بعد الزلزال الذي ضرب المغرب ليلة الجمعة 9 سبتمبر/أيلول 2023 وخاصة في منطقة الحوز داخل الأطلس الكبير وسط المغرب، تضررت العديد من المدن المغربية المحيطة بهذا الإقليم؛ ما أسفر عن العديد من الوفيات التي تجاوزت، حسب آخر الإحصائيات، حاجز ألفي شخص.
من بين المدن المتضررة بالزلزال نجد مدينة تارودانت التي تعتبر من بين أهم المدن التاريخية في المغرب والتي تتميز بالعديد من الأماكن التاريخية والسياحية المهمة في المغرب، كما تعتبر من بين المدن الكبيرة في جهة سوس ماسة درعة داخل المملكة المغربية.
تاريخ تارودانت.. مدينة من العهد القديم
حسب موقع "ahlan-agadir" المغربي يرجع تاريخ تارودانت إلى العهود القديمة وبالأخص إلى الفترة الفينيقية، إلا أن تأسيس تارودانت الفعلي يرجعه الكثير من الباحثين إلى أنه تم من طرف أمراء قبائل شتوكة وجزولة، وهكذا ظلت تارودانت لقرون عديدة عاصمة لأمراء شتوكة وجزولة، ومحوراً يستقطب النشاط السياسي والتجاري للقبائل السوسية "الأمازيغ القاطنين جنوب المغرب"، كما أنها كانت مقر حكمهم لسنين.
تعددت الروايات حول أصل تسمية مدينة تارودانت، وهي كلها عبارة عن روايات شفهية ليس المجال هنا لذكرها، سنكتفي بالرواية الأكثر شهرة وتداولاً في التراث الروداني والتي مفادها أن المدينة تعرضت لفيضان في وقت سابق تسبب في خرابها وهلاك أغلب سكانها.
في تلك الأثناء أخذت امرأة تصيح باللغة الأمازيغية "تاروا، دانت: والتي تعني "الأبناء ذهبوا"، ولعل ما يدعم هذه الرواية أن المدينة محاصرة جغرافياً بين وادي الواعر ووادي سوس، مما جعلها عرضة للفيضانات على مر التاريخ.
عاشت مدينة تارودانت تحت حكم العديد من الدول التي حكمت المغرب منذ قرون من الأدارسة والمرابطين والمرينيين والوطاسيين، إلا أن المدينة ازدهرت في عهد الدولة السعدية الذين جعلوها عاصمة لهم لمدة 10 سنوات قبل اتحادهم من مدينة مراكش العاصمة الرسمية.
سنة 1515 قام مؤسس حصن أكادير أوفلا محمد الشيخ السعدي وهو مؤسس الدولة السعدية بتحصين المدينة وتجديد معالمها، كما زودها بعدد من المباني الفخمة، فأصبحت تنسب إليه، وعُرفت خلال هذا العصر باسم المحمدية.
انتعشت الحياة الاقتصادية لمدينة تارودانت انتعاشاً لم يسبق له نظير، فقد اهتم السعديون بالتجارة. وجعلوا تارودانت أهم المراكز المتحكمة في الطرق التجارية، لتشتهر فيما بعد ببضائعها المتنوعة، مثل المصنوعات الجلدية والأنسجة الصوفية والأواني النحاسية، وغيرها.
إلا أن أهم ما اشتهرت به تارودانت في تلك الفترة هو صناعة السكر، والذي وصل مداه حتى أوروبا التي كان يُصدر إليها خصوصاً في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي أشهر الحكام السعديين الذي تولى حكم المغرب بعد معركة الملوك الثلاث أو معركة وادي المخازن.
يؤثر المناخ القاري على المدينة، حيث يكون شتاؤها بارداً ودرجات الحرارة منخفضة جداً به، وتسجل المدينة معدل تساقطات مطرية سنوية بنسبة تقدّر ما بين 200-400 ملمتر، أما صيفها فيكون حاراً نسبياً، إذ ترتفع درجة الحرارة لتتجاوز الـ40 درجة مئوية.
تاريخ سور مدينة تارودانت
من بين أشهر الأماكن السياحية بمدينة تارودانت هي سورها الذي يعتبر ثالث أكبر سور في العالم، والذي يعود إلى عهد المرابطين حسب "القناة الرسمية المغربية" يتراوح علو السور ما بين 7 و10 أمتار فيما يصل سمكه إلى 8 أمتار على امتداد امتداده 8 كيلومترات.
كان دور هذا السور سابقاً حماية المدينة من الهجومات العسكرية، أصبح اليوم تحفة فنية تلهم زوار المدينة، وما يزيده جمالية هو تاريخه العريق وشكله المنفرد.
للسور خمسة أبواب متفرقة والتي يحمل كل واحد منها قصة وحكاية مختلفة والتي لا يعرفها إلا من شغفوا بالمدينة حباً من السكان الأصليين وحتى الغرباء، الذي سكنتهم المدينة.
