في مساء ذلك اليوم، تمكّن تريسي إدواردز (32 عاماً)، من الفرار من شقة القاتل المتسلسل جيفري دامر، بالوقت المناسب، قبل أن يبدأ بالتنكيل به وقتله بعد أن قيّده بالأصفاد.
حدث ذلك في ليل 22 يوليو/تموز 1991؛ تزامناً، كانت إحدى جارات المجرم اتصلت بالشرطة وأبلغت عن رؤيتها فتى أسود يخرج من بيت دامر راكضاً، وأنها تشكّ في الأنشطة التي يُمارسها دامر داخل شقته، خصوصاً لناحية الأصوات التي تصدر في ساعاتٍ متأخرة من الليل.
ولحسن الحظ، صودف وجود إحدى دوريات الشرطة في المنطقة. تلقت البلاغ وتمكنت من العثور على الفتى الهارب، الضحية التي لم يستطع جيفري دامر قتلها أو التنكيل بها، كما اعتاد أن يفعل على مدى 13 عاماً.
توقفت سيارة دورية شرطة مدينة ميلووكي في أحد الشوارع، بعد أن لوّح لها رجلٌ يحمل أصفاداً في يده ويبدو في حالة هلع. وأخبر الرجل الضباط بأن اسمه تريسي إدواردز، وأن أحد الأشخاص حاول للتو قتله.
فقاد رجال الشرطة إلى الشقة التي فرّ منها، لتفاجئهم الرائحة الكريهة بمجرد دخولهم إليها، حيث عُثر على الصور الفوتوغرافية التي التقطها دامر لضحاياه في مختلف مراحل خلع ملابسهم وتقطيع أعضائهم.
وأفادت وكالة Associated Press الأمريكية بأنهم وجدوا صناديق تحتوي على أعضاء بشرية، وجذوع بشر مخبأة داخل برميل من الحمض، وثلاثة رؤوس مخزنة في الثلاجة.
كان اتصال الجارة أساسياً؛ ومع العثور على الضحية الهارب تريسي إدواردز في تلك الليلة، تمكنت الشرطة أخيراً من اعتقال دامر ومحاكمته، فكانت نهاية جيفري دامر بعدما اغتصب وشوّه 17 رجلاً وصبياً منذ العام 1978.
لكن حياة إدواردز تغيرت إلى الأبد؛ فقد عجز عن العودة إلى حياته التي عاشها من قبل. كما أُلقِيَ القبض عليه مرات عدة بتهم حيازة المخدرات، والسرقة، وإتلاف الممتلكات، والتهرب من الكفالة، ثم القتل في النهاية.
اليوم، وبعد كلّ تلك السنوات، عاد اسم إدواردز إلى دائرة الضوء من جديد، بسبب تجسيد شخصيته في مسلسل نتفليكس Monster: The Jeffrey Dahmer Story، رغم أن مكانه غير معروف في الوقت الحالي.
ليلة لقاء تريسي إدواردز مع جيفري دامر
خلال إحدى أمسيات صيف عام 1991، اقترب رجلٌ يُدعى جيفري دامر من إدواردز، الذي كان يجلس مع مجموعةٍ من أصدقائه في مركز تسوق Grand Avenue بمدينة ميلووكي.
قضى الثنائي بعض الوقت في الدردشة والتعرّف. ثم قدّم دامر عرضاً مفاجئاً لإدواردز بدعوته إلى شقته ومشاهدة فيلم The Exorcist وتناول الخمر، وقد يصل الأمر إلى التقاط بعض الصور العارية له مقابل المال.
تحمّس إدواردز للعرض، ورافق دامر إلى منزله. لكن سلوك دامر، ووفقاً لشهادة إدواردز في المحكمة، تغيّر فور وصولهما إلى المنزل تقريباً. وضع الأصفاد في يده، وهدّده باستخدام سكينٍ، ثم أسندَ رأسه على صدر إدواردز وهدّد بأن يأكل قلبه.
جلس تريسي إدواردز مقيداً في شقة جيفري دامر لمدة أربع ساعاتٍ، توسّل إليه خلالها أن يطلق سراحه، من دون جدوى. لكن دامر لم يضع الأصفاد إلا في معصم واحد فقط لإدواردز، مما أتاح للأخير فرصة الهروب بنهاية المطاف.
شهادة إدواردز تساهم في سجن دامر
تحول تريسي إدواردز إلى بطلٍ بعد القبض على دامر، بفضل نجاحه في إسقاط سفاح ميلووكي. لكن مجلة People الأمريكية أفادت بأن شهرته المستجدة لم تسبب له سوى المتاعب.
