كشفت صور للكعبة المشرفة، أُعيد تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أمراً غامضاً متعلقاً بشكل وتركيب البناء المقدس للمسلمين؛ إذ ظهر في الصور ما بدا كأنه باب سري تم إغلاقه بالحجارة ذاتها التي بُنيت بها الكعبة، وذلك في موضع مختلف تماماً عم موقع باب الكعبة المعروف.
الباب السري المغلق والمسدود بالحجارة يقع في الجهة الغربية، الأمر الذي أثار حيرة واستغراب كثيرين، متسائلين: ما هذا الباب الغامض، ولماذا تم سده بهذا الشكل؟
أصل شكل بناء الكعبة المشرفة قديماً
يزعم المؤرخون أنه عندما تم بناء الكعبة المشرفة لأول مرة على يد النبي إبراهيم عليه السلام والنبي إسماعيل عليه السلام، لم يكن لها أبواب أو أسقف أو نوافذ، وكانت ببساطةٍ عبارة عن جدران متراصة مشكِّلة مكعباً مغلقاً من جميع الجوانب.
بمعنى آخر، في ذلك الوقت، لم يكن هناك أي ترتيب لدخول الكعبة.
ولكن فيما بعد، ويُعتقد أنه في الفترة التي حكم فيها الملك "تُبَّع" قبل البعثة النبوية بفترة طويلة، في القرن الـ4 ميلادياً، تم فتح الكعبة على مستوى الأرض من الجانبين، حسبما ورد في سيرة ابن هشام. فكان الناس يدخلون من الفتحة الشرقية ويخرجون من المخرج الغربي.
ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت، لم تكن هناك أبواب على الجدران يتم فتحها وغلقها بالشكل المعهود لباب الكعبة الحالي، بل كانت الكعبة تتمتع بمدخل دائم ومخرج دائم مفتوحين طوال الوقت.
ومما يؤكد ذلك، ما ذكره الأزرقي في أخبار مكة عن ابن جرير قال: "كان تبع فيما زعموا، أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم، فأمرهم بتطهيره وجعل له مداخل".
ثم بحلول عصور ما قبل الإسلام، تم سد الباب للتحكم في حركة الدخول والخروج للكعبة المشرفة، وهو ما يفسر الباب المسدود بـ18 حجراً في الصور المتداولة للكعبة بدون غطائها الأسود المعهود، والذي يقع مقابل الباب الرئيسي الحالي، بالقرب من الركن اليماني، وذلك على ارتفاع متساوٍ للباب الرئيسي تقريباً.
تغيير قريش باب الكعبة قبل الإسلام
في عهد قريش وسيطرتها على مكة نتيجة نمو حركة التجارة، تم غلق أحد البابين ورفع الباب الشرقي عن مستوى الأرض عدة أقدام عندما رممت قريش الكعبة وأعادت بناءها، وفقاً لما جاء في سيرة بناء الكعبة، نتيجة للسيل الكبير الذي حطم أجزاء منها، وذلك في القصة الشهيرة التي شارك فيها النبي محمد بوضع الحجر الأسود.
ويُذكر في ذلك أن السيدة عائشة سألت النبي محمد ذات مرة عن هذا الأمر، مستفهمة عن سبب قيام قريش برفع الباب فوق الأرض، فأجابها بأنهم قد فعلوا ذلك نتيجة نقص المال.
وأضاف النبي في الحديث الشريف: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين باباً للدخول وباباً للخروج"؛ لذا ترك النبي محمد نقض الكعبة خشية الفتنة.
ثم تتابعت إصلاحات الكعبة لاحقاً، ما بين إصلاح وتجديد وترميم، بسبب آثار سيول أو عوامل الزمن على هيكل الكعبة المشرفة.
باب الكعبة في عهد الدولة الإسلامية
وبحسب الوثائق التاريخية بهذا الصدد، فقد جرى تغيير الباب الخشبي القديم لأول مرة في عام 64 هجرياً، بعد بقائه فترة طويلة وتآكله، وذلك في فترة خلافة الصحابي عبد الله بن الزبير، حيث صنع باباً طوله 11 ذراعاً، وأمر بفتح الباب المغلق فأصبح لها بابان للدخول والخروج، قبل أن يعود الحجاج بن يوسف ويعيد بناء الكعبة على بناء قريش ويغلق الباب الثاني.
وفي عام 1045 غيّر الحجاج تصميم الباب الأصلي القديم، وجُعل فيه من الحلي الفضية ما يصل وزنه إلى قرابة 200 رطل وطُلي بالذهب وهو أول باب تدخل فيه الحلية، وقد حدث ذلك في عهد مراد الرابع وبقي هذا الباب حتى عام 1356 ميلادياً.
بعدها أعيد بناء الكعبة جزئياً في عام 1630م، في عهد السلطان العثماني مراد الرابع، وذلك بعد هطول أمطار غزيرة بمكة تسببت في انهيار الجدران الشرقية والغربية.
فاستأجر السلطان حرفيين مصريين لتصنيع باب جديد مشابه في التصميم للباب السابق، وقاموا بتزيينه بأشكال هندسية مطلية بالفضة والذهب.
وقد ظل هذا الباب قيد الاستخدام لأكثر من 300 عام، ولم يتم استبداله إلا في عصر الدولة السعودية. ولا يزال الباب قائماً وهو الآن جزء من معرض عن تاريخ الجزيرة العربية في متحف اللوفر بأبوظبي.