مع نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت بعض العائلات الفلسطينية بالتجمع في مدينة مارسيليا الفرنسية، التي كانت نقطة انطلاق بحرية لهم نحو أمريكا اللاتينية والوسطى برحلات تستغرق نحو 40 يوماً.
رؤساء من أصول فلسطينية حكموا دولاً أخرى في أمريكا اللاتينية والوسطى
استقرت أعداد كبيرة من المهاجرين الفلسطينيين في تشيلي وهندوراس والسلفادور والبيرو وكولومبيا وبليز، بدأوا حياتهم هناك كباعة متجولين، قبل أن يصبح معظمهم من كبار التجار والصنّاع وأصحاب المصارف، ليس ذلك وحسب، بل إن بعضهم أصبحوا رؤساء لتلك الدول.
في هذا التقرير سنتعرف على رؤساء من أصول فلسطينية حكموا دولاً أخرى في أمريكا اللاتينية والوسطى:
رئيس الهندوراس كارلوس روبرتو فلوريس فقوسة
مدة الحكم: من 1998 إلى 2002
كان كارلوس روبرتو فلوريس فقوسة رئيساً لهندوراس في الفترة من 27 يناير/كانون الثاني 1998 إلى 27 يناير/كانون الثاني 2002 ورئيساً للكونغرس الوطني في الفترة من 25 يناير/كانون الثاني 1994 إلى 25 يناير/كانون الثاني 1998.
فقوسة هو ابن الصحفي الهندوراسي أوسكار فلوريس ميدنس، ومارجريتا فقوسة دي فلوريس وهما من أصل فلسطيني، وتحديداً مدينة بيت لحم.
للرئيس فقوسة أخت هي الفنانة سيلسا فلوريس فقوسة، وكلاهما التحق بالمدرسة الأمريكية في تيغوسيغالبا، فيما واصل الرئيس الهندوراسي تعليمه في جامعة ولاية لويزيانا (LSU)، حيث أصبح عضواً في Phi Iota Alpha، وهي أقدم منظمة مشتركة بين الكليات بالحروف اليونانية تأسست للأمريكيين اللاتينيين.
ووفقاً لما ذكره موقع All 4 Palestine فقد تخرج فقوسة بدرجة في الهندسة الصناعية، وحصل لاحقاً على درجة الماجستير في الاقتصاد الدولي والمالية من نفس الجامعة.
في أثناء وجوده في جامعة لويزيانا التقى زوجته المستقبلية، ماري فليك.
بعد فترة وجيزة، عاد فقوسة إلى هندوراس؛ حيث بدأ في إدارة أعمال العائلة والمشاركة في اللجان الخاصة والعامة، مثل البنك المركزي الهندوراسي ومعهد الضمان الاجتماعي.
خلال السبعينيات، أصبح فقوسة جزءاً من الحياة السياسية، وانضم إلى الحزب الليبرالي الهندوراسي، وأصبح فيما بعد عضواً في الكونغرس، ممثلاً عن (القسم السياسي المعادل للمقاطعة).
شغل فقوسة منصب وزير الرئاسة في عهد الرئيس الليبرالي روبرتو سوازو من عام 1982 إلى عام 1984.
في عام 1988، ترشح فقوسة للرئاسة، وخسر في النهاية أمام منافسه رافائيل ليوناردو كاليخاس، مرشح الحزب الوطني المعارض.
في عام 1994، أصبح فقوسة رئيساً للكونغرس، وبعد أربع سنوات فقط فاز بالرئاسة بعد منافسته مع نورا ميلغار كاسترو، المرشحة المعارضة للحزب الوطني، ليصبح رئيساً لهندوراس في الفترة من 1998 إلى 2002.
في أثناء رئاسة كارلوس فلوريس فقوسة، تعرضت هندوراس لإعصار ميتش، وهو إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية منذ عقود، ما أدى إلى مقتل الآلاف، وتسبب في حالة من الفوضى والاقتصاد الوطني.
