عند مشاهدة فيديو لرائد فضاء عائد إلى الأرض حديثاً، قد تلاحظ أنه يتم نقله مباشرة من خلال الاستعانة بكرسي متحرك، ولا يسمح له بالمشي مباشرة بعد الهبوط.
وذلك لأن جسم الإنسان لم يتم بناؤه لتحمل الظروف القاسية الموجودة في الفضاء، لسبب رئيسي، وهو انعدام الجاذبية التي يكون لها تأثير خطير على صحة رواد الفضاء على المدى الطويل.
وتعتبر أكبر التأثيرات وضوحاً على رواد الفضاء بعد عودتهم إلى الأرض، هي تلك التي تظهر على مستوى العظام والعضلات.
الشيء الذي يجعل من الضروري نقل رائد الفضاء عبر كرسي متحرك خاص، حيث يكون في حالة لا تسمح له بالسير سريعاً، بسبب عدم تأقلمه مع الجاذبية من جديد.
أسباب عدم قدرة رواد الفضاء على المشي بعد العودة إلى الأرض
هناك 3 أسباب رئيسية تجعل رواد الفضاء غير قادرين على المشي على الأرض بعد قضاء فترة طويلة في المركبات الفضائية، التي تفتقر إلى الجاذبية بنفس درجة وجودها على الأرض، وهي كالتالي:
السبب الأول: فقدان كثافة العظام والعضلات
عند الوجود داخل المركبات الفضائية، والتي تعتبر بيئة جاذبية صغرى، لا يخضع رواد الفضاء لمستوى الجاذبية نفسه الذي يتعرضون له على الأرض.
وعلى الرغم من أن الفرق بين جاذبية الأرض، وتلك الموجودة في محطات الفضاء الدولية لا تكون كبيرة جداً، إلا أن المشكلة الرئيسية تأتي من حالة انعدام الوزن التي يعيشها رواد الفضاء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
إذ إن كل من يكون داخل المركبة الفضائية يعيش حالة سقوط حر، بشكل دائم، يجعله غير قادر على ممارسة الأنشطة العادية كما هو الحال في الأرض، زيادة إلى أن جسده يكون في حالة طفو مستمر.
يمكن اعتبار أن هذا الأمر ممتع، بسبب حالة التحليق الدائم، لكن الحقيقة مختلفة، لأن غياب قوة الجاذبية التي تسحب الأجسام إلى الأسفل، تؤدي إلى عدم استخدام العضلات والعظام، وعدم الحاجة للقيام بأي جهد يذكر.
ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خسارة كبيرة في كتلة العضلات والعظام، مع فقدان الكالسيوم، الذي يجعلها أضعف، وأكثر عرضة للكسر، والإصابات المختلفة، بمجرد العودة إلى الأرض.
ولتفادي هذه الإصابات، يكون رواد الفضاء مجبرين على ممارسة التمارين الرياضية بشكل يومي لمدة ساعتين ونصف، خلال وجودهم في المركبات الفضائية.
السبب الثاني: تأثر نظام القلب والأوعية الدموية بسبب نقص الجاذبية
القلب هو العضلة التي تضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، وعند الوجود في بيئة الجاذبية الصغرى، داخل محطات الفضاء، لا يتعين على القلب القيام بجهد كبير لضخ الدم، بسبب غياب الجاذبية التي تسحبه للأسفل، وتجعله مطالباً بالعمل بشكل أكبر.
مع مرور الوقت، وزيادة المدة التي يوجد بها رائد الفضاء بعيداً عن الأرض، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض في حجم وقوة عضلة القلب.
وقد تعرض رائد الفضاء سكوت كيلي إلى انكماش القلب، بنسبة 27%، على الرغم من قيامه بتمارين منخفضة الشدة 6 أيام في الأسبوع لمدة ساعتين، بعد قضائه 340 يوماً في محطة الفضاء الدولية.
وحسب ما نشرته مجلة "starlust"، فإن القلب خلال هذه الفترة يتعرض للتقلص والضمور، لكنه لا يصبح أضعف، ويمكنه ممارسة وظائفه الطبيعية فور العودة إلى الأرض، لكن كونه معتاداً على ضخ الدم صعوداً ضد الجاذبية، في الوضع المستقيم عند إزالة محفز الجاذبية، خاصة بالنسبة لشخص نشيط جداً، وذي لياقة بدنية، فإن القلب يتكيف مع هذا الحمل الجديد.
ومباشرة بعد العودة إلى الأرض، يعود القلب إلى ضخ الدم بشكل طبيعي، لكن المرحلة الانتقالية المفاجئة التي يتعرض لها، تجعل احتمالية تعرض الشخص لدوار شديد عالية جداً، لهذا يكون من الجيد له عدم المشي لعدة أيام بعد الهبوط.
