في عملية طوفان الأقصى تداول العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة مصطلحاً قد يبدو غريباً على البعض، خلال تناقل أخبار الأماكن التي وصل إليها المقاتلون الفلسطينيون في عمق الأراضي المحتلة، وهو "الكيبوتس"، فما الذي يعنيه هذا المصطلح؟
ما هو الكيبوتس؟
كيبوتس، والتي معناها بالعبرية "تجمع"، هي نوع من المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، تقوم على "الزراعة"، ويعيش فيها مستوطنون يهود مزارعون وعمال.
ويُعدُّ الكيبوتس من أهم المؤسسات التي استندت إليها الحركة الصهيونية في فلسطين قبل 1948 وبعدها أيضاً، وقد أثرت على الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل حتى بداية الثمانينيات وقتما بدأ انحطاطها.
ووفقاً لمواقع إسرائيلية فقد أنشأ اليهود أول كيبوتس في عام 1910، وهو "كيبوتس ديغانيا ألف"، جنوب بحيرة طبريا، بدعم من الصندوق القومي اليهودي خلال فترة الهجرة اليهودية الثانية إلى فلسطين.
ووفقاً لما ذكره موقع Study.com فإن الصندوق القومي اليهودي، وهو منظمة صهيونية تأسست عام 1901، كان يشتري الأراضي في فلسطين العثمانية ليستقر فيها اليهود، باستخدام الأموال التي يتم جمعها من اليهود في جميع أنحاء العالم.
وبما أنّ بيئة المنطقة كانت صعبة الاستقرار، بسبب تنوع جغرافيتها بين مستنقعات في الشمال، وجبال وعرة في الجزء الأوسط، وصحراء في الجنوب، كان هناك شعور بالحاجة الملحة في الحركة الصهيونية لإنشاء مجتمعات بسرعة.
في حين أن العديد من المستوطنين لم تكن لديهم المهارات أو الموارد المالية اللازمة للاستقرار بمفردهم، فقد أدركوا أنهم قادرون بشكل جماعي على إنشاء مجتمع دائم.
يصل عدد الكيبوتسات اليوم في الأراضي المحتلة إلى نحو 270 كيبتوساً، أما عدد سكانها فيبلغ تقريباً أكثر من 120 ألف نسمة، غالبيتهم الساحقة من اليهود الغربيين المهاجرين من أوروبا نحو فلسطين.

الحياة في الكيبوتس تشبه تلك التي في مسلسل "الموتى السائرون"
من شاهد مسلسل The walking dead سيستطيع تماماً تخيل شكل الحياة في هذه الكيبوتسات، فالحياة فيها تجري بشكل مستقل عن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، إذ يدير السكان فيها حياتهم بأنفسهم، ويتم التناوب على الوظائف الروتينية فيما بينهم.
ووفقاً لما ذكرته الموسوعة البريطانية Britannica فإنّ جميع الثروات التي يتم الحصول عليها في كل كيبوتس هي مشتركة بين جميع السكان، وعادة ما يتم إعادة استثمار الأرباح في المستوطنة، بعد أن يتم تزويد الأعضاء بالطعام والملبس والمأوى والخدمات الاجتماعية والطبية.
هذه الكيبوتسات في البداية كانت عبارة عن مجتمعات زراعية، يتقاسم السكان فيها كل شيء، ويعملون معاً كل شيء.
لكل شخص في الكيبوتس ووظيفة ومهام محددة، على سبيل المثال هناك أشخاص محددون يعملون في الزراعة، وآخرون في المطبخ لإطعام جميع سكان الكيبوتس، وبعضهم في التدريس، وهكذا، كما أن جميع سكان الكيبوتس يتناولون الطعام في قاعة مخصصة للطعام.
أما الانضمام إلى الكيبوتس فيتم بشكل حر، وذلك بعد أن يلبي العضو المعايير والمقاييس التي يفرضها الكيبوتس.
فيما يتم عقد اجتماع عام بشكل أسبوعي لجميع الأعضاء في كل كيبوتس على حدة، ويتم فيه اتخاذ القرارات الجماعية على مبدأ عمل البرلمان.
أما الإدارة التنفيذية فهي بيد ما تُدعى "لجنة سكرتير الكيبوتس"، والتي يتم اختيارها خلال الاجتماع العام.
ويُعتقد أن إنشاء هذه الكيبوتسات من قبل الأقلية اليهودية آنذاك، كان لضمانهم أن يحتكموا لقواعد وقوانين وتشريعات تخصهم وحدهم.
