البعض يخصصون وقت الاستحمام لسماع موسيقاهم المفضلة أو حتى سماع حلقات البودكاست التي لا يجدون لها وقتاً خلال يومهم المزدحم، لكن هل كنت تعلم أن هذه العادة قد تساهم في تخفيض قدراتك الإبداعية؟
لمَ لا يجب سماع الموسيقى أثناء الاستحمام؟
قد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء، فما المانع من الاستمتاع ببعض الموسيقى أو المدونات الصوتية أثناء الاستحمام؟
يكمن السر وفقاً للباحثة الرائدة في السعادة غريتشن روبين، في أهمية عدم إجراء أي نشاط يحفز الذهن أثناء الاستحمام؛ وهذا يشمل بالطبع عدم الاستماع لموسيقى أو بودكاست، وفقاً لموقع mindbodygreen .
وتضيف روبين أن القيام بنشاطات تحفز الذهن خلال فترة الاستحمام قد يؤدي إلى تعطيل القدرات الإبداعية، قبل أن نعرف السبب دعونا نتعرف أولاً على ما يسمى "تأثير الاستحمام"..
الأفكار الإبداعية وعلاقتها بـ"تأثير الاستحمام"
في دراسة أجريت عام 2019، سجل 98 كاتباً محترفاً و87 فيزيائياً، أفكارهم الأكثر إبداعاً كل يوم، بالإضافة إلى ما كانوا يفعلونه ويفكرون فيه عندما جاءتهم هذه الأفكار. وكانت النتيجة أن 20% من أكثر الأفكار الإبداعية التي توصلوا إليها، كانت أثناء الاستحمام أو القيام بعمل روتيني آخر، مثل غسل الأطباق أو كانوا في طريق العودة للمنزل.
تُظهر الأبحاث أن ما يُعرف باسم "تأثير الاستحمام"، له دور كبير في تدفق الأفكار الإبداعية والحلول لبعض المسائل المعقدة، والسبب في ذلك بحسب دراسة في مجلة "علم نفس الجماليات والإبداع والفنون" نُشرت عام 2022، أن الناس يُولّدون أفكاراً إبداعية أكثر أثناء أداء الأنشطة الروتينية مثل الاستحمام أو المشي.
وبحسب تلك الدراسة، فإن الدماغ حتى يولد الأفكار الإبداعية، يحتاج بعض التوازن والسماح له بالشرود ذهنيا قليلاً، ما يؤدي إلى مزيد من الأفكار الإبداعية، وذلك لأن الأنشطة المملة، لا تحتاج الكثير من الجهد من الدماغ، لذا يتوفر له الوقت لحل المشكلات الأكثر تعقيداً.
في دراسة قام بها "سكوت باري كوفمان" العالم المعرفي، وجد أن 72% من الأشخاص يحصلون على أفكار إبداعية أثناء الاستحمام، ويقول كوفمان إن الدراسة "تسلّط الضوء على أهمية الاسترخاء للتفكير الإبداعي".
وقال: إن بيئة الاستحمام المريحة والانفرادية، قد تتيح التفكير الإبداعي من خلال السماح للعقل بـ"التجول بحرية"، وجعل الناس أكثر انفتاحاً على وعيهم الداخلي وأحلامهم.
سماع الموسيقى أو البودكاست قد يقتل فرصة الحصول على أفكار إبداعية أثناء الاستحمام
وبالعودة إلى روبين، فإنها تؤكد على أهمية قضاء وقت لا نفكر فيه بأي شيء على الإطلاق، فهو الوقت الذي نتيح فيه الفرصة لدماغنا بتوليد الأفكار الإبداعية، وتقول: "أنا مفتونة بالملل؛ فالملل يولد الإبداع، لكننا لا نترك عقولنا في كثير من الأحيان تتحرر، إذا جاز التعبير. فعندما نشعر بالملل، تصير رؤيتنا ثاقبة؛ لأنَّ عقولنا تتفتح وتحاول الترفيه عن نفسها".
وتدعم الأبحاث تجربة غريتشين؛ فقد كلّفت إحدى الدراسات المشاركين بنسخ أرقام الهواتف من دليل لمدة 15 دقيقة لتحفيز شعور الملل، ثم طلبت من هؤلاء الأفراد ابتكار استخدامات مختلفة لزوج من الأكواب – وهي مهمة من شأنها منحهم فرصة لإظهار مهارات الإبداع.
كيف كانت النتائج؟ طرحت المجموعة المصابة بالملل أفكاراً إبداعية أكثر بكثير من المجموعة الأخرى التي قامت بتنشيط ذهنها خلال فترة الملل. وافترض الباحثون أنَّ المشاركين سيغوصون في أحلام اليقظة في الأوقات التي يشعرون فيها بالملل؛ مما يؤدي في النهاية إلى مزيد من الإبداع.
لذلك إذا كنت تأمل في تحفيز عقلك للخروج ببعض الأفكار الجديدة والأصلية، فقد ترغب في تجنب أي نوع من التحفيز الذهني. وتضيف غريتشين: "أنت بحاجة إلى هذا الوقت من البحث المفتوح من أجل ظهور أفكار جديدة. وهذا هو السبب في أنَّ الناس يحصلون على أفكار جيدة في الحمام أو في منتصف الليل – فهي فترة راحة يخلق الدماغ فيها متعته الخاصة".
ماذا عن وقت الاسترخاء؟
ومع ذلك، لا يجب بالضرورة أن تكون فترة التوقف عن العمل وقتاً منتجاً. وإذا كان الاستماع إلى الموسيقى أو البودكاست يساعدك على الاسترخاء، فلا بأس بالاستمرار بهذه العادة.
لهذا السبب توصي غريتشين بإعطاء الحرية لمخيلتك للغوص في عقلك الباطن لبضع دقائق على الأقل يومياً، سواء كنت في نزهة على الأقدام أو في متحف، أو حتى أثناء الاستحمام. ونوهت: "لا أعتقد أنني سأفكر في رؤى لامعة إذا تجولت وأنا أستمع إلى بودكاست. وبقدر ما أحب الاستماع إلى البودكاست، لكنني سأفكر في كل ما يخص البودكاست".
بعض الناس تَضُجّ أذهانهم بالكثير من الأفكار، والاستماع إلى أفكار شخص آخر قد يساعدهم في التخلص من الضغط بعد يوم طويل حافل. لذلك قد لا يكون الاستماع إلى الموسيقى أو البودكاست أثناء الاستحمام عادة سيئة بطبعها. لكن إذا كنت تأمل في تحفيز قدراتك الإبداعية، فحاول العثور على وقت يمكن فيه لعقلك التجول في هذه الأفكار.