السبب الثالث: مشاكل في التوازن
تعد الأذن الداخلية جزءاً مهماً من نظامنا الدهليزي، ما يساعدنا على الحفاظ على توازننا بشكل دائم، ونحن موجودون على سطح الأرض.
وبالنسبة لرواد الفضاء، يكونون معرضين لتأثر أعضاء الأذن الداخلية، مع غياب الجاذبية، والوجود في بيئة الجاذبية الصغرى لمدة طويلة.
ولهذا يكون رائد الفضاء معرضاً لمشاكل فقدان التوازن، والتوجه المكاني، بسبب غياب مرجع الحركة والتوازن، الذي يساعد فيه النظام الدهليزي.
وبالإضافة إلى ذلك يؤدي هذا النقص في المدخلات الحسية إلى إصابة رواد الفضاء بنوع من دوار الحركة يسمى "دوار الحركة الفضائي".
إذ خلال الأيام القليلة الأولى في الفضاء، يعاني العديد من رواد الفضاء من زيادة دفء الجسم، والتعرق البارد، والشعور بالضيق، وفقدان الشهية، والغثيان، والتعب، والقيء، والصداع، كنوع من تكيف أجسادهم مع بيئة الجاذبية الصغرى.
وعندما يعود رواد الفضاء إلى الأرض، يجب على أعضاء الأذن الخاصة بهم أن تتكيف مع جاذبية الكوكب، الأمر الذي قد يستغرق بضعة أيام، قد يواجهون خلالها مشاكل في التوازن وصعوبات في تنسيق الحركة.
كم من الوقت يستغرق رواد الفضاء للعودة إلى حالهم الطبيعي؟
تم تصميم جسم الإنسان للعمل في ظل جاذبية الأرض، ما يعني أنه عندما يعود رواد الفضاء إلى الأرض، يتعين على أجسادهم إعادة التكيف مع قوة جاذبية الكوكب.
قد يعاني رواد الفضاء من انخفاض الإحساس بالتوازن والتنقل والتنسيق بعد الهبوط على الأرض لعدة أيام، أو بضعة أسابيع، حسب الوقت الذي قضوه بعيداً عن الجاذبية.
ومع ذلك، بالنسبة لبعض رواد الفضاء الذين أمضوا فترات طويلة من الوقت في الفضاء، قد يستغرق الأمر عدة أشهر للتعافي من تأثيرات الجاذبية الصغرى في المركبات الفضائية، ولا يسمح لهم خلال تلك الفترة بقيادة السيارة، لضمان السلامة.
وفي حالة رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد، فقد استغرق الأمر 5 أشهر لإعادة التكيف مع جاذبية الأرض، بعد أن أمضى 5 أشهر في محطة الفضاء الدولية.
مراحل الهبوط من الفضاء إلى الأرض
تمر عملية هبوط رائد الفضاء إلى الأرض بعدة مراحل مختلفة، يجب اتباعها بشكل دقيق، من أجل ضمان سلامته ووصوله دون آثار جانبية خطيرة.
أول خطوة تتمثل في مغادرة المدار الذي يكون الغلاف الجوي فيه عائماً، إذ يمكن وصف شكله كأنه عبارة عن بحيرة كبيرة، يتعين على المركبة الفضائية أن تقوم بضرب الغلاف الجوي بشكل دقيق، وبزاوية وسرعة محددتين للتأكد من الهبوط بأمان.
سرعة الضرب هذه، تحدث فجوة كبيرة في الغلاف الجوي، وهي التي تمكّن المركبة من العودة إلى الأرض، وفي حال كانت الفجوة سطحية، يتعين على رواد الفضاء العودة.
الخطوة الثانية هي النزول عبر الجو، وذلك عندما تكون المركبة الفضائية في حالة مواجهة 3 قوى في الغلاف الجوي، والتي تعتمد على كتلة المركبة، وقوى السحب والرفع حسب السرعة.
وتعتمد قوة السحب على احتكاك الهواء على مدى انسيابية المركبة الفضائية وكثافة الهواء، فيما تحدث عملية التباطؤ عند مرحلة النزول.
أما الخطوة الأخيرة فهي عملية الهبوط، والتي يستخدم فيها رواد الفضاء وحدة خاصة لإتمام عملية الهبوط، التي تشبه فيها المكوكات الفضائية شكل الطائرات.
وبمجرد أن تنخفض المركبة بشكل كافٍ، يقوم قائد المركبة بالتحكم في الأجهزة الخاصة بها من أجل الهبوط في المدرج بشكل سليم، عن طريق استخدام مظلة خاصة بذلك.