ظهر إدواردز في محاكمة دامر عام 1992 ليدلي بشهادته ضدّ القاتل، ويروي للمحكمة تفاصيل التجربة الصادمة التي دمرت حياته، ومتذكراً تلك الليلة التي قضاها في منزل دامر. فلعبت شهادته دوراً أساسياً في حصول دامر على 15 حكماً بالسجن مدى الحياة.
تلك الشهرة التي نالها إدواردز لم تكن مجانية؛ فقد تعرّفت شرطة ولاية ميسيسبي على وجهه وربطته بقضية اعتداءٍ جنسي على فتاة قاصر، عمرها 14 عاماً. فطالبت الشرطة بتسليمه إدواردز من أجل محاكمته.
ثم عاد إدواردز بعدها إلى ميلووكي؛ وحكمت دعوى جماعية بمنح تعويضات لأفراد عائلات ضحايا دامر في وقتٍ لاحق، لكنه لم يكن جزءاً منها.
لكن، وفي مقابلةٍ مع قناة "فوكس نيوز ديجيتال"، قال محامي إدواردز (بول كسينسكي) إن الأحداث المأساوية "دمرت حياة موكّلي".
وأضاف مؤكداً: "كان يرفض تذكُّر ما حدث له أو حتى التحدث عنه"، مضيفاً أنه "لم يشارك في الدعوى المدنية التي تتعلق ببعض الضحايا، لأن ذلك يعني أنه عليه أن يتذكر ما حدث وما عاشه تلك الليلة".
ليلة واحدة دمّرت حياةً كاملة
استمر حظ تريسي إدواردز العاثر حتى بعد القبض على دامر ومحاكمته، ثم وفاته في نهاية المطاف. فقد وجد الضحية صعوبةً في الاحتفاظ بوظيفةٍ أو العثور على منزلٍ ثابت بعد عودته إلى ميلووكي، وأصبح يقضي معظم وقته بين ملاجئ المشردين.
وأفاد كسينسكي -محاميه- بأن إدواردز حاول التكيف مع صدمته "بتعاطي المخدرات وشرب كميات كبيرة من الكحول. ولم يكن لديه منزل، بل كان يتنقل من مكانٍ لآخر ببساطة".
وتكشف التقارير أن إدواردز أصبح مشرداً منذ عام 2002 وتراكمت عليه التهم الجنائية المتعلقة بحيازة المخدرات، والتهرب من الكفالة، والسرقة، وغيرها. وظلّ يعيش على هامش المجتمع من دون أن يلاحظه أحد حتى العام 2011، عندما اتُّهم بقتل رجل.
أُلقي القبض على تريسي إدواردز في 26 يوليو/تموز 2011، بعد اتهامه بمساعدة شخص في إلقاء رجلٍ آخر من أعلى جسرٍ في ميلووكي.
بينما قال محاميه لاحقاً: "تبنّينا الموقف الذي يقول إنه لم يلقِ بأحدٍ من أعلى الجسر، بل كان أحد أصدقائه هو من فعل ذلك. وكانوا جميعاً من المشردين الذين يفرطون في شرب الكحول. ولم يتمتع الأشخاص الذين شهدوا الواقعة -من زاويتهم- بأفضل قدرةٍ على تفسير ما يحدث".
اتُّهِمَ إدواردز بالقتل في النهاية، لكنه أقر بالذنب لاحقاً مقابل تخفيف تهمته إلى مساعدة مجرم، ليُحكم عليه بالسجن لعامٍ ونصف العام ويقضي فترة عقوبته، ثم يختفي عن الأنظار من بعدها.
وضمن لقائه المتلفز في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أوضح كسينسكي أن موكله إدواردز "كان يصف دامر بالشيطان، ولم يحاول الحصول على أي علاجٍ نفسي بعد، بل اختار علاج نفسه بالكحول والمخدرات في الشارع".
في المشهد الافتتاحي من وثائقي نتفليكس حول جيفري دامر، نُشاهد ماذا حصل في ليلة 22 يوليو/تموز 1991. ولكن، رغم ذلك، يؤكد المحامي أن ما يظهر على الشاشة لا يوضّح حقيقة ومدى رعب الناجي.
تجدر الإشارة إلى أن الممثل شون براون، الذي يجسد شخصية إدواردز في الوثائقي، عبّر عن دعمه لتريسي إدواردز.
وفي تغريدةٍ نشرها عبر حسابه على تويتر، قال ما معناه: "أحب تريسي إدواردز من صميم قلبي. ويمكن للتعاطف والتوعية أن يخلقا لنا جنةً على الأرض، لو أتحنا الفرصة لذلك".
في نهاية المطاف، لن يكون من الإنصاف أن نقول إن إدواردز هو الناجي الوحيد من ضحايا جيفري دامر. ربما لم يكن واحداً من الـ17 رجلاً وصبياً الذين قتلهم دامر، لكن حياته تحوّلت رأساً على عقب ودُمّرت بالكامل.