في حين يمتلك كوكب الأرض قمراً واحداً، ولا يمتلك كوكبا عطارد والزهرة أي أقمار، فإن الكواكب الأكبر تمتلك عدداً مذهلاً من الأقمار التي تدور حولها، إذ يمتلك كوكب زحل على سبيل المثال 83 قمراً، أما المشتري، أكبر كواكب المجموعة الشمسية، فيمتلك 92 قمراً.. فما قصتها؟
عدد أقمار كوكب المشتري
من الجدير بالذكر أن أقمار المشتري العديدة لم تُكتشف دفعة واحدة، إذ كان العالم الفلكي الكبير غاليليو غاليلي قد اكتشف في عام 1610، أول أربعة أقمار تدور حول المشتري عندما رصد أربعة أجرام سماوية بدت كأنها تدور حول الكوكب. أُطلق على هذه الأقمار الأربعة اسم "آيو" و"أوروبا" و"غانيميد" و"كاليستو"، وهي أكبر أقمار كوكب المشتري حتى الآن.
ومع تطور تقنيات رصد النجوم والأجرام السماوية، أصبح واضحاً وجود أكثر من 4 أقمار حول المشتري، لكنها أقمار صغيرة تبلغ مدة دورتها الكاملة حول المشتري عاماً أو عامين، عكس الأقمار الأربعة الكبار المكتشفة بفضل غاليليو غاليلي، والتي تنهي دورتها بعد أقل من 17 يوماً.
واكتشف فريق من علماء الفلك 12 قمراً جديداً حول المشتري في عام 2018، ليُعلن رسمياً في ديسمبر/كانون الأول 2022، ارتفاع إجمالي عدد أقمار كوكب المشتري إلى 92 قمراً، ومن ثمَّ يصبح الكوكبَ التابع له أكبر عدد من الأقمار في المجموعة الشمسية.
توصل سكوت شيبارد وزملاؤه من معهد كارنيغي للعلوم إلى هذا الاكتشاف عندما كان يقود بحثاً عن أجسام جديدة في "حزام كايبر"، وهو حلقة ضخمة من الأنقاض وحُطام الصخور تمتد إلى ما وراء كوكب نبتون.
لكن لماذا يمتلك المشتري كل تلك الأقمار؟
هناك سبب لدوران عدد كبير من الأقمار الطبيعية حول المشتري بينما يتبع كواكب أخرى –مثل كوكبنا- عدد أقمار أقل. يرجع سبب ذلك إلى تأثير الجاذبية.
يُقسّم علماء الفلك الكواكب داخل نظامنا الشمسي إلى فئتين؛ الأولى هي فئة "الكواكب الأرضية" أو "الكواكب الداخلية" وتضم عطارد والزهرة والأرض والمريخ. تُعرف الفئة الثانية باسم "الكواكب الغازية العملاقة" أو "الكواكب الخارجية" وتضم المشتري وزحل وأورانوس ونبتون، وفقاً لما ورد في موقع HowStuffWorks الأمريكي.
اكتشف العلماء أنَّ الفجوة في الحجم بين كواكب تلك الفئتين كبيرة جداً. فعلى الرغم من أنَّ أورانوس أصغر "الكواكب الخارجية" حجماً، فإنه أكبر 15 مرة من كوكب الأرض، الذي هو أكبر "الكواكب الداخلية". ومع ذلك، لا يوجد منافس لكوكب المشتري في حجمه الهائل، الذي يساوي أكثر من 300 ضعف حجم كوكب الأرض.
وفقاً للعالِم إسحاق نيوتن، ثمة علاقة طردية بين كتلة الجسم وقوة مجال جاذبيته. هذا يفسر قدرة "الكواكب الغازية العملاقة" على جذب عدد أكبر من الأقمار الطبيعية. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يجعل كواكب، مثل المشتري، تمتلك مجموعة كبيرة من الأقمار. تقع "الكواكب الغازية العملاقة" في نظامنا الشمسي على مسافة بعيدة نسبياً من الشمس. في المقابل، تمتلك بعض النجوم في مداراتها كواكب عملاقة شبيهة بالمشتري تُسمّى "كواكب المشتري الحارة"، التي تدور على مسافة قريبة للغاية من نجومها (كما لو أنَّ زحل تبادل مكانه مع عطارد).
كتب عالم الفلك الفرنسي، فتحي ناموني، في ورقة بحثية عام 2010، أنَّ "كواكب المشتري الحارة" يدور حولها عدد قليل من الأقمار، إن وجدت بالأساس. يُعتقد أن هذه الكواكب تتشكَّل في أجزاء بعيدة في أنظمتها الشمسية ثم تنزح إلى الداخل. على طول طريق نزوحها، تتعرَّض أقمارها لما يشبه لعبة شد وجذب سماوية. قد يكون حجم "الكواكب العملاقة الغازية" كبيراً، لكن نجومها أكبر حجماً ولديها مجال جاذبية أقوى بكثير. لذا، عندما يقترب بشدةٍ أحد "كواكب المشتري الحارة" من نجمه، فإنَّه سيجذب أقماره في نهاية المطاف.
تساهم المسافة في تعويض هذه القدرة. كلما ابتعد الكوكب عن الشمس، تضعف قوة تأثير الجاذبية عليه. لذا، إذا كان ناموني محقاً، فإنَّ كوكب المشتري الحقيقي احتفظ بـ92 قمراً في مداره، لأنَّه كوكب عملاق للغاية وبعيد بما يكفي عن الشمس لتجنب سرقة أقماره.
عائلة قمرية كبيرة
أقمار المشتري بالكاد متجانسة. يمتلئ القمر "آيو" بالبراكين النشطة، ويحتوي القمر "أوروبا" على محيط مخفي داخله، في حين يماثل حجم القمر "غانيميد" ثُلثي حجم كوكب المريخ وهو أكبر قمر في النظام الشمسي.
ربما تشكَّلت تلك الأقمار الثلاثة، جنباً إلى جنب مع القمر "كاستيلو"، بالتزامن مع تشكُّل كوكب المشتري نفسه. ربما بدأ الكوكب الكبير في صورة قرص من الغازات والغبار حتى أصبح تدريجياً الكوكب الغازي العملاق الذي نعرفه اليوم. بينما كان يتشكّل كوكب المشتري، تجمعت بعض المواد التي كانت تدور حوله واندمجت لتكوّن الأقمار الأربعة التي اكتشفها غاليليو في عام 1610.
يشير علماء أيضاً إلى أنَّ جميع أقمار كوكب المشتري لم تكن بالضرورة محلية المنشأ، إذ يعتقدون أنَّ العديد من أقمار المشتري بدأت على شكل قطع صخور منجرفة علقت في مدار الكوكب بسبب قوة جاذبيته.