جلباب أسود واسع وشعر مستعار طويل في غالب الأحيان ومسرَّح بعناية.. اعتدنا مشاهدة هذا الزي في الأفلام التي تصور قاعات المحاكم الأوروبية والإنجليزية على وجه التحديد، إذ كان يعتقد أن هذا الزي يجلب إحساساً بالوقار داخل قاعة المحكمة. لكن متى بدأ استخدام الشعر المستعار كعنصر أساسي في زي المحامين والقضاة؟
لماذا ارتدى المحامون شعراً مستعاراً؟
ربما يبدو هذا الشعر المستعار اليوم غريباً للغاية ولم يعد يواكب الموضة بكل تأكيد، لكنه عندما ظهر في قاعات المحاكم للمرة الأولى عام 1685 كام فاخراً ويدل على أن المحامي الذي يرتديه "محترف للغاية".
لكن لماذا اختار المحامون ارتداء الشعر المستعار على وجه التحديد؟
في الواقع لم يكن الأمر في البداية متعلقاً بقاعات المحاكم، بل كان مرتبطاً بالنخبة والنبلاء بشكل خاص، ففي القرن السابع عشر كان ارتداء الشعر المستعار حكراً عليهم، وكان يصنع عادةً من شعر الخيل.
أيضاً صنعت الباروكات في ذلك الوقت من شعر الماعز أو القطن الملفوف أو حتى من شعر الجثث البشرية. وخلق حب الباروكات لدى النبلاء نوعاً جديداً من التجارة، إذ بدأ الأشخاص ذوو الشعر الطويل ببيع شعرهم لصنع الباروكات باهظة الثمن.
لكن قد تصدمون عند معرفة سبب انتشار الشعر المستعار، إذ لم يكن ذلك حباً للموضة بل كان بسبب "مرض الزهري" في المقام الأول.
مرض الزهري وانتشار الشعر المستعار
بدأ الشعر المستعار في الظهور أواخر القرن السادس عشر وارتبط ظهوره مع زيادة عدد الإصابات بمرض الزهري في أوروبا.
تسببت هذه العدوى المنقولة جنسياً بالطفح الجلدي والعمى والخرف والقروح وتساقط الشعر.
وكان تساقط الشعر على وجه الخصوص مشكلة بارزة في الأوساط الاجتماعية. حتى أولئك إن المصابين بالصلع المبكر كان ينظر إليهم على أنهم مصابون بمرض الزهري، وهنا ظهرت الحاجة لتغطية الرأس، خاصة في أوساط النبلاء.
ومع انتشار موضة الشعر المستعار تبين أنها ليست مفيدة فقط في إخفاء إصابات الزهري، بل استخدمت كذلك لإخفاء حالات الإصابة بالقمل الذي كان شائعاً آنذاك كذلك.
وهكذا زادت شعبية الشعر المستعار في أوساط النبلاء، ووصلت إلى ذروتها عند اعتماده من قبل الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، فخلال فترة حكمه من عام 1643 إلى عام 1715، قام الملك بإخفاء فروة رأسه بشكل دائم تحت الشعر المستعار، إذ كان يعاني من الصلع المبكر، ويعتقد المؤرخون أنه ربما كان مصاباً بمرض الزهري، وفقاً لما ورد في موقع howstuffworks.
وبفضل الملك أصبح الشعر المستعار أكثر رواجاً وتقديراً وبات ينظر إليه على أنه شكل من أشكال الهيبة والوقار. وقد ارتداه كذلك تشارلز الثاني، ملك إنجلترا وابن عم لويس الرابع عشر (الذي يُشاع أيضاً أنه أصيب بمرض الزهري).
انتقال الشعر المستعار إلى المحاكم
على الرغم من أن الأرستقراطيين والنبلاء سارعوا إلى تبني ممارسة ارتداء الشعر المستعار، فإن هذه الممارسة لم تنتقل مباشرة إلى قاعات المحاكم الإنجليزية.
لكن بحلول عام 1685، أصبح الشعر المستعار الكامل بطول الكتف جزءاً من زي رجال القانون كذلك.
مع مرور الوقت، لم يعد الشعر المستعار موضة مع المجتمع بأكمله. ففي عهد الملك جورج الثالث في إنجلترا، من عام 1760 إلى عام 1820، كان يرتدي الشعر المستعار عدد قليل فقط من الناس، على وجه التحديد الأساقفة والمحامون. وسمح للأساقفة بالتوقف عن ارتداء الشعر المستعار في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. لكن المحاكم احتفظت بهذا التقليد لمئات السنين.
فقد حمل الشعر المستعار رمزيات أخرى ولم يعد مجرد زي يعكس الطبقة الاجتماعية الرفيعة، وبات الشعر المستعار والجلباب الأسود الواسع يستخدمان كرمز لعدم الكشف عن هوية المحامي وذلك لخلق فصل بصري بين المحامين والقضايا التي يدافعون عنها. وأصبحت المحاكم الإنجليزية مع مرور الوقت أكثر تشدداً فيما يخص الشعر المستعار، إذ كان ينظر إلى عدم ارتدائه على أنه إهانة للمحكمة.
الشعر المستعار في العصر الحديث
في عام 2007، تخلصت قواعد اللباس الجديدة في المحاكم من الشعر المستعار، ولم تعد هناك حاجة إلى الباروكات أثناء المثول أمام محكمة الأسرة أو المحكمة المدنية، أو عند المثول أمام المحكمة العليا للمملكة المتحدة. ومع ذلك، لا يزال الشعر المستعار قيد الاستخدام في القضايا الجنائية.
وفي أيرلندا، استمر القضاة في ارتداء الشعر المستعار حتى عام 2011، حيث توقفت هذه الممارسة. وفي إنجلترا، والمستعمرات الإنجليزية السابقة الأخرى- مثل كندا، على سبيل المثال، التي تخلت مقاطعاتها عن الشعر المستعار طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، أو جامايكا، التي أزالت الشعر المستعار في عام 2013- يرتدي المحامون والقضاة الآن الشعر المستعار للاحتفالات فقط.
مع ذلك ذكرت صحيفة الغارديان في عام 2021، أن ارتداء الشعر المستعار لا يزال يحظى بشعبية بين المحامين البريطانيين.