هيكل الكيبوتس
في الكيبوتسات جميع الأراضي مملوكة بشكل جماعي، ويديرها السكان، ويحكم المجتمع بنموذج المساواة، معظم الكيبوتسات صغيرة الحجم، ولا يتجاوز عدد سكانها بضع مئات.
بعض المبادئ الأساسية لهيكل الكيبوتس هي:
- يتم تجميع كل الثروات معاً وجميع الرواتب متساوية.
- يأتي الدخل تقليدياً من الزراعة، وتربية المواشي، على الرغم من أن الكيبوتسات توسعت مؤخراً لتشمل الصناعة أيضاً.
- جميع المنازل تقريباً متشابهة، ويتم توفير مساحة للمعيشة لكل ساكن.
- الأعضاء لديهم القليل جداً من الإنفاق التقديري.
- يتم تقديم الطعام في منطقة تناول الطعام المشتركة، حيث يقوم بعض الأعضاء بالطهي في المنزل أيضاً.
أهمية الكيبوتس لإسرائيل، وتحولها من مجمع زراعي إلى مصنع أسلحة
لعبت الكيبوتسات دوراً مهماً في ريادة المستوطنات اليهودية الجديدة في فلسطين، وكان لطابعها القائم على المساواة بين جميع السكان تأثير قوي على المجتمع الإسرائيلي المبكر ككل، ولا تزال الكيبوتسات تقدم مساهمات كبيرة في اقتصاد إسرائيل.
عند بدء إنشاء هذه المجتمعات اليهودية في المنطقة بدأ العرب، وهم السكان الأصليون لفلسطين، بمقاومتها، وقد تزايدت المقاومة بشكل كبير بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، والإعلان البريطاني عن نية إنشاء دولة يهودية في فلسطين (المعروف باسم وعد بلفور عام 1917).
وقعت أعمال شغب في جميع أنحاء المنطقة في عشرينيات القرن الماضي، وأصبح العنف أكثر انتشاراً في ثلاثينيات القرن العشرين مع الثورة العربية.
وصلت التوترات في النهاية إلى ذروتها عندما تم إنشاء ما يسمى بـ"إسرائيل" في عام 1948 واندلعت الحرب.
في حين أن الكيبوتسات كانت تعمل في الأصل كمجتمعات زراعية، فإن الحاجة للدفاع عن الدولة اليهودية الناشئة أدت إلى الانتقال من الزراعة إلى إنتاج المعدات العسكرية والجنود.
لم تكن الكيبوتسات تتطلب إجراءات أمنية مشددة فحسب، بل أصبح المكان الذي تم إنشاء الكيبوتسات فيه استراتيجياً أيضاً.
بمجرد أن أصبح من الواضح أن المنطقة سيتم تقسيمها بين السكان العرب واليهود، تم تأسيس الكيبوتسات على يد أيديولوجيين أكثر تشدداً في المناطق الخارجية للمنطقة وحدودها، بما في ذلك صحراء النقب القاحلة ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
لم تكن هذه المنطقة رائعة للزراعة، لكنها كانت ذات أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي في نهاية المطاف، ولعبت دوراً كبيراً في النصر الإسرائيلي.
في حين تم تأسيس الكيبوتسات في ظل أيديولوجيات مختلفة، وكان بعضها منفصلاً عن بقية السكان اليهود في المنطقة، فقد ساعدت جميع الكيبوتسات تقريباً في حرب عام 1948، حيث قاتل العديد منها بشكل غير تقليدي لوقف تقدم القوات العربية من الشرق، وقد استمر دور الكيبوتسات في الدفاع طوال تاريخ إسرائيل.
الكيبوتس في الوقت الحالي
على مر السنين تضاعفت الكيبوتسات وازدهرت، وتكيفت مع نظامها، ولكن في بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ الكثير من شباب الكيبوتسات بمغادرة مجتمعاتهم، بحثاً عن حياة المدينة، فخضعت غالبية الكيبوتسات الإسرائيلية منذ ذلك الحين لعملية الخصخصة.
ورغم الخصخصة فلا يزال العديد من هذه الكيبوتسات يعيشون ويأكلون معاً، لكن فروع العمل المختلفة تحولت إلى تعاونيات، تكسب أجورها وتحقق أرباحها الخاصة.
قد يهمك أيضاً: سكانه يتلقون معاملة خاصة.. كل ما تريد معرفته عن مستوطنات الاحتلال في غلاف غزة