“الجراد” طبق شهي بالنسبة للبعض ومقزز بالنسبة لآخرين، لكن هل يعتبر تناوله آمناً؟

في الوقت الذي يعتبر فيه أكل الجراد مقززاً للبعض، فإنّ آخرين يعتبرونه وجبة خفيفة مقرمشة، تُعطي الجسم فوائد وفيتامينات مهمة، علاوة على أنه ذو سعر بخس.

والجراد هو مخلوق الجندب، الذي يتمتع بحياة هادئة ومنعزلة، وقادر على التكيف مع أكثر التضاريس قسوة، لكن عندما تتغير الظروف المناخية وتزداد الرطوبة في المنطقة، إضافة إلى كثرة أعداده وأحجامه، يدخل في مرحلة حشد بعضه بعضاً، ويغير من  طباعه ويبدأ في غزو الأراضي الزراعية.

يطور أجنحة قوية وجوعاً لا يشبع، ويصبح "مجتمعاً"، يتكدس معاً في أسراب عملاقة تصل إلى 10 كيلومترات وبكثافة تصل إلى 50 جرادة لكل متر مكعب.

أما إذا انتهى به المطاف في البحر بدون مصدر للغذاء، فإنهم يأكل بعضهم بعضاً، وفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية.

أكل الجراد عبر العصور!

على مر التاريخ، كان أكل الجراء ممارسة منتشرة أينما حلت الأوبئة، كما هو الحال في إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الشمالية، إذ كان انتشار أسراب الجراد وباء تعالجه الشعوب من خلال تحويله إلى طعام.

لعدة قرون كان الأمريكيون الأصليون يعتبرون الجراد والحشرات الأخرى من الوجبات الغذائية المهمة، إذ كانت أسرابها تنتشر بكثرة غرب الولايات المتحدة، والتي تنتهي حياتها عند البحيرة المالحة الكبرى في "ولاية يوتا"، لذا كان من السهل على السكان الأصليين آنذاك أن يتوجهوا صوب البحيرة ويلتقطوا الجراد بكل سهولة لأكله.

وفي أجزاء من القارة الإفريقية، تم تناول الجراد عدة قرون، ولا تزال هذه العادة منتشرة حتى يومنا هذا في بعض الأماكن، على سبيل المثال عندما تتفشى أسراب الجراد في دولة مدغشقر فإنها تضر بالمحاصيل، وبالتالي يتجه السكان نحو استخدامها كغذاء وعلف للحيوانات حتى يومنا هذا.

في كتاب The Diet of John the Baptist للكاتب جيمس كيلهوفر، يقول إن الجراد المغمس في العسل البري كان جزءاً من النظام الغذائي لكثيرين.

في كثير من مناطق الشرق الأوسط وبلوشستان وبلاد السند في باكستان، تم الحفاظ على الجراد لفترات طويلة عن طريق تدخينه وتمليحه.

أما في الهند، ففي عام 1964، وبعد تفشٍّ كبير للجراد في نيودلهي، تم اصطياد الجراد وتجريده من أجنحته وأرجله، وقليه بالزبدة وأكله.

أما في المغرب، فكان الناس وفقاً لما ذكرته مجلة This is Mold يغلون ويقلون النصف السفلي من الجراد، حيث يتم تخزين البيض هناك ويعتقد أنه مغذٍ للغاية، حتى إن الإغريق كانوا يطحنونه لصنع دقيق غني بالبروتين.

فهل لكم أن تتخيلوا مثلاً أن تأكلوا جراداً مقلياً مغطساً بالعسل، أو مغطى بالكراميل؟

دول تعتبر الجراد أكلاً أساسياً في عصرنا الحالي!

مثل الكباب والبرياني، هناك بعض البلدان في العالم تعتبر الجراد من المأكولات الأشهى على الإطلاق، لدرجة أنها تغلفه أحياناً على شكل حلويات مغطاة بالشوكولا!

المكسيك

عندما تفكر في الطعام المكسيكي، ما الذي يخطر ببالك؟ ناتشوز، تورتيلا، تشوروز وفلفل حار، ولكن إذا سافرت إلى مناطق معينة من البلاد، يمكنك أيضاً العثور على أطباق فريدة مصنوعة من الحشرات.

ويشمل ذلك الجرادَ المغطى بالشوكولاتة، والديدان المغطاة بالحلوى، وبيض النمل المنقوع في الزبدة.

تقوم النساء في المكسيك بإعداد نوع شائع من الجراد المغطى بالشوكولا وبيعه للناس.

أستراليا

في عام 2004، دمرت أسراب الجراد المحاصيل في مناطق معينة من أستراليا.

