نجح علماء في أستراليا في تطوير نموذج لرئتين مطابقتين للرئتين البشريتين، في مختبرهم في معهد نانو بجامعة سيدني، وستستخدم بهدف التوقف عن إجراء التجارب على الحيوانات، وفق ما قاله أستاذ الطب النانوي فويتشخ شرزانوفسكي، بأنه "يتألم" حين يتذكر أن إجراء التجارب على الحيوانات أمر لا مفر منه.
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، نُشر الثلاثاء 11 أبريل/نيسان 2023، قال شرزانوفسكي: "في الماضي شاركت في تجربة على قرود البابون، وهي مخلوقات ذكية حقاً، فحين تقترب من أقفاصها تبدأ بالصراخ وقذف الأشياء والاختباء، لأنها تعلم أن مكروهاً ما سيحدث لها، وهذا كان يؤلمني".
لكن عوضاً عن التسليم بحتمية هذه التجارب في الطب، قرر العمل على إيجاد طريقة أفضل. وبصرف النظر عن مخاوف الإضرار بالحيوانات، غالباً ما تكون النتائج المستخلصة من الدراسات التي تُجرى على الحيوانات غير قابلة للتطبيق أو النسخ عند البشر، بسبب الاختلافات في الكيمياء الحيوية والتشريح.
بداية الفكرة في أستراليا
على أنه يصعب الحصول على الموافقة الأخلاقية والتمويل للتجارب السريرية على البشر لاختبار سلامة وفاعلية الأدوية والعلاجات، دون إثبات سلامتها في الحيوانات أولاً.
حين انتقل شرزانوفسكي إلى أستراليا من بولندا لتأسيس مجموعة الهندسة الحيوية النانوية في جامعة سيدني قبل 13 عاماً، نظم ندوة عن الطباعة الحيوية، وهو مفهوم مشابه للطباعة ثلاثية الأبعاد، يعتمد على أخذ الخلايا من المريض ثم زرعها لإنتاج ما يكفي من "الحبر" اللازم لطباعة نماذج أنسجة للأبحاث الطبية.
يمكن دراسة الأدوية وآليات المرض واختبارها على هذه النماذج المطبوعة في المختبر، عوضاً عن الحيوانات. وقال شرزانوفسكي: "لم يشارك في هذه الندوة أكثر من ثلاثة أشخاص، والجميع أخبروني بأنني لن أنجح أبداً".
لكن في شهر أبريل/نيسان، نشر شرزانوفسكي وزملاؤه ورقة بحثية في مجلة Biomaterials Research، عن تقنية أكثر تطوراً حتى من الطباعة الحيوية.
فقد نجحوا في تطوير نموذج لرئتين مطابقتين للرئتين البشريتين في مختبرهم في معهد نانو بجامعة سيدني، حيث يشغل شرزانوفسكي حالياً منصب نائب المدير. وتشرح ورقتهم البحثية طريقة تصنيعها.
كيف تبدو الرئة المستنسخة؟
الرئتان اللتان يبلغ عرضهما بضعة ملليمترات فقط، تشبهان رئتي البشر بدرجة طفيفة. وهما موضوعتان في أنبوب بلاستيكي، وعند النظر إلى داخل هذا الأنبوب من أعلى، تبدوان مثل قطعة هلام صغيرة تنتشر في غشاء رقيق.
حيث قال شرزانوفسكي: "من الضروري أن نتأكد من نمو الرئتين بما يكفي لتكونا جاهزتين وناضجتين للتجارب، لذلك طوّرنا أقطاباً كهربائية توضع باستمرار فوق نماذج الرئتين، وتراقب الإشارات الكهربية الحيوية لهما".
كما أوضح أنه بناءً على هذه الإشارات "يمكننا أن نتعرف على نضج الرئتين وجاهزيتهما لبدء التجارب. وهذا يشبه توصيل جهاز للمريض ومراقبة دقات قلبه، ولذا فهذا المستشعر الحيوي الذي طوّرناه يساعدنا أيضاً في ملاحظة، مثلاً، متى يكون العلاج فعالاً ومتى تتجدد الرئة المصابة".
أُجريت محاولات أخرى لبناء رئات معملية، لكن شرزانوفسكي يقول إنها بسيطة جداً، وثابتة جداً، لكن رئة الإنسان تتغير وتتوسع وتتحرك باستمرار، بسبب تأثير الدورة الدموية وضربات القلب، على سبيل المثال.
الفرق بين هذه النماذج البسيطة والرئتين اللتين صنعهما شرزانوفسكي، صاحب الفكرة، وتلميذته في الدكتوراه ثانه هوين فان، التي أسهمت بدور أساسي في تصميمها وبنائها، هو أنها تتضمن هذه الحركة الفسيولوجية للسوائل في الخلايا.
يقول شرزانوفسكي: "بدأنا في بناء هاتين الرئتين حرفياً خلية خلية، لنجعلها أقرب ما يمكن إلى فسيولوجية رئتي الإنسان. وهذا ما يجعل نموذجنا فريداً من نوعه. والميزة الأخرى لنموذجنا هي أنه يمكننا أخذ خلايا من مرضى مختلفين، وإضافتها إلى هاتين الرئتين لتجربة العلاجات المخصصة".
أضاف: "وميزة أخرى نفتخر بها هي الحجم. فالكثير من النماذج صغيرة جداً، لدرجة أنه لا يمكنك إجراء تجارب كثيرة على نفس النموذج، لكن نموذجنا كبير نسبياً، وهذا يعني أنه يمكننا مراقبة الاستجابات المناعية، والأهداب، وإفراز المخاط، وكل ذلك في نموذج واحد".
في حاجة لمزيد من التطوير
لكن نموذج شرزانوفسكي به بعض أوجه القصور، فعند اختبار دواء أو علاج على الإنسان قد يؤثر على أجزاء مختلفة من الجسم، مثل الرئتين والأمعاء والقلب والدماغ. وتستحيل دراسة هذه الاستجابة لكامل الجسم باستخدام نموذج الرئتين فقط.
فيما يأمل شرزانوفسكي في بناء أعضاء أخرى، وربطها لتعمل مع بعضها. ويقول شرزانوفسكي إن هذا يحتاج عقوداً من العمل، بل ويحتاج التوسع في استخدام هذا النموذج للرئتين خمس سنوات على الأقل.
كما قال إن كل رئة تحتاج إلى 28 يوماً لتنمو في المختبر، "ولم يكن الوصول إلى هذه المرحلة سهلاً، وقد استغرقنا سنوات للوصول إليها، ولتصنيع هذه الأقطاب الكهربائية".
أضاف: "ولكن فيما يتعلق بتصنيع هذه النماذج فأي شخص لديه المهارات الأساسية في زراعة الخلايا سيتمكن من صنعهما. بإمكان طلاب جامعيين إدارة مختبر لتصنيع هذه النماذج، فنحن في طريقنا لحقبة يتوقف فيها إجراء الأبحاث على الحيوانات، والناس والحكومات وشركات الأدوية تعي ضرورة الاستثمار في هذا".