يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي HDP ذو الأغلبية الكردية، لاعباً أساسياً في تحالف "العمل والحرية"، الذي أُعلن عن تأسيسه في 25 أغسطس/آب 2022، استعداداً للانتخابات التركية لعام 2023. وينظر إليه على أنه واحد من الأحزاب المثيرة للجدل في الساحة السياسية التركية، إذ يواجه تهماً بدعم الإرهاب من خلال وجود صلة بين قادته وحزب العمال الكردستاني الإنفصالي المسلّح.
حزب الشعوب الديمقراطي وأول انتخابات
حزب الشعوب الديمقراطي هو واحد من الأحزاب اليسارية التركية، وقد تأسس عام 2012، ليكون الجناح السياسي لـ"المؤتمر الديمقراطي الشعبي" في تركيا، وهو اتحاد يتألف من العديد من الحركات اليسارية.
يُعرّف حزب الشعوب الديمقراطي نفسه باعتباره متبنياً مبدأ "الديمقراطية التشاركية"، ومدافعاً عن حقوق النساء والمثليين والأقليات والشباب في المجتمع. ويدعو إلى مساواة هذه الفئات مع غيرها. ويصف ممثلو الحزب أنفسهم بأنهم يسعون إلى "إحداث تغيير جذري في النظام الرأسمالي القائم، من خلال توحيد مختلف حركات المعارضة اليسارية".
وفيما عدا كونه حزباً سياسياً فاعلاً في تركيا، فقد انتسب الـHDP أيضاً إلى حزب الاشتراكيين الأوروبيين، وأصبح عضواً استشارياً في منظمة الأممية الاشتراكية، وهي منظمة سياسية دولية تأسست في هامبورغ وتضم في عضويتها مجموعة من الأحزاب السياسية ذات التوجه الديمقراطي الاجتماعي أو الاشتراكي أو العمالي.
كانت المشاركة الأولى للحزب في الانتخابات المحلية التركية عام 2014، إذ خاض الانتخابات حزبان ممثلان للأكراد، كان أحدهما حزب الشعوب الديمقراطي الذي خاض تلك الانتخابات ممثلاً عن معظم محافظات غرب تركيا، أما الحزب الثاني فقد كان الحزب الديمقراطي التقدمي الذي كان ممثلاً عن محافظات الجنوب الشرقي الكردي. وقد حصد الحزبان معاً 6.2% من إجمالي الأصوات، ولم يتمكن الحزب الديمقراطي الشعبي من الفوز بأي بلدية.
حزب "الأقليات" في تركيا
ويقدم حزب الشعوب الديمقراطي نفسه على أنه الحزب الداعم للأقليات التركية، فعلى الرغم من أنه يتكون في اغلبيته من الأكراد اليساريين العلمانيين، فإنه يضم أيضاً مسلمين متدينين واشتراكيين وعلويين وأرمن ومسيحيين سريانيين وأذربيجانيين وشركس ولازيين وغجر؛ ونشطاء من مجتمع الميم.
وفي انتخابات عام 2015، قرر حزب الشعوب الديمقراطي الترشح للانتخابات البرلمانية بتقديم مرشحَين يمثلون الحزب نفسه، وكان أحدهما هو باريش سولو الذي يعرف بأنه أول مرشح برلماني يصرح بمثليته الجنسية في تركيا.
وما بين عامي 2015 و2018 استطاع الحزب استقطاب المزيد من الأقليات، فزادت نسبة شعبيته لدى العلويين على سبيل المثال، من 7% إلى 16%.
وكان لزعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، دور في استقطاب الليبراليين إلى الحزب، ليتوسع بذلك خارج قاعدة دعمه الأساسية بين الأكراد، ليصبح الحزب ذا حضور قوي في البرلمان التركي، وذلك قبل محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
اتهامات بالإرهاب
شارك مسؤولون من حزب الشعوب الديمقراطي في مفاوضات السلام التي أجريت بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني ما بين عامي 2013 و2015، إلا أن هذه المفاوضات لم تؤتِ أكلها.
