لا شك في أنَّ غرق "تيتانيك" هو أحد أكبر وأشهر المآسي في التاريخ البحري الحديث، وهذا طبيعي. فالسفينة التي ارتطمت بجبلٍ جليدي عام 1912، أودت بحياة أكثر من 1500 شخص، من أصل 2223 كانوا على متنها.
كثيرةٌ هي القصص التي رُويت عن الناجين من تيتانيك، وعن الذين لقوا حتفهم أيضاً. لكن هل تعلمون أن السفينة العابرة للمحيطات، والتي غرقت قبالة سواحل جزيرة نيوفاوندلاند في رحلتها الأولى إلى نيويورك، كان على متنها شخصيات بارزة؟
مشاهير ضمن ركاب تيتانيك
بعد الانتهاء من تشييدها، وُصفت تيتانيك بأنها "ألماسة السفر الفاخر"، الأمر الذي جذب شخصيات شهيرة من عالم الفن والأزياء والتجارة والمجتمع.
فضمّت السفينة المنكوبة قائمة بأهم مصممي الأزياء، وأثرى أثرياء العالم، إضافةً إلى كونتيسة بريطانية؛ وكان غالبيتهم من ركاب الدرجة الأولى. وفي السطور التالية، نعرض 8 شخصيات من أشهر ضحايا غرق سفينة تيتانيك.
توماس أندروز، مصمم تيتانيك
كان موظفاً أساسياً في حوض "هارلاند وولف" لبناء السفن، وهو من صمّم سفينة تيتانيك. وقد سافر مع الرحلة الأولى لها لمراقبتها، وتقديم توصيات حول ما إذا كانت هناك بعض الجوانب التي تحتاج إلى التطوير.
ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، عندما اصطدمت السفينة بالجبل الجليدي، علم أندروز على الفور أن غرقها محتوم. فبدأ في مساعدة النساء والأطفال على ركوب قوارب النجاة.
وعندما شوهد للمرة الأخيرة، يقول شهود عيان إنه كان يلقي ببعض الأغراض إلى الناس في المياه؛ حتى يتشبثوا بها. لم يهتم بسلامته، بل كانت سلامة الناس شغله الشاغل.
إيدا وإيزيدور شتراوس، شريك في سلسلة متاجر مايسيز
هي قصة مؤثرة عن زوجين رفضا الانفصال في لحظات النهاية المريرة بعد غرق تيتانيك، وقررا الموت معاً حين رفضت إيدا شتراوس ترك زوجها وراءها، والركوب في قارب النجاة مع النساء الأخريات، وفضلت الغرق معه.
ورغم أن الزوجين ربما لم يموتا في سريرهما، كما يصوّر فيلم "تيتانيك"، فإنهما في الواقع لم يبذلا أي مجهود لمحاولة الهرب من السفينة أثناء غرقها في المحيط الأطلسي. وبدلاً من ذلك، اختارا الموت معاً.
التقى الزوجان للمرة الأولى بعد الحرب الأهلية عندما انتقل شتراوس، الذي كان مفلساً حينها، إلى مدينة نيويورك. امتلك إيزيدور وأخوه سلسلة متاجر "مايسيز" الشهيرة لاحقاً، وصار في نهاية المطاف رجل أعمال بارزاً وعضواً في مجلس النواب الأمريكي.
عُرض على شتراوس مكانٌ في أحد قوارب النجاة بينما كانت تيتانيك تغرق، لكنه رفض مؤكداً أنه لن يذهب حتى يتأكد من إخراج كل امرأة وطفل من السفينة. وبناءً على ذلك، رفضت إيدا ترك زوجها والركوب في قارب مع النساء.
ونقلت السيدة التي كانت برفقتهما قول إيدا شتراوس الشهير، عندما حثها زوجها على الخروج من السفينة، فأجابته: "كما عشنا معاً، سنموت معاً". وأعطت الأمر للسيدة التي كانت تعمل في منزلهما بأن تركب أحد قوارب النجاة.
شوهد الزوجان للمرة الأخيرة على سطح السفينة؛ ولاحقاً، تم العثور على جثة إيزيدور التي انتُشلت من المحيط، لكن جثة إيدا لم يُعثر عليها قط.
جون جاكوب آستور، مليونير
هو أحد أبناء عائلة آستور الشهيرة، ويُعرف باسم جون جاكوب آستور الرابع. كان مخترعاً، وكاتب قصص خيال علمي، ومحارباً سابقاً في الحرب الأمريكية الإسبانية.
كان المليونير في جولةٍ أوروبية مع زوجته مادلين، حين اكتشفا أنها حامل. ولضمان ولادة الطفل في الولايات المتحدة، حجز الزوجان رحلة العودة إلى وطنهما على متن سفينة تيتانيك.
وفي حين نجت زوجته من الكارثة، شوهد جون جاكوب آستور للمرة الأخيرة بعد غرق السفينة، بينما كان متشبثاً بجانب العوامة.
ووفقاً لـHerald Journal، كانت ثروته تساوي نحو 87 مليون دولار، أي ما يعادل 2.21 مليار دولار بقيمة اليوم. وبناءً على ذلك، كان آستور أثرى الركاب على متن السفينة.
