أسطورة مغربية يعود تاريخها إلى مئات السنين، أصبحت أكثر القصص الشعبية بالمغرب وأشهرها على الإطلاق.. سنروي لكم قصة عائشة قنديشة أو "عيشة قنديشة" كما يسميها معظم المغاربة.
تتعدد الروايات حول هذه المرأة، لكن الخلاصة واحدة، وهي أنها "آكلة للحوم البشر" أو "صائدة الرجال".
ما هي قصة عائشة قنديشة؟
عائشة قنديشة هي امرأة عاشت بالمغرب منذ زمن بعيد، لطالما عُرفت حسب جميع الأساطير بأنها جميلة المظهر، أُطلق عليها الكثير من الأسماء التي ذُكرت في أغانٍ تراثية مغربية لعل من أشهرها:
- عيشة مولات المرجة "سيدة المستنقعات بالدارجة المغربية"
- لالة عيشة "السيدة عائشة"
- عيشة السودانية
- عيشة الكناوية "كناوة نوع من الموسيقى التراثية المغربية"
عائشة قنديشة حسب الأساطير
لطالما تم تصويرها على أنها شابة في مقتبل العمر فائقة الجمال، ذات ملابس بيضاء فضفاضة، تغوي الرجال وتستدرجهم، بغية ممارسة الجنس، ومن ثم قتلهم وأكل لحومهم، بالإضافة إلى وصفها بأن لها أقداماً مشابهة لخف الجمل.
أما في أسطورة أخرى فتم تصويرها في شكل ساحرة عجوز شمطاء، تقضي معظم أوقاتها في حَبكِ الألاعيب للتفرقة بين الأزواج، وذلك في تقمصها هيئة فتاة جميلة تختبئ خلف ملابس متدلية، تغوي الرجال من أجل تفرقتهم عن نسائهم، وعادة ما كان يطلق عليها "بغلة الروضة"، بمعنى بغلة المقبرة، كتشبيه جزئي للزيجات التي هدمت بسبب أنها ذهبت إلى المقبرة.
وحسب الأساطير نفسها يُذكر أن مجرد النطق بلقبها الغريب والمخيف "قنديشة" قد يصيب المرء بلعنة ستلاحقه لبقية حياته.
كما تذكر القصص الشعبية أن عائشة كانت تخاف من شيء واحد يسمح للرجال الاحتماء منها وهي النيران، فحسب تقرير نشر على موقع هسبريس المغربي يذكر أن هناك مجموعة من الرجال قاموا بحرق عباءاتهم، بعدما اعترضت عائشة قنديشة طريقهم، وكانت على وشك أن تطيح بهم لولا انتباههم لأقدامها المختلفة عن بقية البشر، والتي تشبه حواف الجمال، ما جعلهم يوقدون النار للنجاة بأنفسهم.
بول باسكون وتوقفه الغامض
لا ينحصر تداول هذه الأسطورة في أوساط العامة فقط، فقد كتب عالِم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون "يهودي مغربي" عنها في كتابه "أساطير ومعتقدات من المغرب"، حيث يحكي كيف أن أستاذاً أوروبياً للفلسفة، في إحدى الجامعات المغربية، كان يحضر بحثاً حول "عيشة قنديشة"، فوجد نفسه مضطراً إلى حرق كل ما كتبه حولها، وإيقاف بحثه، ثم مغادرة المغرب، بعدما تعرض لحوادث عدة غامضة ومتلاحقة، ربطها بلعنة عائشة قنديشة.
القصة الحقيقية لعائشة قنديشة
حسب العديد من الروايات الشعبية فعائشة قنديشة شخصية حقيقية، تنحدر أصولها من الأندلس، فهي من عائلة موريسكية نبيلة، طردت عائلتها من الأندلس، واستقروا بالمغرب، عاشت هذه الشخصية خلال القرن الخامس عشر، ويعود سبب تسميتها "بـ قنديشة" إلى أنها كانت تسمى "بالكونتيسة عائشة"، أي الأميرة عائشة.
اشتهرت "الكونتيسة" بتعاونها مع الجيش المغربي ضد البرتغاليين، وذلك للانتقام لعائلتها التي شُردت بعدما كانت من أغنى العائلات بالأندلس، فأظهرت مهارة وشجاعة في قتل الجنود البرتغاليين، حتى وصفت بأنها ليست من البشر.
صنعت لنفسها مجداً واسماً ذائعاً لدى المقاومين والمجاهدين وعامة المغاربة، عندما حاربت الاحتلال واتخذت في ذلك مذهباً غريباً، حيث كانت تقوم بإغراء جنود الحاميات الصليبية وتجرهم إلى حتفهم إلى الوديان والمستنقعات، إذ يتم ذبحهم بطريقة أرعبت المحتلين البرتغاليين.
أما عن سبب تشبيه أقدامه بحوافّ الجمال فهي أنها كانت دائماً ترتدي خلال هجماتها حذاء يترك آثار أقدام الحيوانات، للتمويه على العدو، وعدم القدرة على الوصول إليها فيما بعد.
عائشة قنديشة أساطير مشابهة
ما يثير الاستغراب في قصة عائشة قنديشة هي الخرافات المشابهة لها في تراث شعوب أخرى، سواء أكانت عربية أو غربية، حيث نجد أسطورة أم الدويس في بلدان الخليج العربي، أو النداهة في مصر، بالإضافة إلى إحدى أهم الأساطير في اليابان "ذات الفم الممزق"، والتي استوحيت منها الكثير من أفلام الرعب في الغرب.
لعل القاسم المشترك فيما بين هذه القصص هو كل من عنصر الإغواء الأنثوي والجنس، بالإضافة إلى الرغبة في القتل، خاصة في الأماكن النائية.
بعد كلّ ما سردناه عليك عزيزي القارئ، يبقى الإشارة إلى أنّه لم يتم التأكد من شخصية عيشة قنديشة، هل هي مجرّد أسطورة أم شخصية حقيقية عاشت بالفعل وحاربت المستعمر البرتغالي. لتضل بذلك حقيقة وجودها مجهولة إلى يومنا الحالي.