من أجل محاربة غزوات الجراد، انتقم الناس بأكله، وأشاد موظفو الحكومة بفكرة البدء في أكل الجراد، فيما تسمي أستراليا جرادها بـ"قريدس السماء"، لأنها حرة ويمكنها الطيران.

بعد فترة وجيزة من إصدار المسؤولين الحكوميين كتاب الطبخ "Cooking With Sky Prawns"، ليست به وصفة واحدة أو اثنتان؛ بل 20 وصفة جراد.

تشمل الأطباق فطائر الجراد والجراد المغطى بالشوكولاتة وحتى أفشار الجراد.

الكويت

يحب بعض الكويتيين خبز الجراد بينما يفضله البعض الآخر جافاً.

ويتم تحضير الجراد عن طريق غليه على نار هادئة لمدة نصف ساعة ثم خبزه مرة أخرى للحصول على القرمشة الإضافية.

ونظراً إلى أن الجيل الأقدم في الكويت يحب أن يتناول الجراد الخاص به على مدار عام، فإنهم يقومون أحياناً بتجفيفه.

لكن استهلاك الجراد يتضاءل في جميع أنحاء المجتمع الكويتي، حيث إن جيل الشباب غير مفتون بفكرة أكل الجراد.

كينيا

العاصمة نيروبي لديها قائمة حية من سَلطة الجراد المشوي والجراد في أسياخ وبالطبع كباب الجراد القديم.

في حين أنه لا يوجد نقص في الإمدادات الغذائية للجراد، إذ إن  أسراب البروتينات الطائرة متوافرة بكثرة في إفريقيا.

فوائد الجراد!

وفقاً لما ذكره موقع ScienceDirect العلمي، يعتبر الجراد مصدراً غذائياً عالي القيمة الغذائية لكل من البشر والحيوانات الأخرى، حيث يحتوي على 50% من البروتين الخام لكل 100 غرام من الجراد الجاف، وبالتالي يمكن أن يكون مصدراً ممتازاً للطعام والأعلاف.

لكن موقع SciDev المتخصص بالتنمية العالمية، فند هذه الفوائد، مؤكداً أنّ أكل الجراد يمكنه أن يسيطر على الأمراض المزمنة ويعزز الأمن الغذائي العالمي.

في دراسة نُشرت في PLOS One عام 2015، قام الباحثون المقيمون في كينيا والولايات المتحدة بتقييم ما إذا كان الجراد يحتوي على مستويات عالية من المواد الكيميائية المعروفة باسم phytosterols والتي يمكن أن تتحكم في الأمراض المرتبطة بالقلب. 

وقال بالدوين تورتو، العالم بالمركز الدولي لفسيولوجيا الحشرات والبيئة ( icipe ) في كينيا، والذي قاد الدراسة، إن "phytosterols" يمنع امتصاص الكوليسترول، وهي مادة كيميائية تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية الأخرى.

وأضاف أنّ الجراد غني بالبروتينات والأحماض الدهنية والمعادن التي تعزز المناعة وتحارب السرطان وتمنع التهاب أعضاء الجسم.

كما يحتوي الجراد على العديد من الفيتامينات، مثل فيتامين "بي 2" (ريبوفلافين)، وفيتامين "بي 9" (حمض الفوليك)، إضافة إلى أنه يحتوي على مضادات أكسدة أكثر من عصير البرتقال بخمسة أضعاف، وفقاً لما ذكره موقع "الجزيرة نت".

ولكن هل تناول الجراد آمن؟

على الرغم من فوائده التي ذكرناها مسبقاً، فإنّ تناول الجراد ليس أمراً آمناً، لأنّ الحكومات تتجه الآن إلى المواد الكيميائية داخل المبيدات الحشرية لإدارة تفشي انتشارها للوقاية من إتلاف المحاصيل الزراعية، فإن النصيحة الصحيحة هي أنه لا ينبغي للناس أن يأكلوا الجراد أو يستخدموه كعلف للحيوانات، لأن المخلفات الكيميائية تسبب مخاطر صحية كبيرة، وفقاً لما ذكره موقع The Conversation الأسترالي.

على سبيل المثال، الفوسفات العضوي والكربامات والبيرثرويد أنواع من المبيدات الحشرية التي يشيع استخدامها ضد الجراد وتستخدم في حالات الطوارئ، حتى لو لم يتم استخدام الكثير، فهي شديدة السمية.

كما أنّ الفوسفات العضوي سام للأعصاب. هذا يعني أنه يمكن أن يسبب مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، من ضمنها الصداع والغثيان والأرق والإسهال ومشاكل التنفس والتشوش الذهني.

حتى التعرض المنخفض المستوى للمبيدات الحشرية الفوسفاتية العضوية يسبب خللاً في التمثيل الغذائي، مثل ارتفاع السكر في الدم.