في الوقت الذي من الممكن أن تصل فيه التحقيقات الخاصة بحيازة دونالد ترامب لسجلات رئاسية سرية في مقر إقامته إلى نتيجة انتهاك القانون، فإن هناك عدة أسئلة تُطرح حول القانون نفسه، الذي يمنح حقوقاً ومزايا لرؤساء أمريكا السابقين، تعطيهم إمكانية الوصول إلى معلومات الأمن القومي السرية، مما جعل هذا القانون يتطلب إعادة النظر فيه، وإصلاحه.
الوصول إلى المعلومات السرية بكل بساطة!
كشف بوب باور، الباحث في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، والمستشار السابق بالبيت الأبيض، خلال فترة حكم باراك أوباما للولايات المتحدة الأمريكية، عبر مجلة "theatlantic" الأمريكية، أنه يمكن للرؤساء الأمريكيين السابقين الحصول على معلومات سرية من إداراتهم بكل بساطة، وذلك عن طريق تقديم طلب للمسؤول عن أرشيف الولايات المتحدة، إذ لا تملك الإدارة الحالية أي دور رسمي في مساءلتهم عن سبب حصولهم على هذه المعلومات.
وبهذا يصبح لهؤلاء الرؤساء السابقين، الذين أصبحوا مواطنين أمريكيين عاديين، الحق في الوصول إلى معلومات غاية في السرية والأهمية، على خلفية أنهم ساكنو البيت الأبيض السابقون، أو حتى على أساس الاحترام والمجاملات المُستَحقّة لهم.
إذ تُمنَح هذه الإمكانية للرؤساء السابقين، بصرف النظر عن الأسباب التي قد تقودهم للوصول إلى هذه المواد، والمعلومات، وما مدى أهميتها أو الفائدة المحصّلة بالنسبة لهم.
أسباب قبول طلب الوصول إلى المعلومات السرية
هناك عدة أسباب محتمَلة، وراء حصول الرؤساء السابقين على المعلومات والوثائق السرية الخاصة بالبلاد، من بينها احتمالية استعمالها لكتابة مذكراتهم، من أجل التحقق من بعض المعلومات، لطرح رواية دقيقة، لعملية صنع القرار المتعلقة بالأمن القومي، وهنا يكون قبول الطلب المقدَّم إلى رئيس الأرشيف مقبولاً.
لكن يمكن أن تكون هناك رغبات أخرى غير ظاهرة، متعلقة بتقديم هؤلاء الرؤساء السابقين لهذا الطلب، مثل تعزيز أنشطتهم أو طموحاتهم السياسية أو شؤونهم التجارية، خصوصاً أن القانون لا ينص على التحقيق مع الرؤساء السابقين أو أعضاء الكونغرس، أو غيرهم من المسؤولين المنتخَبين، حول أنشطتهم، حسب المبادئ التوجيهية القضائية التي تنطبق على حاملي التصريح الأمني النموذجي، مما يمنحهم إمكانية الوصول الواسعة إلى المعلومات السرية.
ومن هذا المنطلق، جرت العادة أن يُعامَل الرؤساء السابقون باعتبارهم مؤهلين لتلقِّي أعلى المستويات من المعلومات السرية، خصوصاً أنه كانت لديهم إمكانية الوصول إليها تلقائياً عند انتخابهم لمنصب الرئاسة، وتستمر معهم إلى الأبد.
عدم قدرة الرئيس الجديد الحصول على سجلات سابقة!
في الوقت الذي يتمتع فيه الرؤساء السابقون بالحق في الوصول إلى المعلومات السرية السابقة، فإن قانون السجلات الرئاسية يقيّد قدرة الرئيس الحالي على الوصول إلى سجلات الإدارات السابقة، سواء كانت سرية أو غير سرية.
ويبقى حق الرئيس الحالي في الاطلاع على هذه المعلومات مرتبطاً بحصوله على الإذن من طرف الرئيس السابق، وإلا لن يتمكن من وضع اليد عليها، بالرغم من أنها غالباً ما تكون لازمة من أجل تسيير بعض الأعمال الرسمية.
وهذا ما حصل بالفعل، عندما رفض دونالد ترامب ومحاموه حصول إدارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الحالي، جو بايدن، على الصناديق التي جرت إعادتها طواعيةً من منتجع مار آلاغو، مقر إقامته، حسب موجب قانون السجلات الرئاسية، التي تعطي الحق في "سيطرة شبه كاملة" على سجلات إدارات الرؤساء السابقين.
كيف يمكن أن يتم التغيير في هذا القانون؟
وانطلاقاً من وجود حجة قوية لعدم تمكن الرئاسة الحالية في الوصول إلى هذه البيانات، وبسبب غرابة البنية القانونية التي تقف وراء هذا الادعاء، تمت الإشارة إلى ضرورة إجراء إصلاحات على هذا القانون.
ليصبح على الأقل، يجب أن يخضع الرؤساء السابقون الراغبون في الحصول على إمكانية الوصول إلى معلومات سرية، بعد مغادرتهم منصبهم، لنفس العملية التي يخضع لها أي شخص آخر يسعى للحصول عليها.
والتي تتمثل في الإقرار بموجب عقوبات الحنث باليمين، وبصورة كتابية، بوجود حاجة مشروعة للوصول لهذه المواد السرية، والإقرار بأنَّ النشر غير المُرخَّص لهذه المعلومات السرية قد يلحق ضرراً جسيماً بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، وبأنَّ هذا الفعل يُعرِّض للملاحقة الجنائية.
إضافة إلى إضافة آراء مسؤولي الاستخبارات الكبار بشأن المخاطر التي يمكن أن يسببها تشارك معلومات مع مواطن عادي، يمكن أن تضر بالأمن القومي، حتى لو كان رئيساً سابقاً، في حال تمت إساءة التعامل معها أو الإفصاح مضمونها.
وفي حال أشارت هذه المراجعة المشتركة إلى تحديد حدود لطلب الرئيس السابق في الوصول إلى المعلومات السرية أو تعديله، يمكن رفع الطلب إلى رئيس البلاد الحالي لاتخاذ قرار نهائي. ويمكن أن تكون إمكانية الوصول الممنوحة في نهاية المطاف محدودة من حيث الموقع، أي الاطلاع داخل منشأة حكومية أمريكية ملائمة.
إضافة إلى خدمة هذه العملية الأمن القومي، ستكون أيضاً مفيدة للرؤساء السابقين، ففي حياتهم الخاصة، قد لا يكون لديهم المصادر التي تُمكِّنهم من التمييز بين المعلومات الملائمة وغير الملائمة التي تقدمها لهم الحكومة، أو لضمان التعامل الملائم مع كل المعلومات السرية.
وهذا الأمر لن يمنع الرؤساء السابقين من طلب المعلومات في حال كان السبب واضحاً ومقبولاً، وذلك للاستفادة من مكانتهم لإنشاء مؤسسات خيرية على سبيل المثال، والبقاء مستعدين لتقديم المشورة أو المساعدة للرؤساء الحاليين حين يُطلَب منهم ذلك.