شارك الرئيس فلوريس في التماس المساعدات الدولية من العديد من المؤسسات المالية والبلدان، وكانت الاستجابة قوية، وتم توجيه الأموال إلى تعزيز البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية الزراعية والصناعية في هندوراس.
ووفقاً لتوصية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فرض فلوريس مبادئ توجيهية مالية صارمة: سياسات صندوق النقد الانكماشي، والتقشف المالي، وخصخصة المطارات وشركة هوندوتل الوطنية للاتصالات، والتي كانت الأخيرة ذات ثروة مختلطة.
كما قام الرئيس فلوريس أيضاً بتقييد السلطة التي تمتلكها القوات العسكرية، ما أجبر هذه المؤسسة على التخلي عن بعض السلطات لصالح الرئاسة.
في 26 أغسطس/آب 1998، أنشأ فلوريس فقوسة وزارة الأمن العام بموجب أحكام الخطة الوطنية لمكافحة الجريمة والإجرام، في سياق النمو المشؤوم الذي شهدته العصابات العنيفة في السنوات الأخيرة، ولا سيما "مارا سالفاتروتشا".
وتشير التقارير الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في هندوراس (CODEH) وغيرها من المنظمات غير الحكومية، إلى أن الخسائر الناجمة عن عنف العصابات ضد الأطفال في هندوراس لم تتحسن إلا خلال السنوات الأربع لرئاسة فلوريس فقوسة.
رئيس السلفادور أنطونيو سقا
مدة الحكم: من 2004 إلى 2009
وُلد إلياس أنطونيو سقا غونزاليس الفلسطيني الأصل في 9 مارس/آذار 1965 في مدينة أوسولوتان السلفادورية، ويقال إنّ جده من طرف أمه موسى علي صالح قد هاجر بداية القرن العشرين من بيت لحم نحو السلفادور، وغيَّر اسمه إلى مويسيس غونزاليس.
عمل سقا صحفياً في محطات الإذاعة الرياضية ثم مديراً لمحطة إذاعية لأكثر من 10 سنوات، إضافة إلى تأسيسه التلفاز رقم 4 في السلفادور، إضافة إلى تأسيس محطة إذاعية مستقلة في عام 1993.
بعد أن خرج من مهنة الصحافة وشركة الراديو، تم تعيين أنطونيو سقا، البالغ من العمر 38 عاماً حينها، في عام 2003 من قبل التشكيل اليميني لعكس تراجعه الانتخابي ومنع الإطاحة بالسلطة، والذي اُحْتُلّ في عام 1989، من قبل جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني اليسارية.
وفي انتخابات مارس/آذار 2004 فاز سقا على منافسه الفلسطيني الأصل شفيق خورخي حنظل، وكلاهما من مدينة بيت لحم، وبقي في منصبه حتى العام 2009.
ووفقاً لمركز برشلونة للشؤون الدولية CIDOB فإنه خلال السنوات الخمس التي قضاها في منصبه، وسّع السقا الخطوط المؤيدة لأمريكا في السياسة الخارجية من خلال التصديق الفوري على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الوسطى (كافتا)، وهي اتفاقية التجارة الحرة؛ ما جعله الحليف المفضل للولايات المتحدة.
كما كان ليبرالياً في إدارة الاقتصاد الدولاري، على الرغم من أنه قدم "أجندة اجتماعية" تسعى إلى دعم الأسر الأكثر احتياجاً وتحسين تنمية المجتمعات الريفية من خلال خطة المساعدات المباشرة.
ومع ذلك، فإن ظهور الركود العالمي في الفترة 2008-2009، والذي كشف نقاط الضعف في الاقتصاد الذي يعاني مشاكل دخل مزمنة، ويعتمد إلى حد بعيد على الوضع في الولايات المتحدة (الصادرات وتحويلات المهاجرين والعملة)، أدى إلى تدمير جهود الحد من الفقر.
