جذب مسلسل The Last of Us المستوحى من لعبة فيديو شهيرة تحمل الاسم نفسه، ملايين المشاهدين أسبوعياً، مع أن المسلسل يتناول فكرة نهاية العالم بعد انتشار مرضٍ فطري غامض يصيب معظم سكان الأرض، ويحوّلهم إلى مسوخٍ وزومبي.
الأمر الذي جعل المشاهدين يتساءلون عما إذا كانت "فطريات الزومبي" حقيقية، وهل يمكن أن ينتشر وباء الفطريات في الحياة الواقعية؟
فطريات الزومبي موجودة فعلاً
بحسب ديفيد هيوز، عالم الحشرات والأحياء المتخصص في موضوع الطفيليات، وخاصةً مجموعة فطريات "كورديسيبس" -التي يستند عليها مسلسل The Last of Us فيما يتعلق بفكرة الوباء الفطري- فإن الفطريات المسؤولة عن العدوى موجودة فعلاً، وتؤثر في الغالب على الحشرات وبعض النباتات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هيوز نفسه كان قدّم المشورة العلمية لطاقم المسلسل، حول العلم المتعلق بالوباء الفطري، ويؤكد أن هناك مئات الأنواع المختلفة من هذا الوباء، ولكن القليل منها فقط يشكل خطراً على البشر، حتى إن بعضها استخدم في الأدوية الآسيوية التقليدية.
وبعضها مثل "فطريات الزومبي" المسماة بـOphiocordyceps أو الأوفيو Ophio على سبيل الاختصار، تعيش في الغابات المطيرة، ويمكنها التحكم في أجساد النمل وبعض الحشرات الأخرى.
في الأساس، تصيب فطريات الزومبي النمل، وتنمو حول الدماغ، و"تختطف" الخلايا العصبية الحركية للنمل، كما تسيطر على عضلاته.
وتجبر الفطريات النملة على مغادرة المستعمرة، والزحف إلى الجانب السفلي من الورقة لتموت. وبمجرد موت النملة، تنمو سيقان الفطريات خارج الجسم وتطلق الأبواغ في الهواء، ثم تسقط هذه الجراثيم على الأرض، وتلتصق بمزيد من النمل ليفعل الشيء نفسه.
بعض الفطريات يمكن أن تؤثر على أدمغة الإنسان وسلوكه
مع أن أجسام الحشرات تعتبر بيئة مثالية لنمو الفطريات، لكن فكرة أن وباءً فطرياً يصيب الإنسان ليست مستحيلة. وبحسب "نورمان فان راين"، عالم الفطريات من جامعة مانشستر، فإن الوباء الفطري ممكن الحدوث.
ورغم تأكيدات المختصين أنه لا توجد أنواع من الفطريات، المعروفة حالياً للعلم، يمكنها أن تشكل تهديداً وبائياً على البشر بالطريقة التي يصورها المسلسل. لكن مخاطر العدوى الفطرية آخذة في الارتفاع، ويشعر الباحثون بالقلق من أن المزيد والمزيد من الناس معرضون للخطر.
فبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، تشير الدلائل إلى أن انتشار الأمراض الفطرية ونطاقها الجغرافي آخذان في الازدياد في جميع أنحاء العالم بسبب الاحتباس الحراري، وزيادة السفر، والتجارة الدولية.
وخلال جائحة COVID-19، زاد معدل الإصابة بالعدوى الفطرية بشكل ملحوظ بين المرضى في المستشفيات؛ نظراً لأن الفطريات التي تسبب العدوى الشائعة، مثل فطريات الفم والفطريات المهبلية، تصبح مقاومة بشكل متزايد للعلاج.
قالت الدكتورة حنان بلخي، مساعد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: "نظراً لظهور وباء مقاومة البكتيريا لمضادات الميكروبات، تتزايد العدوى الفطرية، وتصبح أكثر مقاومة للعلاجات، لتصبح مصدر قلق للصحة العامة في جميع أنحاء العالم".
هل يمكن أن يحدث وباء فطري مثل مسلسل The Last of Us؟
الجواب المختصر: إن حدوث وباء فطري يحوّل البشر إلى زومبي هو احتمال بعيد؛ لكن الجواب المطول: هو احتمال وارد، ولكن مع الكثير من المحاذير.
فتنظيم درجة حرارة الجسم البشري، أو الحرارة المنزلية، هو حاجز كبير ضد العدوى الفطرية؛ لأن الفطريات تتكاثر في البيئات الأكثر برودة، وهذا هو سبب كونها أكثر انتشاراً بين الحشرات والبرمائيات والنباتات.
وهذا يعني أنها لا تشكل خطراً كبيراً على المخلوقات ذوات الدم الحار، وحتى إذا تمكنت من "غزونا"، فلا يزال يتعين عليها التعامل مع النظام المناعي للإنسان.
لكن الأمور تتغير وعالمنا تزداد حرارته؛ وبسبب درجات الحرارة المرتفعة، يمكن للفطريات أن تتكيف ببطء وتتطور لتحمل أنواع الحرارة التي قد تتعرض لها داخل جسم الإنسان. وهذا التهديد الحقيقي موجود، خاصة أنه في بعض الأحيان تتهرب هذه الفطريات من دفاعاتنا، وتصيب أولئك الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي.
ويمكن أن تصيب الفطريات من الأنواع القوية البشر، وتكون بعض تلك الفطريات مقاومة للأدوية المتعددة، مثل أنواع الفطريات التي تسبب مرض القوباء الحلقية.
ونحن نشهد فعلاً انتقال الأمراض الفطرية من الحيوانات إلى البشر. لكن فكرة أن فطريات مثل "فطريات الزومبي" يمكن أن تتحور بما يكفي لتقوم بالقفزة العملاقة من الحشرات إلى البشر -مع الحفاظ على قدرتها على التلاعب بالسلوك بشكلٍ فعال- لا تزال فكرة بعيدة المنال.
وبحسب توم تشيلر، رئيس فرع الأمراض الفطرية في المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فالأمر يبقى ممكناً. ويقول: "الإمكانات هائلة لما يمكن أن يظهر ويصبح مرضاً، ولن أُفاجأ بظهور المزيد من الفطريات وتحولها لمرض بشري، والتي تصبح أكثر صعوبة في العلاج وأكثر عدوى".