أما حزب العمال الكردستاني فبعتبر القضاء عليه أحد محددات الأمن القومي التركي. وقد تأسَّسَ هذا الحزب عام 1978 بطريقة سرية على يد مجموعة من الطلاب الأكراد الماركسيين، وما لبث أن تحول إلى جماعة مسلحة كردية يسارية تطالب بالاستقلال الذاتي للأكراد وتشكيل دولة كردستان التي تشمل مناطق من تركيا والعراق وسوريا وأرمينيا.
ومنذ عام 1984، بدأ حزب العمال الكردستاني بشن تمرد في جنوب شرق تركيا، أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص. ونتج عنه تصنيف الحزب على أنه منظمة إرهابية من قبل الحكومة التركية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بالعودة لحزب الشعوب الديموقراطي، فقد تصاعدت حدة توتر العلاقات بينه وبين الحكومة التركية في أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016، إذ اعتقلت السلطات حينها نحو 50 ألف شخص، فيما أقالت وأوقفت عن العمل نحو 150 ألفاً، وفقاً لرويترز، وCNN، نقلاً عن وزارة الداخلية التركية.
وطالت تلك الاعتقالات سياسيين من حزب الشعوب الديمقراطي، فقد ألقت السلطات القبض على أكثر من عشرة نواب في البرلمان عن حزب الشعوب، على رأسهم زعيم الحزب نفسه صلاح الدين دمرطاش، متهمة إياهم بالارتباط بحزب العمال الكردستاني.
ومنذ تلك الحادثة تراجع تأثير الحزب وبات نشاطه السياسي محدوداً، لكنّ المعركة بين الحزب والحكومة لم تنتهِ، فقد استمرت حملات الاعتقال ضد سياسيين من حزب الشعوب الديمقراطي.
وفي عام 2020، صرح سليم كابلان، النائب المشارك لرئيس حزب الشعوب الديمقراطي للحكومات المحلية، بأنه "منذ عام 2016، احتُجز 20.000 من أعضائنا وأُرسل أكثر من 10.000 من أعضائنا ومديرينا التنفيذيين إلى السجن"، وفقاً لرويترز.
وقد سعت الحكومة إلى إغلاق الحزب بشكل نهائي في تركيا، ورفعت ضده دعوى متهمةً إياه بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي، إلا أن الدعوى أسقطت عام 2021.
حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 2023
وبسبب تلك الاتهامات بالتواطؤ مع جهات إرهابية، بات وجود الحزب في الساحة السياسية مقيداً إلى حد ما، على الرغم من أنه نجح في إحباط مساعي إغلاقه.
مع ذلك، لم يستطع الحزب الدخول في انتخابات 2023 البرلمانية ممثلاً عن نفسه إنما كان تحت قائمة حزب "اليسار الأخضر". وقد انضم الحزب منذ عام 2022 إلى تحالف "العمل والحرية" الذي يضم 7 أحزاب هي: حزب الحركة العمالية (EHP)، وحزب العمل (EMEP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، واتحاد الجمعيات الاشتراكية (SMF)، وحزب العمال التركي (TİP)، وحزب الحرية الاجتماعية (TOP)، وحزب اليسار الأخضر (YSP).
ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي هو الأكبر في هذا التحالف الذي يتشكل من الأكراد في معظمه وتغلب عليه التوجهات اليسارية.
أما عن موقف التحالف من الانتخابات الرئاسية، فقد تم الإعلان في أبريل/نيسان 2023، أنه سيدعم كمال كليجدار أوغلو، مرشح الطاولة السداسية ورئيس حزب الشعب الجمهوري، وهي خطوة يرى مراقبون أنها أثرت سلبية على تحالف الطاولة السداسية المعارض الذي يضم ضمن مكوناته حزب "الجيد" ذا الخلفية اليمينية القومية بقيادة ميرال أكشنار.
وعلى ما يبدو سيشكل التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي عنصراً فاصلاً في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، فبعد أن حصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نسبة 49.51% من الأصوات، مقابل 44.88% حصدها منافسه كليجدار أوغلو، تتجه الأنظار إلى المرشح الثالث القومي سنان أوغان، الذي حصل على نسبة 5.25%، ولم يحدد المرشح بعد من الذي سيدعمه في الجولة الثانية، لكنه قال إن أصواته لن تذهب إلى كليجدار أوغلو ما دام هذا الأخير يشكل تحالفاً مع حزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية.