يستعد الأطباء النفسيون في أستراليا لإقرار عقاقير "فطر عيش الغراب السحري" المخدرة، ومن المقرر أن تصبح أستراليا الشهر المقبل، أول دولة بالعالم تشرّع استخدام هذه العقاقير لتكون علاجاً مصرحاً به للمصابين ببعض الأمراض النفسية والعقلية، وذلك بعد تحولٍ جذري للجهات التنظيمية عن رأي سابق لها، برفض ترخيص هذه العقاقير.
صحيفة The Times البريطانية نقلت الأحد 11 يونيو/حزيران 2023، عن الطبيب الأسترالي تيد كاسيدي، قوله إنه يتطلع إلى أن يصبح أحد أوائل الأطباء النفسيين الذين يصفون ما يُعرف بـ"عقاقير الهلوسة"، لتكون علاجاً للمرضى المصابين بأمراض عقلية مزمنة، ووصف قرار الجهات التنظيمية بأنه "كان مفاجأة كبيرة للأطباء".
يأتي هذا بعد أن أعلنت "إدارة السلع العلاجية" (TGA) التابعة للحكومة الأسترالية، السماحَ -بداية من 1 يوليو/تموز 2023- باستخدام مادة الـ"سيلوسيبين" Psilocybin الموجودة في "الفطر السحري"، لعلاج المرضى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة؛ وتقنين استخدام منشط الـ"إكستاسي" MDMA، لعلاج المرضى المصابين بالاكتئاب الحاد.
لكن مع ذلك، اشترطت الجهات الرقابية لاستخدام هذه العقاقير المخدرة، أن تكون حالة المريض قد استعصى علاجها بالعلاجات القياسية، مثل العلاج النفسي ومضادات الاكتئاب، وإلا فإن هذه العقاقير محظورة بخلاف ذلك.
أدهش القرار المفاجئ من إدارة السلع العلاجية الأسترالية جميع الجهات المعنية، ويشمل ذلك Mind Medicine Australia، المؤسسة الخيرية المثيرة للجدل التي تزعمت الحملات الداعية إلى تشريع استخدام عقاقير "الفطر السحري".
تشير الصحيفة البريطانية إلى أن هذا القرار جاء على الرغم من أن أستراليا لطالما عُرفت بالتباطؤ في اعتماد العقاقير الجديدة من هذا النوع، مثل "القنب الطبي".
وكانت إدارة السلع العلاجية قد رفضت في حكم مؤقت نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2022، طلباً من المؤسسة الخيرية ذاتها، بترخيص استخدام هذه الأدوية؛ لعدم وجود أدلة كافية على أنها آمنة وفعالة.
أما الآن ولأسباب غير معروفة، قررت الإدارة أن تصبح أول جهة رقابية من نوعها في العالم تصرح باستخدام هذه العقاقير المخدرة، على الرغم من معارضة كبرى الهيئات الأسترالية، التي تمثل الأطباء النفسيين وعلماء النفس وعموم الأطباء.
من المفترض أن تُجهز غرف مخصصة للعلاج بهذه الأدوية المخدرة، إذ يقضي المرضى في هذه الغرف 8 إلى 10 ساعات بُعيد كل جلسة علاجية، ويُراقَبون مراقبة وثيقة حتى تتلاشى آثار الأدوية، ثم يُسمح لهم بالعودة إلى المنزل.
علاج ثمنه غالٍ
لن يكون العلاج بهذه الأدوية رخيصاً، إذ تشير التقديرات إلى أن دورة العلاج الكاملة -التي تصل إلى 45 ساعة موزعة على عدة جلسات- قد تبلغ تكلفتها ما بين 15 ألف دولار و30 ألف دولار.
مع ذلك، يُتوقع أن يكون هناك إقبال كبير عليها من المرضى المصابين بأمراض عقلية شديدة، والحريصين على اختبار أي علاج جديد بعد فشل الأدوية التقليدية.
من جانبهم، حذّر خبراء من أن أدوية "الفطر السحري" تحمل أيضاً مخاطر كبيرة، مثل الإصابة بالذهان لمن يتعاطون السيلوسيبين ونوبات الهلع بسبب الإكستاسي، لذلك فإن كثيرين أبدوا خوفهم الشديد من تداعيات استخدامها على المرضى، وقالوا إن الأمر لا يزال يحتاج إلى مزيد من البحث.
في هذا الصدد، قال الطبيب مارتن ويليامز، المدير التنفيذي لمؤسسة Psychedelic Research in Science and Medicine: "عندما يتعاطى أي شخص في أي مكان عقاراً مخدراً، فإن ذلك قد يأتي بنتائج جيدة أو عواقب سيئة".
يرى ويليامز أن قرار إدارة السلع العلاجية الموافقة على استخدام عقاقير "الفطر السحري" "متعجل للغاية"، وشدد على أن البلاد غير مستعدة لمثل هذا القرار.
كذلك أشار ويليامز إلى أنه لا توجد بعدُ دورات تدريبية معتمدة للعلاج بهذه العقاقير المخدرة، كما لم تنشر "الكلية الملكية الأسترالية والنيوزيلندية للأطباء النفسيين" إرشادات رسمية للممارسين، وإن كان من المقرر أن تصدر توجيهات لاستخدام العقار قبل يوليو/تموز المقبل.
إضافة إلى ذلك، لا توجد أدوية معتمدة تحتوي على "السيلوسيبين" و"الإكستاسي" في العالم كله، ما يعني أن الأطباء النفسيين الذين يرغبون في وصفها للمرضى سيتعيَّن عليهم التقدم بطلب لترخيص استيراد الأدوية من الدول التي تصنعها للاستخدام في التجارب الإكلينيكية، مثل كندا.
يعزو مراقبون، التحول في موقف السلطات الصحية من علاج "الفطر السحري"، إلى أن مؤسسة Mind Medicine Australia، التي تزعمت الحملات الداعية إلى ترخيص هذه العقاقير صارت قوة ضغط هائلة، وحشدت أنصاراً لها من مختلف الفئات، ومنها أقارب المرضى النفسيين المنتحرين وقدامى المحاربين في الجيش من المصابين باضطراب ما بعد الصدمة.
نتيجة لذلك، وصل أكثر من 13 ألف طلب إلى إدارة السلع العلاجية للسماح باستخدام العقاقير المخدرة في علاج الأمراض النفسية، لكن الإدارة رفضت الطلب السابق في عام 2020.