تعتبر الموسيقى الفلسطينية واحدة من الموسيقى العربية، خاصة التي توجد في بلاد الشام، إلا أنها في العديد من الأحيان تستعمل الفلكلور الفلسطيني أساساً لبناء الأغنية، الشيء الذي يمنحها خصوصية فريدة.
فضلاً عن ذلك، فإن العديد من الموسيقيين الفلسطينيين ألَّفوا قطعاً موسيقية باستعمال أنواع وقوالب موسيقية عالمية تأثّرت بها فلسطين عبر القرن العشرين ولا تزال، الأمر الذي يشكل تنوعاً وخليطاً موسيقيَّين مميّزَين.
من بين أشهر الأغاني في فلسطين ما يُعرف بالأغاني الثورية الفلسطينية، بدأ هذا الفن المتعلق بالمقاومة الفلسطينية في الظهور مع الانتداب البريطاني واستمر إلى وقتنا الحالي في ظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
يعكس الفن باختلاف تقنياته وأساليبه الواقع المعاش، فعكس الفن الفلسطيني قضايا شعبه وآهاته ومآسيه، فتجد الفقد موسوماً بصوت كل أغنية ومطلع كل قصيدة وخطّ كل كاريكاتير، وكما جسّد الفن صرخات الفاقدين، فصوّر نضال المقاومين أيضاً، وحافظ على التراث الوطني الذي بدأ بالتلاشي بسبب الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة.
الموسيقى الفلسطينية خلال الانتداب البريطاني
قامت سلطات الانتداب البريطاني في 17 حزيران/ يونيو 1930، بإعدام ثلاثة رجال في سجن القلعة في عكا وهم كل من:
- فؤاد حجازي.
- محمد جمجوم.
- عطا الزير.
وذلك لمشاركتهم في ثورة البراق عام 1929، واتهامهم بقتل اليهود فيها، وسموا بـ "الثلاثة الحمراء"، وبيّن ابن شقيق جمجوم في تصريحات له بأن سبب هذه التسمية يعود إلى أنهم شهداء ثلاثة، أُعدموا يوم الثلاثاء، وفي ثلاث ساعات متتالية.
بدأت قصة الشهداء الثلاثة عندما اعتقلت قوات الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين؛ إثر ثورة البراق، هذه الثورة بدأت عندما نظم قطعان المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 آب/ أغسطس 1929 بمناسبة ما أسموها "ذكرى تدمير هيكل سليمان" .
فيما أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يرددون "النشيد القومي الصهيوني"، بتزامن مع شتم المسلمين.
وكان اليوم الجمعة 16 آب/أغسطس 1929 الذي صادف ذكرى المولد النبوي الشريف، فتوافد المسلمون ومن ضمنهم الشهداء الثلاثة للدفاع عن حائط البراق الذي كان في نية اليهود الاستيلاء عليه، فكان لا بد من الصدام بين العرب الإسرائيليين في مختلف المناطق الفلسطينية.
واستمرت ذكرى استشهاد الأسرى الثلاث حتى الآن من خلال الموسيقى الفلسطينية الشهيرة "من سجن عكا" والتي غنتها فرقة العاشقين.
النكبة واستمرار الأغاني الثورية
سنة 1948 هجر الشعب الفلسطيني من أرضه، نتيجة هزيمة الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، فتعرّض الفلسطينيون إلى تهجير جماعي مقابل إقامة اليهود وطناً قومياً لهم على أرض فلسطين.
تسمى هذه الحرب أيضاً بالنكبة واختصاراً حرب 1948 هي أولى الحروب العربية الإسرائيلية، حدثت عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام إسرائيل.
نشبت الحرب على أرض فلسطين بين كل من الأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي تشكّلت من البالماخ والأرجون والهاجاناه والشتيرن والمتطوعون اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين.
أودت الحرب بحياة آلاف الجنود من الطرفين، وانتهت بهزيمة العرب، فأطلقوا عليها حرب النكبة، في هذه الأثناء صدر العديد من الأغاني الثورية بعد النكبة، تحدث بعضها عن اللجوء والتهجير، واستنهض بعضها الآخر همم الثوريين.
من بين أشهر الأغاني الصادرة خلال النكبة والتي لا تزال تُعرف إلى اليوم نجد الموسيقى الفلسطينية "طل سلاحي"، وهي قصيدة كتبها شاعر الثورة الفلسطينية صلاح الدين الحسيني، ولحنها مهدي سردانة، وغنتها الفرقة المركزية الفلسطينية.
استمرار الأغاني رغم خيبات الأمل
تقدمت الاغاني الثورية الفلسطينية مع المدة، رغم الهزائم والخسائر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، إذ استمر هذا النوع من الأغاني في الصدور حتى بعد النكسة أو حرب ر، أو كما تعرف في كل من الأردن وسوريا وفلسطين بنكسة حزيران.
أما الاحتلال الإسرائيلي فأطلق عليها اسم حرب الستة أيام وهي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن بين 5 حزيران/يونيو 1967 والعاشر من الشهر نفسه، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي.
أدت الحرب إلى مقتل من بين 15 ألفاً و 25 ألف شخص في الدول العربية مقابل 800 شخص في صفوف الاحتلال الإسرائيلي، وتدمير ما بين 70 إلى 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 5% في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى.
كان من نتائج النكسة صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 وانعقاد قمة اللاءات الثلاث العربيّة في الخرطوم وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
بعد النكسة فقد استمرت الموسيقى الشعبية بالنهوض، واستمر الفنانون بغناء الأغاني الثورية لحثّ الشباب على الوقوف في وجه الاحتلال والعمل على استعادة أراضيه.
كما ظهر الفن الذي يتغنّى بجمال الأراضي المسلوبة ويتحسر على ما اغتُصب من الوطن، كأغنية "زهرة المدائن" التي ألفها ولحنها "الأخوان رحباني"، وغنّتها الفنانة فيروز، وتحدثت عن العيون التي تستمر بالرحيل إلى مدينة القدس شوقاً وحنيناً لا ينتهي.
الانتفاضات والأغاني الثورية
حدثت الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة 1987، حينما لم يكن للشعب الفلسطيني سوى حجارة أرضه ليقاوم بها الاحتلال. سبب هذه الانتفاضة كان الاحتلال الإسرائيلي بدهس عمال فلسطينيين. شملت الانتفاضة جميع شرائح الشعب الفلسطيني، حتى الأطفال الذين أصبحوا معروفين فيما بعد باسم "أطفال الحجارة".
أغنية "ثوري ثوري ثوري" تعتبر واحدة من أبرز الأغاني التي تعكس وقائع تلك الفترة الصعبة في الثمانينات. قام الشاعر "علي الكيلاني" بكتابة هذه الأغنية، وقدمتها فرقة أجاويد. تعكس الموسيقى الفلسطينية روح التحدي والصمود التي عاشها الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة.
كما ظهر العديد من الأغاني الشعبية الأخرى خلال تلك الفترة، مثل أغنية "زغردي يا أم الجدايل" التي كتبها الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد وقدمتها فرقة جذور العاشقين الفلسطينية. تعبر هذه الأغاني عن الصمود والتضحية لقضية فلسطين.
بالإضافة إلى الأغاني الثورية، هناك الموسيقى الفلسطينية الفلكلورية والتي تمتاز بجمالياتها وتعبيرها عن تراث الشعب الفلسطيني. من بين هذه الأغاني، تأتي أغنية "ظريف الطول"، والتي تحكي قصة شاب فلسطيني طويل القامة يُعرف بوجهه الوسيم وشجاعته في مواجهة العدو والعصابات الصهيونية.
عاشت نساء القرية في محاولة للتقرب من "ظريف الطول"، لكنه لم يكن مهتماً بالنساء. ثم اختفى فجأة من القرية، واعتقد البعض أنه غادر فلسطين إلى بلاد الغربة؛ لذا قامت نساء القرية بترديد أغنية له بعد اختفائه.
مع مرور الزمن، انتشرت هذه الأغنية في القرية والقرى المجاورة، وأصبحت شعبيةً بين الفلسطينيين. أصبحت "ظريف الطول" رمزاً للرجل الفلسطيني الوسيم والشجاع. قدمها العديد من الفنانين العرب، منهم الشهير حمزة نمرة.