تقطن قبائل البوشمن، منذ ما يقارب 20 ألف سنة، صحراء كالاهاري الممتدة على مساحة واسعة من جنوب القارة الإفريقية، ما يجعلها ربما أقدم المجموعات البشرية الآهلة لقارة إفريقيا على الإطلاق.
ولا تزال هذه القبائل تعيش حياةً بدائية، بحيث يعتمد أفرادها على الصيد البدائي، ويتخذون البرق بوصلةً لهم للبحث عن الماء، كما أنّ معتقداتهم الدينية، التي تعتمد على السحر والشعوذة، صارت ظاهرة دينية منتشرة في العالم.
ملامحهم آسيوية ويعتقد أنّهم أوّل من توطّن القارة الإفريقية
"البوشمن" باللغة البرتغالية، تعني "رجال الأحراش" أو "شعب الأدغال"، ويقصد بهم القبائل التي تسكن صحراء كالاهاري الإفريقية منذ أكثر من 22 ألف سنة، أمّا خصومهم من قبائل الهوتنتوت فيسمونهم بـ"السان"، هذا المصطلح يعني "دخيل" في لغة الخويسان الإفريقية، لذلك كان مهيناً لقبائل البوشمن، الأمر الذي جعلهم يفضّلون أن يطلق عليهم اسم البوشمن، حسب موقع new world encyclopedia.
حتى عام 1958، لم يكن أحدٌ يدري شيئاً عن قبائل البوشمن، حتى أصدر الكاتب الجنوب الإفريقي لورانس فان در بوست كتاباً بعنوان "The Lost World of the Kalahari"، أعاد فيه استكشاف هذه القبائل التي تسكن أرضاً قاحلة وشاسعة في الصحراء الرابطة بين بوتسوانا، وناميبيا، وأنجولا، وزامبيا، وزيمبابوي، وليسوتو وجنوب إفريقيا.
وجد الكاتب الجنوب إفريقي في تلك المنطقة، مجموعة بشرية تعيش حياة بدائية، ملامح أفرادها تشبه الملامح الآسيوية، إذ كان أفرادها يمتلكون بشرة صفراء فاتحة، وأمّا شكل عيونهم، فكانت ضيقة ومائلة تماماً مثل الأعراق الآسيوية.
ولا يزيد مُعدَّل طول الفرد الواحد من جماعات البوشمن عن نحو 145 سم، ويمتاز أفرادها عن غيرهم، بامتلاكهم أنفاً قصيراً، ووجهاً عريضاً، ورأساً مستديراً، وشعراً مفلفلاً ذا ملمس خشن.
يعيشون على الصيد ويقدسون الموسيقى
أكثر ما يميّز قبائل البوشمن عن غيرها من المجتمعات البدائية، طريقتها في جلب لقمة العيش، إذ إنّ قبائل البوشمن لا يعتمدون على الزراعة ولا على تربية الحيوانات لفعل ذلك، بل يعتمدون فقط على الصيد وجمع الثمار البرية من أجل الغذاء.
يتحرّك أفراد قبائل البوشمن في هجراتهم وفقاً لضربات البرق، فالبوشمن ينزلون في المنطقة التي تتساقط فيها الأمطار، ليتغذوا على فواكه الصحراء البرية، ويصطادون الحيوانات البرية.
يستعمل البوشمن في رحلاتهم الصيدية، أدواتهم الخاصة، مثل الأقواس والسهام الصغيرة المطلية بسُمِّ يرقات الخنافس، إضافة إلى الحراب، ويمتاز أفرادها بدقة عالية في التصويب، إذ يصطادون فرائسهم برمية واحدة. أما فريستهم المفضلة فهي الظباء.
كبد الفريسة المصطادة هو فقط للرجال عند قبائل البوشمن، لأنه، حسبهم، يحتوي على سمٍ يؤثر في النساء، فلا يجوز لهنّ أكلها!
كما أنّ البوشمن لم يستخدموا الفخار في صناعة الأواني كباقي المجتمعات البشرية، بل اعتمدوا على بيض النعام لتخزين المياه والفواكه.
وترتبط عمليات الصيد عند البوشمن بالموسيقى، فعند عودة رجال البوشمن من رحلة الصيد، يتجمع أفراد القبيلة في مكان خاص بعزف الموسيقى، تقوم النساء بالغناء، بينما يرقص الرجال احتفالاً بانتصاراتهم في الصيد.
الموسيقى عند البوشمن شيء مقدس، إذ يقوم أفراد قبائل البوشمن عند مرض أحدهم بالاجتماع ليلاً للاحتفال، وذلك بأداء رقصة موسيقية يطلقون عليها اسم "رقصة الشفاء"، يدخل خلالها المعالج في حالة من النشوة المضاعفة، وهو ما يسمح له بربط قوته الروحية الشافية -حسبهم- بالمجتمع، حتى يتدخّل لمعالجة وإبعاد المصيبة من خلال التأثير على روح المصاب واستخلاص العنصر الخبيث من جسمه.
انتشرت هذه الممارسة بين المجتمعات والقبائل الأخرى، حتى تحولت لظاهرة دينية تحت مسمى "الشامانية" التي لا تزال تنتشر إلى اليوم في عدة دول حول العالم.
وحسب الموسوعة البريطانية، يؤمن البوشمن بإلهين اثنين، واحد بالشرق والآخر بالغرب، أحدهما هو خالق العالم والكائنات الحية، بينما الآخر لديه قوة أقل ويتحكم في المرض والموت.
ويسكنون أرضاً من الألماس!
تعيش قبائل البوشمن في محمية ببوتسوانا، تمّ إنشاؤها خصيصاً لحماية 5 آلاف من قبائل البوشمن سنة 1961.
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تم اكتشاف الألماس في المحمية البوتسوانية، وبعد فترة وجيزة، قررت الحكومة البوتسوانية أن أفراد قبائل البوشمن التي تعيش هناك، يتعين عليهم المغادرة بسبب مكتشفات الألماس الكبيرة.
لم يتبقّ من قبائل البوشمن سوى 60 ألفاً، وذلك بعد أن تعرضت هذه القبائل إلى موجات طرد كبيرة، في سنوات 1997 و2002 و2005، حيث تمّ إجبارهم على الخروج.
وعلى الرغم من نجاح أفراد من عائلة البوشمن في الفوز بقضية بالمحكمة ضد الحكومة البوتسوانية سنة 2006، إلاّ أن الحكومة البوتسوانية لم تدخر أي جهد لمنعهم من الوصول إليها مرة أخرى، من خلال حرمانهم من الوصول إلى آبار المياه الموجودة هناك.