أرتشيبالد بوت، مساعد الرئيس الأمريكي
حظي بوت بمسيرة مهنية مميزة قبل وفاته في كارثة تيتانيك؛ فقد بدأ مسيرته المهنية مراسلاً، قبل أن ينضم إلى الجيش الأمريكي خلال الحرب الأمريكية الإسبانية، ويخدم لاحقاً بالجيش في كوبا والفلبين.
وعام 1908، أصبح المساعد العسكري للرئيس الأمريكي الراحل تيودور روزفلت، وشغل المنصب نفسه في ولاية الرئيس التالي ويليام تافت.
يوجد عدد من الروايات، التي لم يتم التحقق منها، حول سلوك بوت أثناء غرق سفينة تيتانيك. بعضها يشير إلى أنه قاد عمليات الإخلاء، وأخرى تؤكد أنه هدّد الركاب الذكور الذين حاولوا تجاهل بروتوكول أولوية إنقاذ النساء والأطفال أولاً.
خلال حفل تأبينه، قال الرئيس الأمريكي تافت: "كل شخص عرفه كان يناديه بأرتشي. لم أستطع أن أحضّر شيئاً سلفاً لأقوله هنا، حاولت لكني لم أستطع. كان قريباً للغاية مني، وبالنسبة لي، صار ابناً وأخاً"؛ ولاحقاً انهار الرئيس من النحيب.
هنري هاريس، منتج مسرحي في مسرح برودواي
كان هاريس عنصراً رئيسياً في مسرح برودواي العريق عندما توفي خلال غرق تيتانيك. فقد بدأ في إنتاج المسرحيات وإدارة أعمال النجوم منذ العام 1897، وكان عائداً إلى الولايات المتحدة من رحلة عمل في لندن.
ولم يمت هاريس إلا بعد أن تأكد من أن زوجته رينيه، التي كُسر كوعها بعد سقوطها من أعلى الدرج الكبير للسفينة، وصلت إلى أحد قوارب النجاة وانطلق بها نحو شاطئ الأمان. لاحقاً أخبرت الزوجة بأن هاري رفعها بين ذراعيه وألقى بها إلى ذراعي بحار، ثم ألقى فوقها بطانية حملها لساعات.
حققت رينيه نجاحاً كبيراً من خلال اتباع مجال عمل زوجها، لتصير واحدة من أولى المنتجات المسرحيات في الولايات المتحدة.
ويليام توماس ستيد، صحفي استقصائي
كان ستيد محرراً نافذاً للغاية، ويُعزى إليه المساعدة في ابتكار ما يُعرف اليوم بـ"الصحافة الاستقصائية"، بعدما نشر سلسلة تحقيقات صادمة ومثيرة للجدل عن دعارة الأطفال. لكن اللافت أنه تنبأ -بشكلٍ أو بآخر- بموته على متن تيتانيك، وهو أمر غاية في الغرابة.
عام 1886، كتب توماس ستيد قصة خيالية حملت تشابهاً مقلقاً للأحداث الحقيقية التي واجهتها السفينة المنكوبة.
حملت القصة القصيرة عنوان How the Mail Steamer Went Down in Mid Atlantic by a Survivor، وتروي قصة سفينة عابرة للمحيطات تغرق في المحيط الأطلسي. وفيها يُخبر بأن 200 راكب فقط نجوا من الكارثة بسبب نقص قوارب النجاة.
ووفقاً لموقع Biography.com، لم يحاول ستيد أن ينجو بنفسه حين كانت سفينة تيتانيك تغرق، فقد نقل شهود عيان أنه أمضى ساعاته الأخيرة في القراءة داخل حجرته الخاصة.
جاك فوتريل، مؤلف روايات إثارة وغموض
كان من أنجح كُتاب الغموض والإثارة قبل وفاته في كارثة تيتانيك، وقد بدأ حياته المهنية من خلال الصحافة المكتوبة، فكان محرراً تابعاً لصحيفة New York Herald ومن ثم The Boston Post.
تناول جاك فوتريل وجبة العشاء الأخيرة برفقة زوجته وهنري هاريس وزوجته رينيه، في الليلة التي غرقت فيها السفينة. وقد شوهد للمرة الأخيرة وهو يتحدث إلى آستور، بعدما تأكد من أن زوجته وصلت إلى قارب نجاة.
جون ثاير، مسؤول تنفيذي في السكك الحديدية
اشتهر ثاير للغاية في عام 1912، لأنه كان لاعب كريكيت سابقاً ومسؤولاً تنفيذياً في شركة بنسلفانيا للسكك الحديدية (Pennsylvania Railroad).
كان نائب رئيس شركة السكك الحديدية يسافر على متن تيتانيك مع زوجته وابنه، بعد رحلة إلى برلين. وبعد اصطدام السفينة بجبل جليدي، حرص ثاير على ضمان أن تصعد زوجته والعاملة المنزلية على متن أحد قوارب النجاة.
قال أرشيبالد غراسي، أحد الناجين، إنه رأى ثاير وبدا "شاحباً وحازماً" على سطح السفينة قبل غرقها. لم يُعثر قط على جثة ثاير. أما ابنه، فقد نجا عن طريق الغوص في المياه والسباحة حتى وصل إلى قارب نجاة مقلوب.