تميز هذا السور، حسب ما يلاحظه نور الدين صادق، باحث في التاريخ، راجع بالدرجة الأولى إلى كونه لم يبنَ من طرف دولة أو سلالة حاكمة، بل هو إنجاز معماري شاركت فيه العديد من السلالات الحاكمة التي مرت بتاريخ مدينة تارودانت، بدءاً من المرابطين وصولاً إلى السعديين.
يتكون سور مدينة تارودانت من ثلاثة جدران، الجدار الخارجي يبلغ علوه 9 أمتار وسمكه ما بين متر و90 سنتيمتراً وهو الذي تعلوه شرفات من الخارج.
يتجاوز سمك الجدار الثاني، الذي يسمى ممر الحراسة، مترين، يليه الجدار الثالث الداخلي الذي انهار الكثير منه، حيث تبقت منه أجزاء في الجهة الغربية والجنوبية للمدينة وخصوصاً بين باب "أولاد بنونة وباب تارغونت"، هذا الجدار الثالث هو أقل ارتفاعاً لكنه الأقدم عمراً والأكثر سمكاً، حيث يتجاوز 3 أمتار في كثير من مناطق المدينة.
أبواب المدينة مشرعة على كل الاتجاهات "باب أولاد بونونة" و"باب تارغونت" و"باب زركان" و"باب الخميس" و"باب السلسلة"، هذا الأخير يتجه إليه جميع زوار المدينة وذلك لإمكانية الصعود إلى الأعلى والاستمتاع بمشاهدة المدينة الصغيرة التي تتموقع وسط الجبال، ويعتبر هذا المكان فضاء للاسترخاء.
الأماكن السياحية بتارودانت
تعدّ مدينة تارودانت إحدى المدن العريقة، كما أنها نقطة جذب سياحي عبر التاريخ نظراً لكونها مكاناً هادئاً يخلو من ضجيج المدن، وتقدّم المدينة عدداً من الخدمات الفندقية لسياحها والتي تمتاز بالجودة، ومن أكثر الشعوب توافداً إليها هم الفرنسيون ثم الألمان، والإيطاليون.
من بين الأماكن السياحية الشهيرة بالمدينة نجد:
- القصبة السلطانية: تسمى أيضاً بدار البارود، وكانت عبارة عن مشروع عسكري لحماية المدينة خلال الخلافة السعدية تم بناؤها في القرن السادس عشر الميلادي، حيث شيدها محمد الشيخ السعدي، وكان بها دار المخزن، والثكنة العسكرية، وتشمل القصبة، مسجداً، وسجناً خاصاً، ودار العشور "خزينة الدولة".
تبلغ مساحة القصبة السلطانية الإجمالية حوالي 50 ألف متر مربع، وتقع في الشمال الشرقي للمدينة، وتتميز بالتواء ممراتها وخصوصية تحصينها؛ مما يدل على أهميتها ودورها الاستراتيجي والإداري في فترات مفصلية من تاريخ تارودانت.
تضم هذه القصبة القصر السلطاني، والثكنة العسكرية، ومسجداً، وسجناً خاصاً، ودار العشور يتم فيها تخزين إتاوات من المحصول الزراعي الذي تساهم به جميع القبائل من قمح وشعير وسمن ولحم مجفف.
وتضم القصبة السلطانية بمدينة تارودانت، منازل سكنية لمجموعة من العائلات التي تقطن بها منذ سنين، وغالباً هم أسر من الحامية العسكرية التي كانت تشارك بالحملات العسكرية خصوصاً في الجنوب المغربي، أو نسبة من الحملات العسكرية التي كان يقوم بها السلطان.
- المسجد الكبير: هذا الجامع، الذي بلغ أوج إشعاعه الحضاري إبان فترة حكم الدولة السعدية، التي اتخذت من مدينة تارودانت عاصمة ملكها لفترة محددة سميت خلالها مدينة تارودانت "المحمدية" نسبة إلى السلطان محمد الشيخ السعدي.
كان أيضاً عبارة عن "مؤسسة تشريعية" لسن القوانين وتنظيم شؤون والمعاملات، وبورصة لعقد الصفقات، كما كان بمثابة أكاديمية عسكرية لحشد همم المجاهدين ومواجهة الغزاة المحتلين للثغور الشاطئية المغربية.
لا يعرف بالتحديد التاريخ الذي بُنِي فيه المسجد الأعظم بتارودانت، الذي تشير الأبحاث التاريخية إلى أن فوق منبره كانت تقرأ الظهائر السلطانية وبين منبره ومحرابه تؤخذ البيعة ويعقد الصلح.
لكن المؤكد أنه شُيِّد قبل زمن الدولة السعدية، ومما يدل على ذلك أن مؤرخي هذه الفترة الزمنية من تاريخ المغرب في العصر الوسيط كانوا يصفونه بـ"المسجد العتيق".