لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة يتسلى بها الناس بأخبارها وابتكاراتها المثيرة للإعجاب، بل تحمل أملاً بتغيير جذري في حياة ذوي الإعاقة؛ إذ تتيح لهم استقلالية أكبر من خلال التطور في مجال التعرف على الصور، وتُمكّنهم أيضاً من الاستعادة الجزئية لوظائف فقدوها، كالكلام أو المشي.
في نهاية مايو/أيار 2023، تمكّن شخص مُصاب بشلل نصفي في فقرات من رقبته، للمرة الأولى من استعادة السيطرة طبيعياً على المشي من خلال التفكير، وذلك بفضل دمج تقنيتين تعيدان الاتصال بين الدماغ والحبل الشوكي، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
كذلك تأمل شركة "نيورالينك" التي أطلقها الملياردير إيلون ماسك في العام 2016، في إعادة الاستقلالية للأشخاص المصابين بالشلل، عن طريق زرع شرائح إلكترونية في الدماغ، قبل توصيل الدماغ البشري على آلات، وكانت السلطات الصحية الأميركية قد وافقت في نهاية مايو/أيار على إجراء اختبارات أولى على البشر.
في تقدّم أقل إبهاراً لكنه بالأهمية نفسها، باتت منتجات استهلاكية كالهواتف الذكية تتحوّل إلى عكازات يومية بفضل تقنية الذكاء الاصطناعي، فبفضل كاميراتها، تملك أجهزة "آيفون" و"أندرويد" تطبيقات لتحديد الأشخاص ووصف الأغراض الموجودة في محيطهم، وتحمل إفادةً في عثور حامل الهاتف مثلاً على أقرب باب منه أو على زر المايكروويف.
كانت شركة "آبل" قد أعلنت في مايو/أيار 2023 عن ميزة "لايف سبيتش" التي تتيح للشخص التعبير عن نفسه كتابياً خلال المحادثات الهاتفية أو التي تتم عبر الفيديو، مع تفريغ نصي لما يقوله بالصوت، يظهر لدى الطرف الآخر من المكالمة.
أما بالنسبة إلى الأشخاص المعرضين لخطر فقدان القدرة على التحدث بسبب مرض تنكس عصبي، فتَعِد "آبل" بإنتاج نبرة مماثلة لأصواتهم بعد تدريب لـ15 دقيقة (باللغة الإنجليزية فقط).
تقول المسؤولة في الشركة سارة هيرلينغر في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "آبل" عملت مع المنظمة التي أسسها لاعب كرة القدم الأميركية، ستيف غليسون، المصاب بمرض "شاركو"، وهو مجموعة من الاضطرابات الوراثية التي تُسبب تلف الأعصاب، ويُصيب هذا التلف في الغالب الذراعين والساقين (الأعصاب المحيطية)، وفقاً لما ذكره موقع mayoclinic.
يُطلق على هذا المرض أيضاً اسم الاعتلال العصبي الوراثي في الأعصاب الحركية والحسية، وبحسب هيرلينغر فإن شخصاً من كل ثلاثة مصابين بهذا المرض، معرّض لخطر فقدان الكلام.
تؤكد هيرلينغر أنّ "آبل" تعلّق أهمية كبيرة منذ البداية على مسألة إتاحة منتجاتها لمختلف الناس، مضيفةً "كنّا أوّل مَن أطلق قارئ الشاشة التي تعمل باللمس عام 2009".
من جانبها، قالت مديرة إتاحة المنتجات لدى "غوغل" إيف أندرسون، في تصريح للوكالة الفرنسية: "في غوغل، نحاول حالياً الترويج للذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يحمل وعوداً كثيرة متعلقة بمسألة الإتاحة" وتحديداً في ما يخص الاضطرابات المعرفية.
يتمثل أحد الأهداف في الوصول إلى حلول تساعد الأشخاص الذين يعانون عسراً في القراءة على القراءة، كملخصات نصية آلية أو اقتراحات لردود على رسائل بريدية.
كذلك وبفضل برنامج الذكاء الاصطناعي الذي ابتكرته شركة "غوغل ديبمايند"، يتيح تطبيق "لوك أوت" الداعم للرؤية للمستخدم بالاستعلام عن محتوى أي صورة من جهازه.
تقول إيف أندرسون: "إذا جرى ابتكار أداة تساعد الأشخاص الذين يعانون إعاقة، فستكون جيدة لمختلف المستخدمين"، مشيرة إلى ميزة تمييز الكلام والترجمات التلقائية التي تظهر في أسفل مقاطع الفيديو عبر يوتيوب.
بدوره، يشير رئيس قسم إتاحة المنتجات لدى جمعية "فالنتين هاي"، إنّ "الحلول التي يقترحها الذكاء الاصطناعي" يُرجَّح أن توفر استقلالية كبيرة للمكفوفين ومَن يعانون مشاكل في بصرهم، ويتم اعتمادها أحياناً من دون إدراك ذلك حتى".
ويتيح تطبيق "سيينغ ايه آي" الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي من "مايكروسوفت" للمستخدم مثلاً "اكتشاف محتوى صورة بأصابعه، وهي مسألة مثيرة للاهتمام عند مشاركة صورة ما عبر مجموعة في واتساب، إلا أنّ الناس لا يدركون دائماً أن ذلك بفضل الذكاء الاصطناعي".
في موازاة ذلك، تتزايد المبادرات في ظل معاناة أكثر من 15% من سكان العالم شكلاً من أشكال الإعاقة، وتبتكر شركة "سونار فيجن" الفرنسية الناشئة تقنية لتوجيه الأشخاص الذين يعانون ضعف البصر في مدن معينة.