نظراً لاحتوائها على نسبة عالية من الدهون الصحية أصبحت فاكهة الأفوكادو على رأس قائمة الأطعمة الصحية للكثيرين حول العالم، وتستحوذ المكسيك على أعلى حصة في الإنتاج العالمي، بحجم إنتاج وصل في عام 2021 إلى ما يزيد قليلاً عن 2.4 مليون طن، وصناعة بلغت قيمتها 2.8 مليار دولار، حتى أصبح يطلق على الأفوكادو "الذهب الأخضر".
لكن تلك الأموال جذبت اهتمام بعض أخطر عصابات المكسيك، والتي ارتكب أفرادها أفظع الجرائم في حرب دموية من أجل السيطرة على "الذهب الأخضر".
سواء كانت جرائم الخطف والقتل أو سرقة الشاحنات التي تنقلها، ومواجهات مسلحة مع السلطات ومع العصابات المنافسة، ومع المزارعين، فيما أصبح يُعرف إعلامياً باسم "حرب الأفوكادو".
ولاية ميتشواكان وبداية "حرب الأفوكادو"
تتمتع ولاية ميتشواكان غرب المكسيك بالمناخ المثالي لزراعة فاكهة الأفوكادو، ولأنها المكان الوحيد
على الأرض الذي تنمو فيه هذه الفاكهة على مدار العام أصبحت أكبر منتج في العالم للفاكهة الخضراء، أو "الذهب الأخضر"، وفي عام 2015 صدّرت "ميتشواكان" ما تزيد قيمته عن 500 مليون دولار من الأفوكادو، مع أكثر من 90% من المحصول يتجه إلى كندا والولايات المتحدة.
وتاريخياً شهدت تلك الولاية وجوداً قوياً لعصابات تهريب المخدرات، فبالإضافة إلى كونها منطقة إنتاج وزراعة مهمة للمخدرات، فإن الولاية هي موطن لميناء "لازارو كارديناس" البحري الدولي، وهو نقطة وصول رئيسية للمواد الكيميائية الأولية المرسلة من آسيا لصنع مواد مخدرة مثل الميثامفيتامين والفنتانيل.
وشهدت تلك الولاية، في عام 2006، جريمةً بشعة احتلت عناوين الصحف العالمية، بعد أن دحرج رجال العصابات خمسة رؤوس مقطوعة إلى حلبة رقص في ملهى ليلي، وهو هجوم تسبب في إطلاق الرئيس المكسيكي آنذاك "فيليبي كالديرون" حرباً على المخدرات استمرت 6 سنوات.
لكن هذا الهجوم الفاشل ضد العصابات أدى إلى فترة غير مسبوقة من إراقة الدماء، مع ارتفاع معدلات القتل في جميع أنحاء البلاد منذ ذلك الحين تقريباً.
من بين تلك العصابات احتل كارتل "فرسان الهيكل" مكانة بارزة في ميتشواكان، ومع أن المخدرات وفرت أموالاً طائلة لعصابة "فرسان الهيكل"، يقول الأستاذ المساعد في كلية ييل للإدارة، رودريغو كاناليس: "العصابات هي عمل تجاري، وإذا وجدوا مصدراً آخر للإيرادات فإنهم سيهتمون بذلك". وهذا ما حدث مع فاكهة الأفوكادو.
بحلول عام 2013 فرض كارتل "فرسان الهيكل" إتاوات على المزارعين، وفرض نسبة على كل صندوق من الأفوكادو تم جمعه، واستولوا على حصة من مبيعات الأسمدة، بل وأجبروا بعض المزارعين على تسليم سندات ملكيتهم.
ومن كان يرفض تعرض لأبشع العقوبات، مثل الخطف والاغتصاب وحتى القتل، وانطلقت شرارة "حرب الأفوكادو" بعد اغتصاب وقتل "ماريا إيرين فيلانويفا"، وهي امرأة لم يتمكن والدها من دفع فدية قدرها 600 ألف دولار لفرسان الهيكل من زراعة الأفوكادو.