في حين فشلت الحكومة أيضاً في تنفيذ خطتها "القوة الفائقة" للقضاء على عنف العصابات.
ونتيجة لهذا التقارب مع الولايات المتحدة كان سقا هو الرئيس الوحيد لأمريكا اللاتينية الذي أرسل قوات إلى العراق في عام 2004.
خلال فترة حكمه، حدثت أزمة دبلوماسية مع إسرائيل؛ بسبب تمثال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في شارع القدس بالعاصمة السلفادورية.
كما طبعت حكومته خريطة لفلسطين بداخلها "إسرائيل" بخط صغير.
كما أطلق على ساحة عامة في العاصمة اسم "الشهيد ياسر عرفات" بعد 6 أشهر من وفاة الزعيم الفلسطيني.
بعد ترك الرئاسة، استقال سقا من التحالف الوطني، بسبب الهزيمة على يد جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني في الانتخابات الرئاسية.
رئيس وزراء بليز سعيد موسى
مدة الحكم: من 1998 إلى 2008
سعيد ويلبرت موسى من مواليد 19 مارس/آذار 1944، هو محامٍ وسياسي من دولة بليز، كان رئيس وزراء بليز في الفترة من 28 أغسطس/آب 1998 إلى 8 فبراير/شباط 2008.
وُلد سعيد حميد موسى عام 1944 في سان إغناسيو في منطقة كايو فيما كان يعرف آنذاك بهندوراس البريطانية.
كان الرابع من بين ثمانية أطفال لوالده حميد موسى فلسطيني الأصل.
والده له أيضاً تجارب سياسية؛ إذ ترشح لعضوية الجمعية التشريعية في بليز كمرشح عن الحزب الوطني في الانتخابات العامة عام 1957.
عندما كان صبياً، التحق سعيد موسى بمدرسة سانت أندرو الابتدائية في سان إغناسيو، ثم التحق بالمدرسة الثانوية في كلية سانت مايكل في مدينة بليز ولاحقاً في كلية سانت جون السادسة.
في أثناء إقامته في مدينة بليز، ساعد سعيد موسى والديه من خلال بيع التاماليس وغيرها من الأطباق البليزية الشهية.
بعد الانتهاء من دراسته الثانوية، درس القانون في جامعة مانشستر في إنجلترا، وحصل على درجة الشرف في القانون عام 1966، ثم تأهل كمحامٍ في Gray's Inn.
عاد إلى بليز في العام التالي، حيث عمل مستشاراً للتاج، ثم انتقل إلى العمل الخاص، إذ ساهم سعيد موسى إلى حد بعيد في القانون في بليز من خلال تمثيل الآلاف من الأفراد المحرومين والفقراء الذين يتعاملون مع القانون.
اشتهر موسى لأول مرة في أواخر الستينيات عندما شارك في تأسيس اللجنة المخصصة للحقيقة حول فيتنام للاحتجاج على حرب فيتنام في هندوراس البريطانية.
في 1 يناير/كانون الثاني 1969، احتجت المجموعة على عرض الفيلم الأمريكي The Green Berets في مدينة بليز، والذي وصفته بأنه دعاية مؤيدة للحرب.
انضم موسى إلى حزب الشعب المتحد (PUP) تحت قيادة جورج كادل برايس في أوائل السبعينيات، وسرعان ما أصبح زعيماً للجناح الاشتراكي للحزب.
ترشح لمجلس النواب في بليز لأول مرة في عام 1974 في دائرة فورت جورج الانتخابية في شرق مدينة بليز، لكنه هُزم بفارق ضئيل من قبل زعيم الحزب الديمقراطي المتحد آنذاك دين ليندو بأغلبية 46 صوتاً، ثم تم تعيين موسى في مجلس الشيوخ في بليز للفترة التالية.
نجح موسى في الانتخابات البليزية التالية في عام 1979، حيث فاز بمقعد فورت جورج، وهزم ليندو بفارق 71 صوتاً.
