لباس الثوار الذي صار الأغلى في الجزائر.. “القشابية” مدفأة الجزائريين في فصل الشتاء والزي التقليدي الذي لا يزال يقاوم الموضة

تم النشر: 2022/09/02 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/02 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
القشابية أبرز الملابس التقليدية الشتوية في الجزائر/shutterstock

ترتبط الملابس التقليدية الجزائرية  بجزء مهم من تاريخ وهوية الجزائر، كونها تعبّر عن طريقة عيش الجزائريين خلال مراحل عديدة، ومدى تكيّفهم مع البيئة التي تعيشون بها، ورغم ميل الكثير من الشباب الجزائريين حالياً إلى الملابس الأوروبية، إلّا أنّ الملابس التقليدية المحلية، خصوصاً الشتوية منها، لا تزال الأكثر انتشاراً بالنسبة للرجال.

ولعقودٍ طويلة برز لباس "القشابية " الرجالي، على أنّه أحد أهمّ وأشهر الملابس التي يرتديها الجزائريون، لباسٌ ارتبط بذاكرة الجزائريين مع فترة الاحتلال الفرنسي، قبل أن يتحول إلى مدفأة متنقلة لمواجهة الطبيعة القاسية خلال فصل الشتاء.

القشابية لباس الأغنياء والفقراء الذي صمد أمام عصر الموضة

 لباس القشابية عبارة عن عباءة ثقيلة، مصنوعة من وبر الإبل وصوف الغنم مع غطاء للرأس، وتتميز بوجود فتحات عند الساقين، تسمح لمرتديها بالحركة بسهولة، وتعدّ من الأزياء المنتشرة في مناطق أعالي الجبال، حيث تنخفض درجات الحرارة وتتساقط الثلوج بكثافة، وخاصة في محافظات المسيلة، الجلفة والأغواط وغرداية.

من الصفات المميّزة للقشابية الجزائرية، كونها لباساً غير طبقي، وليس محصوراً على فئة معينة من المجتمع، فالقشابية يلبسها جميع الجزائريين، أغنياء كانوا أو فقراء.

القشابية
القشابية مدفأة الجزائريين المتنقلة في الشتاء البارد/ مواقع التواصل

وبمجرد دخول فصل الشتاء القارس يتسابق الجزائريون، على اختلاف مستوياتهم المعيشية، لاقتناء ما يصفونها بـ"المدفأة المتنقلة" أو بالأحرى "القشابية"، لمواجهة موجة الصقيع وموسم الثلوج.

استطاعت القشابية أن تفرض نفسها  كلباس أبرز خلال فصل الشتاء للجزائريين، على الرغم من موجة الموضة الغربية التي تهدد الألبسة التقليدية، فقد حافظت القشابية على مكانتها كموروث توارثته الأجيال.

القشابية زيّ الثوار المفضل ومخبأ للأسلحة خلال الثورة 

مكانة القشابية ورمزيتها عند الجزائريين، جاءت من خلال ارتباطها بمرحلة تاريخية مهمة من ذاكرة الجزائريين، وإن كان لا يعرف تاريخٌ محددٌ لظهور هذا الزي التقليدي الرجالي، إلّا أنّ الكثير يربط ظهوره بفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر الممتد من عام 1830 حتى 1962م، وخلال تلك الفترة برزت القشابية بصفتها الثورية. 

وارتبط لباس القشابية بالثورة التحريرية بالأساس، وخلالها كان الزي الرسمي للثوار خصوصاً في جبال الأوراس والصحراء، حيث استعان به المجاهدون الجزائريون لمقاومة البرد القارس في الشتاء، خصوصاً أنهم كانوا مجبرين على المكوت في الجبال والكهوف لأشهر عديدة.

أحد الثوار الجزائريين يرتدي زي القشابية خلال الثورة الجزائرية/ مواقع التواصل

لم تقتصر مهمة "القشابية" على وقاية الثوار الجزائريين من القر، بل كانت مشاركتها في الثورة التحريرية حاسمة، فقد كانت القشابية بمثابة مخبأ متنقل للأسلحة، يخبئ المناضلون الجزائريون تحته أسلحتهم، كما يخبئون أيضاً هوياتهم بحكم أنّ القشابية تحتوي على غطاء للرأس، يمكن الثوار الجزائريين من إخفاء وجوههم أثناء العمليات. 

إنجاز القشابية يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً

تمرّ عملية نسيج لباس القشابية على عدة مراحل، تستغرق في الغالب وقتاً طويلاً قد يصل إلى سنة كاملة في بعض الأحيان، عملية صناعة هذا الزي التقليدي الرجالي، تبدأ بمرحلة جمع الوبر، وتكون عبر جزّ وبر الجمل حياً أو ميتاً، ولكي تحصل على قشابية ذات جودة عالية فعليك بوبر "العقيقة"، وهو وبر يتم جزه من صغار الإبل. 

بعد عملية جمع الوبر التي تستغرق بضعة أشهر والتي يقوم بها الرجال، تأتي مرحلة تصفية الوبر ثم غزله، ومن هنا تبدأ وظيفة النساء، عملية الغزل تتطلب أدوات خاصة؛ هي "القَرْداش" و"المغزل"، وتنتهي عند تحويل الوبر إلى خيوط ذات لون "بني ذهبي"، أو ما يعرف محلياً بخيوط "الڨيام".

تمّ  تأتي عملية نسج القشابية، وهنا يعود الرجل لأداء هذه المهمة، ويستغرق النسج شهراً كاملاً للقطعة الواحدة، باستعمال "المَنْسَج" و"الخَشْبَة" و"الخُلالة" و"الأوتاد". 

ألة نسج القشابية / ويكيبيديا

وأخيراً، وبعد أن تأخذ القشابية شكلها الأولي، يشرع الخياط في خياطتها بخيط ذهبي اللون، ثم يضع ما يسمى بـ"القُمر" على "الڨلمونة"، وهي التي تغطي الرأس.

وتعدّ القشابية من أغلى الألبسة الرجالية، خصوصاً إذا كانت مصنوعة من الوبر الخالص، إذ يتراوح سعرها ما بين 100 و800 دولار.

تحميل المزيد