يسعى بعض الأشخاص إلى لفت الانتباه إلى موضوع معين من خلال تخريب أشياء ثمينة، من بين أكثر الأشياء التي تعرضت للتخريب مؤخراً اللوحات الفنية القديمة المعروضة في مختلف المتاحف العالمية.
حيث استخدم أشخاص كثر هذه الطريقة في الاحتجاج كوسيلة لإيصال رأيهم بسبب الشهرة التي تكتسبها اللوحات والتي تساهم في انتشاره بشكل أسرع.
تخريب مستمر على طول قرن من الزمن
قد تكون لوحة الموناليزا ليوناردو دافنشي واحداً من أكثر الأعمال الفنية المحبوبة في العالم؛ إذ يراها الملايين من الناس خلال السنة، وتعتبر جوهرة التاج لمجموعة متحف اللوفر الفرنسي، وعملاً مبدعاً في عصر النهضة، كما يعتبرها البعض من اللوحات التي لا تقدر بثمن.
كانت هذه اللوحة هدفاً للسرقة والتخريب في عدة مناسبات، أولها سنة 1956 عندما تعرضت لوحة الموناليزا للتخريب ليس مرة واحدة بل مرتين في نفس السنة.
كانت الأولى عندما حاول أحد المخربين تمرير شفرة حلاقة على اللوحة، لم يتسبب هذا الفعل بأي ضرر للوحة. بعد ذلك، ألقى رجل بوليفي "هوغو" بحجر على اللوحة، حيث صرح بعدها قائلاً: "كان لديَّ حجر في جيبي وفجأة خطرت في بالي فكرة رميها".
لحسن الحظ، كانت اللوحة بالفعل خلف الزجاج، مما يعني أن "هوغو" لم يتسبب في ضرر دائم للوحة. تمكنت الحجر من إزالة بقعة من الطلاء في منطقة واحدة، على الرغم من أنه تم إصلاح ذلك بسهولة من قِبل خبراء فرنسيين، الذين أعادوا تعديل اللوحة وإعادتها إلى المتحف بعد أيام من الحادث.
حسب الجريدة الأمريكية "ARTnews"لم تكن سنة 1956 هي آخر سنة تعرضت فيها اللوحة لأعمال التخريب، ففي سنة 1975 نُقلت الموناليزا إلى طوكيو لعرضها في أحد المهرجانات الفنية.
خلال يوم الافتتاح أقدمت سيدة يابانية تبلغ من العمر 25 سنة رش اللوحة القماشية باللون الأحمر.
كان السبب في محاولة تخريبها اللوحة الاحتجاج ضد التمييز العنصري الذي تعرض له ذوو الاحتياجات الخاصة من قِبل منظمي التظاهرة الفنية، قدمت السيدة للقضاء وحكم عليها بغرامة 3 آلاف ين ياباني، لكن احتجاجها كان السبب في تخصيص ممر لذوي الاحتياجات الخاصة لرؤية اللوحة.
من القرن العشرين ننتقل إلى القرن الواحد والعشرين حين أقدمت امراة روسية مقيمة في فرنسا سنة 2009 على تحطيم فنجان على لوحة الموناليزا، بعد التحقيقات تبين أن المرأة "مختلة عقلياً"، لكنها مع ذلك حرمت من التقديم على الجنسية الفرنسية بسبب عملها التخريبي.
لم تكن سنة 2009 هي الأخيرة، فقد شهدت اللوحة خلال سنة 2022 أعمال تخريب احتجاجاً على الإجراءات المستخدمة من قِبل الحكومة التي لا تساعد في التقليل من المخاطر المضرة بالمناخ، وذلك من قبل رجل يبلغ من العمر 36 سنة، قام هذا الأخير بتقمص شخصية امرأة عجوز على كرسي متحرك.
كان السبب حسب المخرب أن الرسامين فكروا في الأرض ورسموها في لوحاتهم، لهذا قرر تدمير اللوحات للتذكير بالخطر الذي يهدد الأرض، تم اعتقال الرجل بعد تقديم متحف اللوفر شكوى جنائية ضده.
لوحة الحراسة الليلية للفنان رامبرانت
لم تكن الموناليزا فقط من تعرضت للتخريب عبر الزمن فلوحة الحراسة الليلية للفنان الهولندي "رامبرانت فان راين" الموجودة في متحف "ريكلز" بهولندا والتي تعود للقرن السابع عشر هي الأخرى تعرضت للتخريب في عدة مناسبات.
ففي 13 يناير/كانون الثاني سنة 1911 حاول جندي بحرية عاطل عن العمل بمحاولة لتخريب اللوحة باستخدام سكين حاد، لكن محاولته باءت بالفشل بعدما تمكن حراس المتحف من إلقاء القبض عليه.
أما في سنة 1975 فقام مدرس عاطل عن العمل يدعى "ويليام دي رايك" بقص عشرات الخطوط المتعرجة في اللوحة بسكين قبل أن يتم القبض عليه من قِبل حارس المتحف، تم تشخيص حالة الشاب بأنه يعاني من اضطراب عقلي ليتم إرساله لمستشفى الأمراض النفسية ليقدم على الانتحار هناك في 21 أبريل/نيسان سنة 1976.
استغرق ترميم اللوحة قرابة 6 أشهر، لكن لا تزال آثار القطع الحاد ظاهرة على اللوحة حتى اليوم.
لوحة غيرنيكا للفنان العالمي بيكاسو
لم تَسلم لوحة الفنان الإسباني بيكاسو هي الأخرى من محاولات التخريب؛ إذ أقدم صاحب معرض الأمريكي "شفرازي" سنة 1974 على كتابة عبارة "اقتلوا الأكاذيب جميعاً" فوق اللوحة باستخدام طلاء أحمر.
كان الهدف من محاولة التخريب الاحتجاج على الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" الذي منح "ويليام نكالي" الضابط السابق بالجيش الأمريكي العفو، إذ كان "ريتشارد متهما بقتل ما بين 200 و400 مدني فيتنامي خلال حرب الفيتنام.
لم تصَب اللوحة بأي ضرر بسبب السطح المصقول للوحة والذي يمنع من بقاء الصبغة على سطح اللوحة الفنية.
لوحة كومة الحبوب للرسام الفرنسي مونيه
كباقي اللوحات التي سبق ذكرها تعرضت لوحة "كومة الحبوب" للرسام الفرنسي "كلود مونيه" المتواجدة في متحف "باربيريني" بمدينة بوتسدام الألمانية للتخريب بواسطة البطاطس المهروسة من قِبل نشطاء في مجال المناخ، في 23 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2022، وذلك للاحتجاج على استخدام الوقود الأحفوري الذي يعتبر من أهم العوامل في الاحتباس الحراري.
طلب النشطاء من الحكومة الألمانية اتخاذ إجراءات صارمة لحماية المناخ، والتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، من خلال تخريب اللوحة، وألقوا مادة سميكة مصنوعة من البطاطس على اللوحة وإطارها الذهبي.
وقالت الحركة: "إذا تطلب الأمر إلقاء البطاطس المهروسة أو عصير الطماطم لجعل المجتمع يتذكر أن الوقود الأحفوري يقتلنا جميعاً فسنفعل ذلك"، كما نشرت المنظمة على صفحتها بتويتر تدوينة مرافقة للفيديو التخريب مفادها:
ما الذي يستحق أكثر "الفن أم الحياة"؟
أحب مونيه الطبيعة وعبَّر عن جمالها في لوحاته.
لماذا يخاف الجميع من تلف إحدى اللوحات أكثر من خوفهم من تدمير عالمنا نفسه؟!