تدافعت فرق الإنقاذ والبحث المنضوية تحت لواء INSARAG، منذ الساعات الأولى للزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في الـ6 فبراير/شباط 2023، من أجل المساعدة في انتشال الضحايا والبحث عن الناجين، وهي المهمة الإنسانية التي تتطلب السرعة والتنسيق العالي.
في السابق، كانت فرق الاستجابة للكوارث تقوم بتمشيط المباني نفسها مراراً وتكراراً، الأمر الذي يضيّع جهودهم ويقلّل من فرص الوصول إلى الناجين في المناطق المنكوبة الأخرى.
لحلّ هذه الإشكالية تمّ تأسيس المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ في مناطق الكوارث الحضرية والتي تضمّ في لوائها 90 دولة ومنظمة، بموجب هذه المجموعة تحوّلت عمليات البحث والإنقاذ في مناطق الكوارث الحضرية إلى عملية منهجية يتم إجراؤها في كثير من الأحيان، بشكل مشترك، من قبل سلطات إدارة الطوارئ المحلية والفرق الدولية التي تتسارع لنجدة البلد المنكوب.
ولأنّ السرعة ضرورية في التعامل مع الكوارث الكبرى؛ لكون الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض غالباً ما يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة فترة أطول من بضعة أيام، وقد تكون المنطقة التي ضربتها الكارثة شاسعة، تتركز مهمة المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ (INSARAG) على تسهيل التنسيق بين فرق البحث والإنقاذ الدولية التي تنتشر في مثل هذه الكوارث، وهذا ما تفعله في زلزال تركيا وسوريا.
ما هي المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ (INSARAG)؟
المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ هي شبكة من البلدان المعرضة للكوارث والمستجيبة للكوارث، والمنظمات المخصصة للبحث والإنقاذ في المناطق الحضرية (USAR)، والتنسيق الميداني التشغيلي.
تأسست المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ التي تعرف اختصاراً باسم INSARAG في عام 1991؛ لتسهيل التنسيق بين فرق USAR الدولية التي تكون جاهزة للانتشار في البلدان التي تعاني من الكوارث، خصوصاً الزلازل التي تأتي في المقام الأوّل لتدخّل هذه المجموعة.
ومنذ تأسيسها، لم تتوقف INSARAG عن التدخل في الكوارث التي شهدها العالم طيلة السنوات الـ30 الماضية، ومن خلال الخبرة والتجربة اللتين اكتسبتهما من تعاملها مع أكبر الزلازل التي شهدها العالم، عملت INSARAG باستمرار على تكييف معايير ومنهجية الجودة المعترف بها والمقبولة عالمياً لفرق الإنقاذ الدولية.
تم اختيار الأمم المتحدة لتكون مقراً لـINSARAG، وذلك من أجل تسهيل المشاركة والتنسيق الدوليين.
تضم هذه المجموعة حالياً 90 دولة ومنظمة دولية، من بينها 57 فريقاً دولياً يمتلك الشارة الدولية لمجموعة INSARAG والتي تسمح له بالمشاركة في عمليات الإنقاذ والبحث بمناطق الكوارث الحضرية.
يشمل الفريق الدولي النموذجي للبحث والإنقاذ بالمناطق الحضرية مكونات البحث والإنقاذ والعناية الطبية، فضلاً عن الدعم الإداري واللوجستي، ويمكن نشره في غضون ثماني ساعات من الإخطار بحدوث حالة طوارئ.
ووضعت المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ في مناطق الكوارث الحضرية ثلاثة تقسيمات لأعضائها بناءً على إمكانات الفريق ومدى تكوينه وخبرته ومتابعته لمعايير INSARAG.
هذه التصنيفات هي: الفريق المتوسط الذي يتشكّل من 20 إلى 60 عضواً، وهي الشارة التي تمتلكها فرقة الدفاع المدني الأردنية والتونسية والعراقية، والفريق الثقيل الذي يتألف من 80 إلى أكثر من 100 عضو، وأبرز الدول العربية التي تمتلك هذه الشارة هي فرقة الدفاع والبحث القطرية، وفرقة الحماية المدنية الجزائرية.
تجدر الإشارة إلى أن دولة قطر اختيرت رئيساً إقليمياً لفرق البحث والإنقاذ من إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط خلال عام 2023.
كيف يتمّ اعتماد فرق البحث والإنقاذ في INSARAG؟
في 16 ديسمبر/كانون الأول 2002، صادق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 57/150 على وضع معايير دولية لبناء قدرات البحث والإنقاذ بالمناطق الحضرية بهدف تحسين كفاءة وفعالية عمليات البحث والإنقاذ الدولية، ولكن التحدي المتبقي كان اعتماد الفرق الدولية المؤهلة للبحث والإنقاذ بالمناطق الحضرية.
ومن الإجراءات التي سبق اتخاذها لمعالجة هذه الفجوة، إجراء الفريق الاستشاري الدولي للبحث والإنقاذ لعملية التصنيف الخارجي التي بدأت في 2005 لتحديد الفرق المؤهلة.