ما دفع سكان الولاية للدفاع عن أنفسهم وحمل السلاح بوجه العصابات التي تستغلهم، خاصة بعد فشل الحكومة في الدفاع عنهم، وبحلول أوائل عام 2014، استعاد السكان السيطرة على منطقتهم وطرد أفراد كارتل "فرسان الهيكل"، لكن تلك المواجهات لم تكن بلا ثمن، فقد سقط العشرات من الضحايا المدنيين ونزح من الولاية الآلاف من السكان، وكانت تلك مجرد البداية.
عصابات المكسيك تستعرض بسيارات مصفحة وطائرات مسيرة
مع انهيار سيطرة كارتل "فرسان الهيكل"، وتضاعف صادرات الأفوكادو في المكسيك، ووصولها لمبالغ تجاوزت قيمتها 2.8 مليار دولار، بدأت عصابات المكسيك الأخرى تحاول فرض سيطرتها على مزارع فاكهة الأفوكادو في ولاية "ميتشواكان".
وتقاتلت ثلاث مجموعات مسلحة على الأقل من أجل السيطرة على تجارة المخدرات وزراعة الأفوكادو، وهم عصابة "جيل غاليسكو الجديد"، وعصابة "فرسان الهيكل"، وعصابة "لاس فياغراس"، التي تعد جزءاً من منظمة أكبر تُسمى "عائلة ميتشواكان الجديدة"، واستمر ذلك الصراع لسنوات.
في عام 2019، أنتج الصراع المحموم بين تلك العصابات مشهداً مروعاً، باكتشاف 19 جثة مشوَّهة في مدينة غرب العاصمة، تسع منها عُلِّقت شبه عارية على جسر المدينة. وفي شهر مايو/أيار من السنة نفسها، أظهرت لقطات فيديو أعضاء من العصابة مدججين بالسلاح، ويتجولون في زامورا، مدينة أخرى في ميتشواكان، في سيارات تحمل شارات العصابة.
وزعم المزارعون أن حوالي 48 طناً، ما يعادل أربع شاحنات محملة بالأفوكادو، تسرق كل يوم من قبل العصابات على الطرق السريعة الحكومية في الولاية. كما يُلقي المزارعون باللوم على جماعات الجريمة المنظمة هذه في خسائرهم، ويتهمونها باختطاف سائقيهم.
وفي21 فبراير/شباط 2022، نشرت صحيفة "The Times" البريطانية، أن العنف بات منتشراً في ولاية "ميتشواكان" بشكل شبه يومي، وتشهد الولاية قتالاً بين العصابات من أجل السيطرة على تجارة "الأفوكادو".
وصلت الأزمة المروعة في الولاية إلى درجة أن القتال بين العصابات المتناحرة أدى إلى نزوح 35 ألف شخص، بعد أن نشرت الكارتلات قذائف صاروخية، وسيارات مصفحة، وطائرات مسيرة، يمكنها إسقاط متفجرات.
وبدأت تلك العصابات بإصدار أوامر للمزارعين بدفع أموال الحماية لهم، بمعدلات تستند إلى حجم أراضيهم والعائد المتوقع من المحاصيل. وأي مقاومة أو رفض من المزارعين قوبلت برد عنيف وعقوبات وحشية، وما يحب كارتل "الجيل الجديد" أن يفعله هو خطف ضحاياهم وتعذيبهم ثم قتلهم.
إذ اختُطِف أفراد عائلات المزارعين واحتُجِزوا مقابل فدية، بل ودفعت العصابات الناس إلى إخلاء مساحات من الأرض حتى يتمكنوا من زراعة أشجار الأفوكادو والحصول على مزارع أفوكادو خاصة بهم.
وبحسب روبرت ألمونتي، المشير الأمريكي المتقاعد في تكساس والخبير في الكارتلات، فإن العصابات المكسيكية "لن تسمح لأي شخص بأن يعترض طريقها، بما في ذلك السلطات نفسها.