استعانت شركة برمجيات فنلندية بسجناء محتجزين في سجون البلاد لتدريب نماذجها اللغوية للذكاء الاصطناعي في أول مشروع من نوعه في أوروبا، حسب ما نشرته صحيفة The Times البريطانية.
جاء ذلك بمقتضى اتفاق للتعاون بين مصلحة السجون الفنلندية وشركة البرمجيات التي تعمل على بناء أدوات الذكاء الاصطناعي باللغة الفنلندية، وتضمن العمل تكليف النزلاء في 4 سجون بمهمةِ الإجابة عن طائفة من الأسئلة للمساعدة في بناء نماذج لغوية جديدة، على غرار تطبيق المحادثة ChatGPT.
وأدى ظهور ما يسمى بنماذج اللغات الكبيرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى إلى إنشاء فئة مستحدثة من العمل الرقمي تُسمى "العمل بالنقر" Clickworking، ويتولى البشر في هذه الأعمال مهمات من العمل الرقمي تشمل التحقق من استجابة أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتقديم إجابات للمساعدة في تدريب نماذجه.
فيما تعمل شركة البرمجيات الفنلندية Metroc على تطوير برنامج ذكاء اصطناعي يساعد شركات البناء في العثور على مشروعات البناء المعتمدة حديثاً بعد تدريبه على تتبع البيانات ذات الصلة في المقالات الإخبارية ووثائق التخطيط.
وقال جوسي فيرنالا، مؤسس الشركة، "إنه عمل تقوم به على الكمبيوتر المحمول"، "فأنت تقرأ المستندات وتجيب بنعم أو لا عن الأسئلة المتعلقة بالمحتوى".
السجناء الذين يشغلون الوظيفة بدوام جزئي يطلعون على قوائم لعقارات معينة، أو بعض المعلومات والبيانات المتعلقة بأسواق الإسكان والعقارات، ثم تُطرح عليهم أسئلة حوارية لتبيُّن الفهم مثل: ما عدد المباني المذكورة، وغير ذلك. ويؤدون هذه الوظيفة مقابل أجر قدره 1.54 يورو (1.65 دولار أمريكي) في الساعة.
يعمل كثير من عمال النقر في اقتصاد الوظائف المؤقتة، ويستخدمون منصات مثل Amazon's Mechanical Turk، التي استُوحي اسمها من آلة خادعة للعب الشطرنج ذاع صيتها في القرن الثامن عشر، وكان اللاعب الآلي فيها يُعرف باسم "التركي الميكانيكي". وهو أحد مواقع "التعهيد الجماعي" CrowdSourcing التي تستعين بمجموعات من الناس لأداء مهمات معينة مقابل أجر ثابت، ويشمل ذلك تقديم المعلومات لتطوير تقنيات جديدة أو توليد بيانات تُستخدم في بناء المواقع الإلكترونية أو نماذج الذكاء الاصطناعي. وتتولى شركات أخرى التوظيف لهذه المشروعات في العالم النامي؛ فعلى سبيل المثال، اعتمدت شركة "أوبن إيه آي" OpenAI على عمال كينيين لتطوير ChatGPT.
نساء لتطوير البرنامج
لكن تطوير روبوتات الدردشة وأنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على التعامل مع لغات مثل اللغة الفنلندية -التي لا يسهل الاعتماد فيها على الترجمة التقليدية دائماً- يتطلب متحدثين أصليين. ولذلك استعانت الشركة بسجن هامينلينا للنساء.
ولجأت الشركة الفنلندية إلى بيا بولاكا، عالمة النفس ورئيسة مشروع السجون الذكية في فنلندا، والذي يتضمن مساعدة السجناء لاستخدام التكنولوجيا في أنشطة تعود عليهم بالنفع أثناء وجودهم داخل السجن.
وهامينلينا أحد "السجون الذكية" الأولى في فنلندا، والتي يمكن للسجناء فيها استخدام الكمبيوتر المحمول داخل الزنزانة للتواصل مع موظفي الشركة المتعاونة معهم، وإجراء مكالمات فيديو، وتنظيم حياتهم في السجن، وحتى تصفح مجموعة مختارة بعناية من المواقع الإلكترونية.
على الرغم من عدم وجود استطلاعات رسمية لمعرفة ما إذا كانت هذه الأعمال تساعد السجناء في العثور على وظائف، والتكيف مع المجتمع بعد مغادرتهم السجن، فإن بولاكا حريصة على أن يكتسب المحتجزون قدراً من المهارات التقنية، وقالت: "السجناء يكونون أحسن تأهيلاً عند مغادرتهم السجن إذا كان لديهم بعض الإلمام بالويب".
ومع ذلك، قالت بولاكا إن بعض الأعمال الرقمية لا تكون مناسبة للسجناء، فبعض الوظائف تكون أكثر صعوبة، مثل الإشراف على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أو فهرسة النصوص الحساسة، وهذه الوظائف لا تسمح بها شروط العمل بالسجون. و"كثيراً ما يأتي السجناء من خلفيات عانوا فيها تجارب مؤلمة. لذلك نتوخى الحذر الشديد في اختيار المواد التي تُعرَض عليهم، والبيانات التي يطلعون عليها".