شغل موسى منصب النائب العام ووزير التنمية الاقتصادية في الحكومة التي قادها برايس في الفترة 1979-1984، كما عمل موسى أيضاً في اللجنة التي كتبت دستور بليز لعام 1981.
فيما كان موسى وزيراً للخارجية والتعليم من عام 1989 إلى عام 1993، وبالتالي تولى موسى قيادة حزب الوحدة الشعبية بعد تقاعد برايس من قيادة الحزب في عام 1996، قبل أن يقود موسى حزب الوحدة الشعبية إلى انتصارات ساحقة في الانتخابات في عامَي 1998 و2003.
قاد موسى بليز إلى نمو كبير خلال فترة ولايته التي دامت عقداً تقريباً، لكن شعبيته تراجعت خلال سنواته الأخيرة في منصبه، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة التصور العام للفساد بين حكومته وداخل حزبه، كما اتهم بالتخلي عن مواقفه الاشتراكية السابقة لصالح السياسات النيوليبرالية كرئيس للوزراء.
خارج بليز، ترأس موسى العديد من المنظمات الإقليمية، بما في ذلك الجماعة الكاريبية ونظام التكامل لأمريكا الوسطى (سيكا).
رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة
مدة الحكم: من 2019 وحتى الآن
نجيب أبو كيلة أو كما يطلق عليه بالإسبانية ناييب بوكيلي (من مواليد 24 يوليو/تموز 1981، هو سياسي ورجل أعمال سلفادوري، اُنْتُخِب رئيساً للسلفادور في 3 فبراير/شباط 2019، ولا يزال رئيسها حتى الآن.
أبو كيلة هو أول رئيس سلفادوري مستقل خارج الحزبين القوميين (الذين يحكمون السلفادور منذ عام 1988) الذين يمثلون حزب يمين الوسط.
والدته أولغا أورتيز أبو كيلة ووالده هو أرماندو أبو كيلة قطان، وهو رجل أعمال بارز من أصل فلسطيني، اعتنق الإسلام وأصبح إماماً في مساجد السلفادور.
يُقال إن أجداد نجيب باقية من الأب مسيحيون فلسطينيون من القدس وبيت لحم، بينما كانت جدته لأمه كاثوليكية، أما جده لأمه فكان مسيحياً أرثوذكسياً، وهو متزوج من غابرييلا رودريغيز، طبيبة نفسية ومعلمة.
ظهرت علامات النبوغ على نجيب منذ صغره، فأسس شركته الأولى وهو في الثامنة عشرة من عمره، أما الآن فهو يمتلك شركة ياماها السلفادور (وهي الوكيل الحصري لمنتجات ياماها في السلفادور)، وهو أيضاً الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Obermet Corporation.
تم انتخاب أبو كيلة عمدة لمدينة نويفو كوستالان في عام 2012 بنسبة 49.7٪ من الأصوات، وفي عام 2015، اُنْتُخِب رئيساً لبلدية سان سلفادور، بنسبة 50.3% من الأصوات.
يعتبر أبو كيلة سياسياً شاباً مشهوراً، على الرغم من تعرضه للانتقادات لعدم وجود رؤية سياسية واضحة لدعم شخصيته المحبوبة.
كما أن ازدواجية دينه، فهو من أب مسلم وأم مسيحية، تشكك في حقيقة انتمائه، ما جعله يتلقى انتقادات بسبب أدائه الصلاة في مسجد المسلمين خلال انتخابات 2019؛ بينما أعلن علانية أنه يعتبر نفسه من أتباع الديانة المسيحية على عقيدة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
ولكنه دافع عن نفسه قائلاً إنه يعتبر نفسه مؤمناً بالله أولاً، ولا ينتسب إلى أي دين.
يعتبر نجيب أبو كيلة المعروف بالإسبانية باسم نيب بوكيل أصغر رئيس من أصل عربي في أمريكا اللاتينية؛ إذ تولى الرئاسة وهو بعمر 38 عاماً، ولا يزال رئيس السلفادور حتى الآن.