تسببت سلسلة من عمليات القتل، التي كان المجرم المسؤول عنها يُدعى "ابن سام"، في إثارة الرعب بين سكان مدينة نيويورك الأمريكية، في أواخر القرن الماضي.
فبحلول نهايات السبعينيات، قُتل 6 أشخاص على مدى عامين فقط، إلى أن تم القبض على ديفيد بيركويتز، الذي لُقب بـ"ابن سام"، ووجهت إليه تهم تتعلق بجرائم القتل، وافترض الناس إلى حد كبير أن القضية قد أغلقت، لكن ما لم يكن بالحسبان أبداً أن يعترف القاتل بجرائمه وهو يبتسم ويشعر بالفخر.
قصة صادمة ومادة ثرية للتلفزيون
في مسلسل وثائقي عن الجريمة على Netflix بعنوان "أبناء سام: الظلام المهذب" أو The Sons of Sam: A Descent to Darkness، تم دراسة النظرية التي تقول إن المجرم ديفيد بيركويتز لم يكن هو المسؤول الوحيد عن عمليات القتل تلك.
إذ تتبّع العمل الوثائقي صحفياً استقصائياً يُدعى موري تيري، الذي حاول مراراً إعادة فتح القضية، على أساس نظرية أن عمليات القتل مرتبطة بطقوس عبادة شيطانية تسمى "الأطفال".
فما هي القصة بالضبط، وكيف تمكن قاتل متسلسل مُثبتة عليه عدة قضايا أن يفلت من عقوبة الإعدام؟
من هو القاتل المتسلسل ديفيد بيركويتز؟
في 10 أغسطس/آب عام 1977، تم القبض على موظف البريد ديفيد بيركويتز، البالغ من العمر 24 عاماً آنذاك، وتم اتهامه بأنه "ابن سام"، القاتل المتسلسل الذي أرهب مدينة نيويورك لأكثر من عام، ما أسفر عن مقتل ستة شبان وإصابة سبعة آخرين بمسدس من عيار 44 ملم.
ونظراً إلى أن بيركويتز استهدف عموماً الشابات الجذابات ذوات الشعر البني الطويل، فقد قامت السيدات في تلك الفترة بعد أن ذاعت أنباء القاتل المتسلسل في المدينة، بقص شعورهن وصبغها باللون الأشقر. في حين تجنبت المئات الأخريات الخروج من منازلهن ليلاً.
بعد إلقاء القبض عليه، ادعى بيركويتز أن الشياطين وكلب لابرادور أسود يملكه جار له يُدعى سام، هم من أمروه بارتكاب عمليات القتل، بحسب مجلة Women's Health لأخبار المرأة.
نشأة مربكة وطفولة صعبة
نشأ ديفيد بيركويتز مع والديه بالتبني في مدينة برونكس، وقد أصيب بصدمة نفسية عند وفاة والدته بالتبني من مرض السرطان في عام 1967، فأصبح يميل أكثر فأكثر إلى العزلة.
ثم في عام 1971، التحق بالجيش الأمريكي، حيث خدم لمدة ثلاث سنوات، وهناك تميَّز بكونه دقيقاً وموهوباً في إطلاق النار. وفي عام 1974، عاد إلى نيويورك حيث عمل حارساً للأمن.
بدأت حالته العقلية تتدهور بشدة بحلول عام 1975، وكان ذلك تقريباً بدايات الحالة التي أدت في نهاية المطاف إلى تشخيصه عند محاكمته على أنه مصاب بالفصام في الشخصية، وبجنون العظمة والارتياب.
بداية الجريمة
وبسبب شعوره بالعزلة عن العالم من حوله، فقد بدأ "ابن سام" في إشعال النيران، وأضرم مئات الحرائق في مدينة نيويورك دون أن يتم القبض عليه.
بعد ذلك، وفقاً لاعترافات خلال محاكمته، قال إنه بدأ في سماع أصوات "شياطين" أمرته بارتكاب جريمة قتل. عشية عيد الميلاد عام 1975، استسلم لهذه الأصوات الداخلية، وأصاب الشابة ميشيل فورمان البالغة من العمر 15 عاماً بجروح خطيرة بسكين صيد.
في أبريل/نيسان 1976، انتقل بيركوفيتش إلى منزل سكني في منطقة يونكرز، وهناك كان لدى جاره، الأمريكي المتقاعد سام كار، كلب أسود من فصيلة لابرادور، يدعى هارفي، يقول بيركويتز إنه أمره مراراً بالقتل.
كما رأى القاتل جاره سام كار على أنه شيطان قوي، وكان هذا سبب تسميته لنفسه باسم "ابن سام"، بعد أن قرر تلبية الأوامر الشيطانية، بحسب تعبيره وفقاً لموقع History للتاريخ.
في 28 يوليو/تموز من العام نفسه، استقال بيركويتز من وظيفته كحارس أمن. وفي صباح اليوم التالي سار إلى سيارة متوقفة، حيث كانت فتاتان تتحدثان فيها، وأطلق 5 رصاصات عليهما.
قُتلت دونا لوريا البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً على الفور، وأصيبت صديقتها جودي فالنتي، ولكن لأن الشرطة لم تجد أي دوافع أو أدلة في إطلاق النار، وجهت التهمة لمجهول.
موجة جديدة من القتل بأوامر من الشيطان
في الصباح الباكر من يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول، بدأ بيركويتز تلبية "أوامر الشيطان" مجدداً، ما أدى إلى إصابة كارل دينارو، البالغ من العمر 20 عاماً بجروح خطيرة، بينما كان يجلس في سيارة ويتحدث مع صديقة في كوينز.
