الضحك شكل من أشكال التعبير الصريح عن المرح والفرح، يستمر لدقائق معدودة، لكن ماذا إذا استمر لعدة أيام أو حتى لشهور، مع عدم القدرة على التوقف أو معرفة سببه، حصل هذا الأمر قبل 61 سنة في تنزانيا، البلد الإفريقي الناطق باللغة الإنجليزية.
في 30 يناير/كانون الثاني 1962، بمدرسة الأيتام الموجودة في قرية كشاشا التنزانية، أي تنجانيقا سابقاً، وبالتحديد في ملعب المدرسة، انفجرت ثلاث فتيات بالضحك، ولم يعد بإمكانهن التحكم فيه، إذ أصبحن يتلوّين ويطلقن صرخات الفرح، ويتدحرجن على الأرض.
لكن سرعان ما انتشر الضحك إلى طلاب آخرين في مدارس أخرى في البلاد، فحسب موقع صحيفة "Le Monde" الفرنسية، انتبه المعلمون للوضعية التي تظهر أن شيئاً غريباً يحدث، ليبدأوا في محاولة تهدئة التلاميذ وإعادتهم إلى رشدهم.
عند محاولتهم إيقاف الضحك "الهستيري" الذي أصاب تلاميذ المدرسة، تحول المشهد إلى الرعب، عندما لجأ الأطفال إلى العنف عند محاولة إسكاتهم.
استمرت نوبات الضحك عند الأطفال من بضع دقائق إلى بضع ساعات، يتوقف بعدها ثم يُستأنف بعد فترة، وقد استمر ذلك لمدة 16 يوماً بالنسبة للبعض، مع أن الأطفال عندما يُسألون لا يستطيعون تفسير سبب ضحكاتهم.
هذه النوبات كانت منتشرة بين التلاميذ فقط، إذ لم يُصبْ المعلمون بنوبات الضحك، الشيء الذي جعل العديد يتساءل عن أسباب حدوثها، حسب المصدر نفسه.
وباء الضحك.. من مدرسة إلى قرى تنزانيا
بعد 6 أسابيع من اندلاع الضحك المُعدي، أي في 18 مارس/آذار 1962، اضطرت السلطات في تنزانيا، دون أن تفهم شيئاً مما يحدث، إلى إغلاق المدارس وإعادة التلاميذ إلى قراهم، بعد أن تضرّر 95 من بين 159 طالباً في المدرسة.
غير أن إرسال المصابين بهستيريا الضحك إلى أهاليهم لم يحد من نوبات الضحك، إذ وصل المرض إلى قرية نشامبا، التي تبعد بـ80 كيلومتراً، وأعدى نحو 217 شاباً من كلا الجنسين في الشهرين التاليين، إلا أن البالغين ظلوا محصَّنين من العدوى، باستثناء من ليسوا متعلمين.
بعد نشامبا، امتدّ أثر الضحك إلى قرية أخرى في المنطقة، واستمر إرسال الطلاب إلى منازلهم، وهو ما زاد من انتشار هستيريا الضحك، ولم تعد السلطات تعرف ما تفعل، فتم إرسال عينات من الدم المأخوذة من الأطفال إلى أوروبا لتحليلها، ولكن دون العثور على أي مادة سامة ولا فيروسات، ولا شيء في مياه الشرب ولا في الطعام.
ولم يبقَ إلا أن يعترف الجميع بأن هذه المنطقة من تنجانيقا سقطت ضحية هستيريا جماعية، لا يُعرف لها علاج سوى الصبر.
واستناداً إلى المصدر نفسه، نُشر مقال الحدث لأول مرة عام 1963، وكان الوباء خارجاً عن السيطرة. وشدّد الأطباء على أن "المرض لا يزال ينتشر في قرى أخرى، وهو يتدخل في تعليم الأطفال، وهناك خوف كبير بين السكان".
بدأ الوباء يتراجع من تلقاء نفسه فيما بعد بشكل غريب، واستعاد الطلاب جديتهم وعادوا إلى المدارس الـ14 التي تم إغلاقها.
أسباب علمية لنوبات الضحك "الهستيري"
يسرد المؤرخ "هيلاري إيفانز" وعالم الاجتماع "روبرت بارثولوميو" بالتفصيل، للموقع الفرنسي، العديد من أوبئة الضحك التي اندلعت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، في بلدان مثل أوغندا وتنزانيا وزامبيا، وفي بوتسوانا أيضاً.
طاحبت نوبات الضحك والدموع أيضاً العنف، إذ يلقون بأشياء على زملائهم في الفصل ومعلميهم. واقتناعاً منهم بأنها ظاهرة سحر، يطلب القرويون من إدارة المدرسة إحضار معالج، لكن الإدارة ترفض وتغلق المؤسسة لمدة ثلاثة أسابيع.
لماذا ظهرت مثل هذه "الهستيريا" الجماعية في إفريقيا في هذا الوقت؟ وإذا كانت القهقهات من أعراض تجسيد القلق، فما الذي يمكن أن يجهد الشباب الأفارقة كثيراً؟ السنوات 1960-1970 هي سنوات إنهاء الاستعمار، لكن وباء الضحك في تنجانيقا بدأ في يناير/كانون الثاني 1962، بعد إعلان الاستقلال مباشرة، في 9 ديسمبر/كانون الأول 1961. يؤكد علماء الاجتماع مثل بارثولوميو أيضاً على أهمية "الصراعات العاطفية" التي يمر بها الأطفال، الذين نشأوا في بيئات شديدة التقاليد، ثم تعرضوا لأفكار مختلفة جذرياً في المدارس.
لعبت الشخصية والمظهر الاجتماعي والثقافي للأفراد دوراً بلا شك. وهكذا وصل الضحك الهائل لعام 1962 إلى البالغين، ولكن لم يكن هناك زعيم قرية أو معلم أو شرطي أو عالم آخر، وفقاً لمقال عام 1963.
ويشير الطبيب النفسي "باتريك ليموين" إلى أن الفقراء والجامعيين هم الأكثر تضرراً من الأوبئة النفسية.