ركام الزلازل في مكتب الأمم المتحدة للمشاريع، أنه عندما يتم إحضار الأنقاض إلى مراكز الفرز، يتم فصل المواد القابلة لإعادة التدوير- وتكون معظمها كتلاً خرسانية- عن كتل الرمل الضعيفة غير القابلة للاستخدام والطوب الذي انهار وتحول إلى غبار.
بعدها تقوم معدات "الكسارة" بطحن الخرسانة وتحويلها إلى مادة يمكن استخدامها مرة أخرى في رصف الطرق وبناء أساسات المنازل، وهي العملية التي قد تستغرق عاماً على الأقل وفقاً للإمكانات المتاحة وعدد الكيلومترات المكعبة من الأنقاض المراد إزالتها وإعادة تدويرها.