وفقاً لقدراتها التشغيلية، يتم تصنيف فرق البحث والإنقاذ المنتشرة دولياً على أنها "فرق متوسطة" أو "فرق ثقيلة" من خلال تصنيف IEC الخاص بـINSARAG.
ويمكن لفرق البحث والإنقاذ الدولية التقدم بطلب الحصول على تصنيف IEC من خلال سكرتارية INSARAG في الأمم المتحدة.
وأصبحت مجموعة INSARAG حالياً نموذجاً للمساعدات الإنسانية خصوصاً في كوارث الزلازل، ومع أكثر من 90 دولة ومنظمة تنضوي تحت لواء المجموعة، نجح أكثر من 56 فريقاً دولياً في تحقيق الشارة الدولية لـINSARAG المعترف به عالمياً.
منهجية INSARAG في البحث والإنقاذ
تتميّز منهجية INSARAG في البحث والإنقاذ بمناطق الكوارث الحضرية بالتنسيق الكامل مع جميع فرق البحث في الميدان، وذلك بتقسيم المنطقة المنكوبة بين الفرق الدولية لربح الوقت وعدم تشتيت الجهد. وبحسب رويترز تنقسم هذه المنهجية إلى خمس مراحل هي:
المرحلة الأولى: المسح الأولي للمناطق المتضررة
غالباً ما يتم إجراء مسح أولي للمنطقة المتضررة من قبل فرق الطوارئ المحلية أثناء وصول المساعدة الإضافية، قد تضرب الزلازل أو الكارثة مدينة واحدة فقط، أو قد تشمل مساحة كبيرة بها العديد من البلدات في أكثر من دولة واحدة، كما هو الحال مع الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا.
هذه الخطوة تكون من اختصاص فرقة متخصصة، والتي تجري التقييم البصري الأولي وتبقى متحركة خلال عمليات الإنقاذ بحيث تنتقل من منطقة لأخرى ولا تشارك في عمليات الإنقاذ.
تكمن أهمية هذه الخطوة في أنها تساعد في تحديد الموارد والأخطار المحتملة، فضلاً عن الأولويات الرئيسية لفرق البحث والإنقاذ. غالباً ما يتم رسم منطقة الكارثة في قطاعات لتخصيص القيادة وتعيين فرق البحث.
المرحلة الثانية: فرز موقع العمل
يساعد المسح على تحديد مواقع الإنقاذ الحية القابلة للتطبيق، وبالتالي يساعد على تحديد أولويات مواقع الإنقاذ وأيضاً توزيع فرق الإنقاذ والبحث، والمعدات.
خلال هذه الخطوة، يسعى رجال الإنقاذ إلى جمع المعلومات الأساسية مثل حجم المبنى ونوع مواد البناء، بهدف تصنيف الأنواع المختلفة من الضرر والخطر.
كما يقوم عمال الإنقاذ أيضاً بالبحث عن المساحات الخالية التي يمكن النجاة منها وتوثيقها، مثل السلالم أو المناطق الموجودة أسفل العوارض الخشبية.
المرحلة الثالثة: البحث والإنقاذ السريع
في المراحل الأولى من الاستجابة لزلزال كبير، عندما يحتاج عدد كبير من المواقع إلى التحقق، تجري فرق الطوارئ عمليات بحث سريعة لتعظيم فرص إنقاذ الأرواح. عادةً ما يتم عمل الفرق بموقع ما في غضون ساعات قليلة، ثم الانتقال إلى الموقع التالي.
يمكن لرجال الإنقاذ استخدام هذه المرحلة لتحديد المواقع التي قد يكون من المفيد فيها إجراء بحث أعمق، وتقنيات بحث معقدة مثل استخدام الكلاب المدربة بشكل خاص لاكتشاف علامات الحياة.
الخطوة الرابعة: البحث والإنقاذ الكامل
هذه المرحلة من العمليات تحدد وتنقذ عدداً أقل من الناجين المحاصرين الذين لم يتمكن رجال الإنقاذ المحليون أو المستجيبون الأوائل أو عمليات المستوى 3 من الوصول إليهم، تحاول فرق الإنقاذ اختراق معظم أو كل الفراغات المتبقية داخل الهياكل المنهارة، ويمكن أن تشمل العملية فرقاً متعددة وتستغرق عدة أيام.
المرحلة الخامسة: إنهاء عمليات الإنقاذ والبداية في إزالة الأكوام واستعادة الجثث
عادةً ما يتم القيام بذلك بعد التخلي عن جهود الإنقاذ، وقد تشمل مرحلة التعافي إزالة أكوام الأنقاض الكبيرة واستعادة الجثث، ويمكن تنفيذ هذا العمل من قبل الفرق المحلية بعد مغادرة عمال الإنقاذ الدوليين، وذلك باستخدام الآلات الثقيلة ومعدات الهدم، إذ تحاول الفرق الوصول إلى جميع الفراغات المتبقية داخل الهياكل المنهارة.