بات من الممكن الآن لمئات الأطفال، الذين يصابون بنوبات صرع مجهولة الأسباب، أن يحصلوا على التشخيص الصائب والعلاج الفعال بفضل طفرة ثورية شهدها التقدم في برنامج الاختبارات الجينية.
حيث قالت صحيفة The Times البريطانية إن دراسة علمية دولية شارك فيها مستشفى "جريت أورموند ستريت" للأطفال في لندن، توصلت إلى تقنية تسمى "الاختبار السريع لتسلسل الجينوم" يمكن استخدامها كي نعرف، في وقت قصير، ما إذا كان الصرع وراءه سبب جيني أم لا، وذلك بالاستعانة باختبار دم بسيط لرسمِ الخريطة الكاملة (الجينوم) لحمض الطفل النووي.
وبعد الوقوف على التشخيص الصحيح، يمكن للأطفال أن يتلقوا أفضل علاج متاح، ومن ثم التقليل من خطر إصابتهم بنوبات الصرع التي تسبب مضاعفات مؤثرة تصل إلى الوفاة، ولن يضطر الآباء بعد ذلك إلى التعرض لمحنة الانتظار عدة أشهر أو سنوات للحصول على تفسير لمرض طفلهم.
دراسة ضخمة عن الصرع عند الأطفال
ويتعرض واحد من كل 1200 طفل لخطر الإصابة بنوبات الصرع، وتُعزى النوبات في نحو نصف هذه الحالات إلى طفرات جينية في المريض. وهناك أكثر من 800 سبب للصرع، ولكن غالباً ما يتعذر على الأطباء تحديد السبب، ولذلك يتلقى كثير من الأطفال المصابين به علاجاً خطأً، مثل المضادات الحيوية غير الضرورية.
إذ نُشرت الدراسة في دورية The Lancet Neurology العلمية، وقد عمد الباحثون فيها إلى أخذ عينات دم من 100 رضيع (يبلغ عمرهم أقل من سنة واحدة) ممن أصيبوا بنوبات صرع مجهولة الأسباب. ثم حلّل العلماء الجينوم الكامل لكل رضيع، المؤلف من نحو 20 ألف جين، بحثاً عن أية تغييرات في الحمض النووي قد تفسر سبب التعرض للنوبات.
أُجريت الدراسة ضمن برنامج يُسمى Gene-STEPS، وهو عبارة عن شراكة بين فرق من بريطانيا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، يساهم فيها كذلك مستشفى بوسطن للأطفال، ومعهد مردوخ لأبحاث الأطفال، ومستشفى جريت أورموند ستريت.
كما تلقى 43% من الأطفال المشاركين في الدراسة تشخيصاً لحالتهم على أساس الفحص الجيني في غضون أسابيع. ويمكن بعد ذلك أن يُعالج هؤلاء الأطفال بعلاجات مختلفة أكثر فعالية، تتناسب مع حالتهم الوراثية، والحصول على مختلف وسائل الدعم، مثل العلاج الطبيعي وعلاج النطق. كذلك فإن التشخيص الجيني يتيح للعائلات أن تحسن التخطيط لمستقبل أطفالها، وتجنب المخاطرة بنقل الجين المعيب.
وقال الباحثون إن نجاح الدراسة من شأنه أن يُحدث تحولاً في الرعاية الصحية "لكثير من العائلات في جميع أنحاء العالم". ولذلك، فهم يطالبون بأن يكون الاختبار، الذي تقدمه مستشفى جريت أورموند ستريت في مقرها، متاحاً لإجرائه بانتظام عبر الخدمة الصحية الوطنية لأي طفل يعاني من نوبات.
خطوة نحو العلاج
فيما قالت الدكتورة آمي ماكتاغ، الاستشارية الفخرية لأمراض أعصاب الأطفال في المستشفى، والتي قادت فريق المملكة المتحدة: "كانت الطريقة المعتادة أن نجري الكثير من الاختبارات على هؤلاء الأطفال، في سعي شاق للوقوف على سبب الصرع، وتشمل هذه الاختبارات البزل القطني والفحص بالأشعة. لكن الاختبارات الجينية تتيح لنا أن نتجنب الفحوص الكثيرة والعلاجات غير الضرورية".
وأوضحت الدكتورة آمي أن "تشخيص سبب المرض له تأثير فوري ومباشر في تحديد الأدوية المضادة للصرع والنوبات. وهذا العلاج مؤثر في إيقاف النوبات أو التقليل من خطرها، واستبعاد الحاجة إلى التردد على المستشفى، وأهم من ذلك تجنب الموت المفاجئ بسبب النوبات الشديدة".
ولفتت الدكتورة آمي كذلك إلى أن التشخيص السريع للمرض بالفحص الجيني له فوائد نفسية هائلة للآباء، إذ "غالباً ما يلوم الآباء أنفسهم على إصابة أطفالهم بسبب شيء فعلوه أثناء الحمل أو أمور من هذا القبيل. ومن ثم فإن إدراكهم أن الأمر ليس مرجعه إلى شيء فعلوه، أو أن هناك سبباً وراثياً وراءه، لعله يكون أمراً مفيداً في تحسين الحالة النفسية لأهالي الأطفال المرضى".
من جهة أخرى، تعهدت هيئة الخدمات الصحية البريطانية NHS بأن تكون "أول نظام رعاية صحية يقدم اختبار تسلسل الجينوم الكامل ضمن تدابير الرعاية الروتينية" المقدمة للأطفال حديثي الولادة.
وأعلنت الحكومة البريطانية، العام الماضي، أن 100 ألف طفل حديث الولادة سيحصلون على تسلسل الجينوم الكامل الخاص بهم بمقتضى الخدمات التي تقدمها هيئة الخدمات الصحية الوطنية، والغاية من هذه الاختبارات تشخيص الأمراض النادرة وعلاجها مبكراً قبل أن تظهر الأعراض.