تسببت الحرب والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة في تحول العديد من المنتجات الضرورية في الحياة اليومية لسكان القطاع إلى كماليات، وذلك بسبب عدم توفرها، خاصة تلك التي تتمثل في النظافة والصحة النسائية.
فبعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب أفرغت جميع المتاجر والصيدليات في غزة من هذه المنتجات، وما فاقم الوضع سوءاً هو عدم توفر مياه نظيفة في القطاع لمدة تجاوزت الشهر، هذا الحصار المستمر أجبر العديد من نساء غزة على اتخاذ إجراءات وتدابير قد تتسبب في أمراض طويلة المدى، خاصة خلال فترات الحيض أو النفاس.
حسب "هند خضري"، وهي كاتبة في موقع "Middle East Eye" البريطاني، فإن غياب المأوى منذ بداية الحرب ساهم في تفاقم المشاكل الصحية للنساء، إذ أكدت: "كانت فترة حيضي الأخيرة هي الأسوأ بالنسبة لي، لأنني بلا مأوى، وأعيش على ما في حقيبتي، ولا أستطيع الوصول إلى المراحيض أو أي شيء".
كما أضافت أن المنتجات والبدائل المتوفرة حالياً قد تتسبب في أزمة صحية على المدى البعيد عند نساء غزة، وحسب المصدر نفسه قالت احدى نساء غزة: "عندما بدأت الحرب، كان أول شيء فكرت فيه، حتى قبل الطعام، هو تخزين الفوط الصحية التي تكفيني لبضعة أشهر، لأنه في الواقع كابوس إذا كنتِ في دورتكِ الشهرية".
ما فاقم الوضع سوءاً هو عدم وجود مياه أو غاز لتدفئته من أجل الحفاظ على النظافة الشخصية؛ ما دفع العديد منهن إلى وضع المياه في عبوات بلاستيكية ثم تعريضها للشمس من أجل تدفئتها، إلا أن هذه الطريقة أيضاً لا تعتبر صحية بما يكفي خلال هذه الفترة.
نساء غزة وحبوب تأخير الدورة الشهرية
قصف المباني السكنية والمستشفيات ودور العبادة والمدارس في قطاع غزة أدى إلى نزوح 1.6 مليون شخص منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. هذا التصعيد العسكري دفع السكان إلى البحث عن مأوى في المناطق المفتوحة.
وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يعيش حوالي 787 ألف نازح داخلياً في 154 مبنى تابعاً للأونروا، بما في ذلك المدارس. وأفادت الأونروا أيضاً بأن 160 شخصاً تقريباً يتشاركون في مرحاض واحد، وتوجد وحدة استحمام واحدة لكل 700 شخص.
النساء يعانين من نقص الخصوصية، إضافة إلى تضرر خزانات المياه جراء الضربات الجوية الإسرائيلية، ما يقلل من الخيارات المتاحة لهن. تقول إحدى مواطنات غزة: "بعض النساء يلجأن إلى تناول حبوب منع الدورة الشهرية بسبب عدم توفر الفوط الصحية ومياه الغسيل والتعقيم".
تُستخدم حبوب نوريثيستيرون، التي تعتبر علاجاً لحالات مثل نزيف الحيض الشديد والتهاب بطانة الرحم والدورة الشهرية المؤلمة، لتأخير الحيض وتسهيل أداء الصلاة للنساء المسلمات. ورغم فاعليتها، إلا أن استمرار تناولها يمكن أن يؤدي إلى آثار جانبية مثل الغثيان والقيء وتقلب المزاج.
وعلى الرغم من ذلك، يشير سكان غزة إلى ندرة هذه الحبوب أيضاً في الوقت الحالي. يعتبر البحث عن حلول لهذه الاحتياجات وفي الوقت نفسه التصدي للصعوبات المتزايدة في العثور على طعام؛ مصدراً إضافياً لمعاناة النساء في غزة، ما يزيد من مستويات التوتر ويؤثر سلباً على صحتهِن التي قد تستمر تداعياتها على المدى الطويل.
النساء وانعدام الخصوصية
في أوقات الحرب لا يتعين على النساء فقط التفكير في كيفية التعامل مع النزوح المستمر وكيفية البقاء على قيد الحياة، بل أيضاً كيفية التعامل مع فترات الحيض والنفاس في هذه الظروف، وخاصة أنها فترة تعتبر حرجة عند النساء حتى في الأوقات العادية، وذلك يعود إلى التقلبات المزاجية الناجمة عن الهرمونات، بالإضافة إلى الشعور بالإعياء، فيما يعاني بعض النساء من آلام حادة قد تصل إلى الغثيان.
وبسبب عدم اتباع ممارسات النظافة الصحية بسبب قطع الاحتلال الإسرائيلي إمدادات المياه، يسبب ذلك "ضغطاً زائداً" على النساء، ويكون له تأثير كبير على الصحة النفسية.
تتسبب البيئة غير الصحية في زيادة مشكلات صحية للنساء، منها التهابات المسالك البولية وانتشار الأمراض. وفي ظل هذا الوضع، يتعرض بعض النساء لضغوط شديدة قد تؤدي إلى توقف الدورة الشهرية، ما يجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لهن.
يثير نقص الرعاية الصحية للنساء مخاوف حول صحتهِن خلال أشهر الشتاء القادمة، حيث تنخفض درجات الحرارة في غزة. وفي تعليق على منصة إكس، أبدت إحدى المستخدمات قلقها قائلة:
"تزداد برودة الطقس، وتصبح آلام الدورة الشهرية أكثر صعوبة بينما يظل الجو دافئاً في المنازل. تخيلوا مدى العذاب في ظل انعدام إمكانية الحصول على الفوط الصحية في غزة… إن ما يحدث هناك لا يمكن وصفه إلا بأنه فظيع".
النساء بين الولادة والحرب
في غزة تلد قرابة 150 امرأة يومياً، فيما توجد أكثر من 50 ألف امرأة حامل حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان. يعتبر مصدر القلق الرئيسي الذي يعتري نساء غزة حالياً، هو النساء اللواتي أنجبن حديثاً ويفتقرن إلى الرعاية المتخصصة، هؤلاء النساء سيواجِهن تحديات صحية كبيرة، حيث سيعانين من نزيف زائد يتطلب العناية بملابس إضافية ومنتجات الدورة الشهرية، زيادة عن حاجتهن للمُسكنات لتخفيف الألم، الشيء الذي يعتبر أمراً مرهقاً نفسياً وجسدياً عليهن.
وفي سياق آخر، يعرّض نفاد المنتجات الضرورية، مثل حفاضات الأطفال من المتاجر والصيدليات، الآباء لصُعوبة في رعاية أطفالهم الرضع. ودعت المنظمات النسائية إلى الكلام بشكل علني عن التحديات التي تواجه النساء في غزة، وحثت على تقديم الدعم الضروري.
ففي حال عدم وصول المساعدات إلى غزة في أقرب وقت، فإن ذلك قد يؤدي إلى حدوث إصابات بسبب سوء النظافة، كما أن انقطاع الخدمات عن المخابز في غزة بعد القصف، ونفاد أرفف المتاجر الكبرى، يثير قلق الخبراء حيال مصير النساء اللواتي سيواجِهن صعوبات في الحصول على تغذية صحية، ما يجعلهن يكافحن للحفاظ على حمل صحي أو الحصول على حليب الرضاعة الطبيعية.