قد تنجح "الموصلية الفائقة" في إحداث ثورة في صناعة الطاقة، بسبب قدرتها على تقليل الهدر وخفض الفواتير والمساعدة في كبح جماح الاحترار العالمي، لكن محاولات تطويرها لم تحقق حتى اليوم نتائج فارقة، حسبما قالت وكالة Bloomberg الأمريكية، الخميس 3 أغسطس/آب 2023.
وظهرت خلال العام، مزاعم حول اكتشاف أول مركب فائق التوصيل يعمل في درجة حرارة الغرفة العادية، وجذبت تلك المزاعم اهتمام العالم وأدت إلى ارتفاع بعض أسعار الأسهم الكورية والصينية.
وعلى الرغم من أن بعض العلماء أعربوا عن شكوكهم العميقة في المُركب فائق التوصيل "إل كيه-99″، فإن الفكرة تحولت إلى مصدر هوسٍ لدى الجميع بدايةً بالباحثين المرموقين ووصولاً إلى حسابات البث على تيك توك، لأن هذا الاكتشاف قد يُغير شكل الحياة كما نعرفها اليوم.
ما هو الموصل الفائق؟
يصعب إرسال الكهرباء من مكانٍ لآخر في الظروف العادية، لأن الإلكترونات تصطدم بعضها ببعض، ما يُولّد حرارةً ويقلل حجم الطاقة. بينما يُمكن تعريف الموصلات الفائقة بأنها مواد توصل الكهرباء دون أي مقاومةٍ تقريباً، تحت ظروف معينة.
ومن المعروف في الوقت الراهن أن أشباه الموصلات تظهر عليها تلك الخصائص تحت التبريد الشديد أو الضغط الشديد فقط.
وتبرز أهمية "الموصلات الفائقة" بأنها تستطيع في درجة حرارة الغرفة أن توصل الكهرباء دون مقاومة، ودون الحاجة إلى تبريدها لدرجةٍ تقارب الصفر المطلق، ودون الحاجة إلى قدرٍ مهول من الضغط، وهو ما يعد ثورةً في مجال نقل الكهرباء ويقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ سيُتيح ذلك إرسال الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح المتجددة لمسافات بعيدة دون خسارة كثير من الطاقة.
وسبق أن وصفت دورية Science العلمية هذا النوع من الموصلات الفائقة بأنه "أحد أكثر الأهداف المنشودة في جميع مجالات علوم المواد وفيزياء المواد المكثفة".
وقد تمحورت الكثير من أبحاث الموصلات الفائقة حول نظريات ما يحدث داخل المواد عند تعرضها للبرودة الشديدة. لكن العلماء بدأوا مؤخراً في الاعتماد على النمذجة الحاسوبية من أجل التعرف على الترتيبات المحتملة للذرات والخواص الكيميائية للمواد، التي يمكن استخدامها بالتبعية لصنع موصلات فائقة تعمل في مختلف الظروف. لكن ما تزال هناك أعداد مهولة من المركبات المحتملة التي تحتاج للاختبار.
مخرجات جديدة
وأصدر علماء المواد في مركز أبحاث الطاقة الكمية والمعهد الكوري للعلوم والتقنية بسيول ورقتين بحثيتين مؤخراً.
تزعم الورقتان البحثيتان أنهم نجحوا في تصنيع مادة فائقة التوصيل في درجة حرارة الغرفة "للمرة الأولى في العالم". ويتكوَّن المركب الكيميائي الذي أطلقوا عليه اسم "إل كيه-99" من الرصاص، والفسفور، والأوكسجين. كما يزعم الباحثون أنهم أثبتوا الموصلية الفائقة لهذا المركب من خلال استعراض طريقة استجابة المادة عند تمرير الكهرباء عبرها، أو عند تعرضها للمجالات المغناطيسية، وذلك دون تبريد المادة أو تعريضها للضغط.
يُذكر أن الباحثين شاركوا الورقتين البحثيتين قبل النشر، مما يعني أن عملهم لم يخضع لمراجعة الأقران بعد. لكن الورقتين شجعتا الباحثين والمختبرات حول العالم على محاولة تكرار النتائج نفسها. وقد عرض شخص واحد على الأقل محاولته عبر بثٍ مباشر على منصة "تويتش".
فيما استقبل المجتمع العلمي أخبار البحث الجديد بمزيج من الحماسة والتشكيك، حيث زعم فريقان بحثيان مستقلان، أحدهما في الهند والآخر في الصين، أنهما أعادا صنع "إل كيه-99″، لكنهما لم يعثرا على أدلة تثبت الموصلية الفائقة للمركب.
وظهرت تقارير عن عينةٍ طافية من مركب إل كيه-99 في مختبر آخر بالصين، لكن هذه التجربة لا تثبت الموصلية الفائقة للمركب بالضرورة.
بينما وجدت الأبحاث التي أجرتها سينياد غريفين على خواص إل كيه-99، داخل مختبر لورنس بيركلي الوطني، أن الموصلية الفائقة قد تكون أحد التفسيرات المحتملة للنتائج المذكورة، لكنها أردفت أن هناك "كثيراً من الظواهر الأخرى التي يمكنها تفسير النتائج، مثل تحولات الفلز إلى عازل وموجات كثافة الشحنة". ويُمكن القول إن المادة تبدو غير عاديةٍ على أقل تقدير، بينما يواصل العلماء بحثهم في خواصها.