شهد يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 1997، بث الحلقة 38 من أنمي "بوكيمون" في اليابان، وكانت هذه أول وآخر مرة تم بثها على الإطلاق، وذلك بسبب مشهد واحد غيّر البث التلفزيوني في البلاد، وسبّب نوبات صرع لمئات الأطفال وهستيريا جماعية لاحقاً، بما أصبح يعرف بـ"صدمة بوكيمون".
11 ثانية سببت نوبات صرع لـ700 طفل
طوال الحلقة، كانت هناك لقطات تضمنت أضواء ساطعة وألواناً مختلفة وامضة، وهو أمر طبيعي في معظم حلقات المسلسل، خاصةً أن أيقونة هذا المسلسل هو شخصية "بيكاتشو"، الذي يطلق الكهرباء باعتبارها قدرته الخاصة.
لكن في أحد المشاهد، وعندما يستخدم بيكاتشو قوته الكهربائية لتدمير صواريخ متجهة ناحيته، تملأ الأضواء الوامضة باللونين الأزرق والأحمر الشاشة بالكامل تقريباً، وتستمر بضع ثوان، تلك الثواني كانت كافية لإحداث مضاعفات صحية خطيرة لكثير من المشاهدين.
اشتكى المئات من الأطفال من شعورهم بالغثيان والدوار والصداع بعد مشاهدة ذلك المشهد، بينما في حالات كثيرة أصيب آخرون بنوبات صرع وتشنجات، مع فقدان البعض للوعي. واحتاج أكثر من 600 طفل في اليابان إلى سيارة إسعاف وتلقي العلاج في المنزل بشكل عاجل، بينما تطلبت أكثر من 100 حالة نقلها إلى المستشفى؛ لتلقي العلاج المكثف هناك.
نقلت صحيفة الغارديان شهادات بعض الأشخاص الذين كانوا أطفالاً وقت بث تلك الحلقة، وعانوا من نوبات صرع بسببها، "تاكويا ساتو" والذي كان يبلغ من العمر 10 سنوات حينها، قال: "حدث انفجار في نهاية الحلقة واضطررت إلى إغلاق عيني، بسبب الكمية الهائلة من الضوء المنبعث من الشاشة مثل فلاش الكاميرا".
أفادت سيدة من مدينة ناغويا اليابانية، وكانت تبلغ من العمر 15 عاماً حين شاهدت تلك الحلقة: "بينما كنت أشاهد أضواء زرقاء وحمراء تومض على الشاشة، شعرت بحالة تشنج في جسدي. لا أتذكر ما حدث بعد ذلك". لقد كان الحدث غير مسبوق، ولم تعرف أسبابه المباشرة أو ما علاقة تلك الأضواء بحدوث نوبات صرع جماعي.
استمرار حدوث نوبات صرع جماعي بسبب الدعاية السلبية
بعد تلك الحادثة تعرض مسلسل "بوكيمون" لكثير من الدعاية السلبية في الصحافة، واستدعت الشرطة اليابانية منتجي المسلسل للاستجواب، بينما عقدت وزارة الصحة والعمل والرفاهية اجتماعاً طارئاً. وخلال عدة أيام، استمرت حالات الإبلاغ عن نوبات صرع بجميع أنحاء البلاد، فيما يشبه هستيريا جماعية، حتى وصل العدد لـ12 ألف حالة.
مع أن الأطباء خلصوا إلى أن تلك النوبات كانت نوبات صرع بسبب الحساسية للضوء، لكنهم لم يروا أي رابط بين حلقة المسلسل وإصابة 12 ألف طفل بنوبات صرع، نظراً إلى أنّ حلقة المسلسل حينها حظيت بمتابعة 4.6 مليون أسرة، وهو ما يعني أنَّ عدد الأطفال المصابين بالأعراض لا يتناسب مطلقاً مع عدد المشاهدين للمسلسل.
إذ عاني نحو واحد من كل 5 آلاف شخص تابَع الحلقة من نوبة صرع، أي نسبة 0.02%.
ولمدة 4 سنوات استمر هذا اللغز بدون حل، حتى أثار انتباه "بنجامين رادفورد"، زميل باحث بـ"لجنة التحقيق العلمي في مزاعم الخوارق" بالولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ رادفور، بمساعدة "روبرت بارثولوميو"، متخصص علم الاجتماع الطبي، لفحص الجدول الزمني للأحداث واكتشفا تفاصيل رئيسية لم يعرها الباحثون الاهتمام الكافي.
وهو أنَّ حالات نوبات الصرع لم تحدث في ليلة واحدة فقط، بل على مدار عدة أيام، وانتشرت الحالات في المدارس أكثر بعد انتشار الخبر في وسائل الإعلام. وما اكتشفه رادفورد وبارثولوميو، هو أنَّ الغالبية العظمى من الأطفال قد أصيبوا بالأعراض بعد سماعهم عن تأثير حلقة المسلسل، إما من أصدقائهم أو من الإعلام.
في اليوم التالي للإصابات الأولى، تمحور الحديث كله في الملاعب والفصول الدراسية ونشرات الأخبار وعلى طاولات الإفطار، عن ظاهرة "صدمة بوكيمون".
عند هذه المرحلة، بدأ مزيد من الأطفال يشعرون بالتعب، وتفاقم الأمر عندما عرضت بعض البرامج الإخبارية المقطع السيئ. لكن هذه المرة، كانت الأعراض (الصداع والدوخة والقيء)، كما يقول رادفورد، "كانت تحمل سمات هستيريا جماعية أكثر من كونها نوبات صرع بسبب حساسية الضوء".
كيف سببت تلك اللقطة نوبات صرع للأطفال بالضبط؟
حاول باحثون من هولندا والولايات المتحدة معرفة سبب هذه الظاهرة، واطلعوا في سبيل ذلك على كل ما كُتب بهذا الشأن في الأوساط العلمية.
وخلص الباحثون إلى أن نشأة ما يعرف بموجات غاما في الدماغ، تلعب دوراً أساسياً في هذه النوبات، وتحديداً بمنطقة القشرة البصرية حيث يتم التعامل مع المحفزات البصرية.
وأوضحت "دورا هِرميس" وزملاؤها في المركز الطبي بجامعة أوتريخت الهولندية، أن موجات غاما تنتج على سبيل المثال، عندما ينظر الأشخاص شديدو الحساسية إلى صورة بها أشرطة عريضة سوداء وبيضاء.
وتبين للباحثين وجود هذه الموجات لدى الأشخاص الذين يركزون النظر في الأنماط ذات المعالم الحادة التباين، في حين لا توجد هذه الموجات عند مشاهدة مناظر طبيعية أو أشياء مرسومة بخطوط لينة.