بعد أكثر من شهر بقليل، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، تم إطلاق النار على دونا ديماسي، البالغة من العمر 16 عاماً، وجوان لومينو البالغة من العمر 18 عاماً، وإصابتهما بجروح خطيرة في الشارع.
في 30 يناير/كانون الثاني 1977، قتل بيركويتز كريستين فرويند، بينما كانت جالسة في سيارة في كوينز مع خطيبها. بدأت الشرطة تشتبه في أن هذه الجرائم مترابطة، وارتكبها قاتل واحد. وتم العثور على رصاصات سليمة في مسرح الجريمة، بحسب موقع All That's Interesting.
قاتل متسلسل طليق في نيويورك
في 8 مارس/آذار من العام نفسه، قُتلت فرجينيا فوسكاري تشيان، طالبة جامعية تبلغ من العمر 19 عاماً، بالرصاص أثناء عودتها إلى منزلها في مانهاتن.
وبعد التحقيق، أعلنت شرطة نيويورك أن قاتلاً متسلسلاً طليقاً في المدينة هو المسؤول عن تلك الجرائم، وأن على الجميع توخي الحذر والانتباه لرجل أبيض في العشرينيات من عمره، بشعر أسود، ومتوسط الطول والبنية.
التحقيق لضبط القاتل "ابن سام"
تم تنظيم مجموعة كبيرة من المحققين لتعقب القاتل باسم فريق "أوميغا". في 17 أبريل/نيسان، قُتلت فالنتينا سورياني، البالغة من العمر 18 عاماً، وألكساندر إيسو، البالغ من العمر 20 عاماً بالرصاص، بنفس السلاح، أثناء جلوسهما في سيارتهما المتوقفة بالقرب من نهر هاتشينسون باركواي.
هذه المرة، ترك القاتل المتسلسل رسالة في مسرح الجريمة، قال فيها إنه "ابن سام".
في 29 أبريل/نيسان، أطلق ديفيد بيركويتز النار على كلب جاره اللابرادور. فبدأت الشرطة في التحقيق وراء هذا الاعتداء.
في هذه الأثناء، كان "ابن سام" قد شرع في إرسال رسائل تهديد غريبة إلى جيرانه الآخرين، وأصحابه السابقين. بدأ هؤلاء الأفراد في الاشتباه في أن ديفيد بيركويتز هو ابن سام، فأبلغوا الشرطة المحلية.
في 26 يونيو/حزيران، ضرب ابن سام مرة أخرى، فأصاب جودي بلاسيدو وسال لوبو أثناء جلوسهما في سيارتهما بكوينز. وهنا نما القلق العام بشأن القاتل المتسلسل، ما تسبب في الذعر بالمدينة، وشهدت النوادي الليلية والمطاعم في نيويورك انخفاضاً كبيراً في الأعمال.
كما أدت موجة الحر الشديدة وانقطاع التيار الكهربائي لمدة 25 ساعة، في منتصف يوليو/تموز، إلى زيادة التوتر.
بنهاية هذا الشهر، وبعد يومين فقط من الذكرى السنوية الأولى لجريمته الأولى، أطلق بيركويتز النار على زوجين شابين يقبّلان بعضهما في سيارة متوقفة في بروكلين.
بعد بضعة أيام حدث كشف كبير في القضية، عندما تقدمت شاهدة عيان للإبلاغ عن أنها شاهدت رجلاً بمسدس قبل دقائق من إطلاق النار في بروكلين. أدت معلوماتها إلى أول رسم تقريبي لملامح القاتل ديفيد بيركويتز.
في الوقت نفسه، حققت شرطة يونكرز مع بيركويتز بعد أن تفاقمت حملة المضايقات ضد أحد جيرانه، مقتنعين بأنه ابن سام، وأبلغوا فريق عمل أوميغا بالنتائج التي توصلوا إليها.
وأخيراً، في 10 أغسطس/آب، تم اعتقال ديفيد بيركويتز أثناء مغادرته منزله في يونكرز. واعترف بسرور وأريحية تامة أنه "ابن سام" القاتل المتسلسل، بحسب موقع Crime Museum.
الحُكم على القاتل المتسلسل وسَن قانون "ابن سام"
كان هناك بعض التساؤل حول ما إذا كان بيركويتز سليماً عقلياً فعلاً لتلقي المحاكمة، ولكن في 8 مايو/أيار 1978، تراجع عن دفاعه عن نفسه بالجنون، وأقر بالذنب في جرائم القتل الست.
حتى إن ديفيد بيركويتز كان يستمتع باهتمام وسائل الإعلام بقضيته، وشرع في بيع حقوق قصته الحصرية لدور النشر.
وقد دفع ذلك ولاية نيويورك إلى تبني أول قانون في سلسلة وطنية تسمى "قوانين ابن سام"، التي تجني عائدات المجرم من بيع قصته للصحف ووسائل الإعلام وتمنحها لصندوق تعويض الضحايا.
حُكم على بيركويتز بستة أحكام بالسجن لمدة 25 عاماً على كل جريمة من جرائم القتل، وهي العقوبة القصوى المسموح بها في ذلك الوقت.
وقد حُرم منذ ذلك الحين من الإفراج المشروط. وهو محتجز حالياً في إصلاحية شاوانغونك شمال ولاية نيويورك، حيث يُزعم أنه اعتنق المسيحية وأصبح متديناً.