ليس بسبب ارتفاع أسعار العلف والمحروقات فقط.. أضحية العيد في المغرب خارج حسابات المواطن البسيط

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/08 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/08 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
ارتفاع كبير في أسعار أضحية العيد في المغرب

ليس من عادة الزائر لضيعات وأسواق بيع أضحية العيد الذي سيحل في المغرب يوم الأحد 10 يوليو/تموز الجاري، أن يعود خائباً، وخاوي الوفاض دون أن يجر كبشه أو يضعه في إحدى العربات لينقله إلى بيته.

لكن المشهد في سوق "سيدي إدريس الحرارين" للماشية بمدينة طنجة شمالي المملكة، هذا العام كان مختلفاً. إذ قابلنا عدداً من المواطنين، وهم يعودون أدراجهم وعلامات الخيبة تعلو محياهم.

من بين هؤلاء كان عبد السلام جبيلو وزوجته، اللذان لم يتمكنا من شراء أضحية العيد هذه السنة لضعف قدرتهما الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار الذي يشهده المغرب.

وتداول رواد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي سلسلة تدوينات وهاشتاغات اجتمعت حول شعار #خليه_يبَعبع، في إشارة إلى صوت الخرفان، منددين بصعوبات ستواجه فئات اجتماعية ذات دخل محدود تنوي اقتناء أضحية العيد هذا العام، بالنظر إلى غلاء أسعار المواد الأساسية الذي أرهقها.

أسعار مخفضة في التلفزيون

في حديثه لـ"عربي بوست"، يتساءل عبد السلام: "أين هي الأضحية التي يمكننا شراؤها بـ800 درهم (حوالي 80 دولاراً) كما تدعي الحكومة؟".

هنا يشير المتحدث إلى تصريح لوزير الفلاحة، محمد صديقي، خلال ندوة صحافية عقب اجتماع مجلس حكومي نهاية شهر يونيو/حزيران، أكد فيه أن "السوق لا يوجد فيه أضاحٍ بـ5000 درهم (نحو 500 دولار)، بل توجد أيضاً أضاحٍ بـ800 درهم و1000 درهم (نحو 100 دولار).

ويعلق عبد السلام، على كلام الوزير قائلاً: "هذا كلام للاستهلاك في قنواتنا الوطنية، التي لا تتوانى عن نقل صورة أخرى لما يعيشه المواطن البسيط مثلي من أزمات تفوق قدرته الشرائية".

"في القنوات فقط نجد أضاحي رخيصة الثمن وفي متناول البسطاء مثلي"، يضيف عبد السلام بنبرة ساخرة، مشدداً على أنه يشتغل عاملاً بسيطاً في أحد معامل طنجة، ولن يستطيع أن يوفر ثمن الأضحية، إضافة إلى مصاريف البيت.

أكبر المتضررين هو المواطن البسيط
أكبر المتضررين هو المواطن البسيط

المواطن البسيط متضرر

يؤكد المزارع وبائع الماشية والماعز محمد، في سوق سيدي إدريس الحرارين، أن أكبر المتضررين هو المواطن البسيط، قائلاً: "بكل صراحة المواطن البسيط هذا العام لن يستطيع أن يجاري أسعار الأضاحي".

وتابع المزارع في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه "لا يمكن لمستخدم في شركة يتقاضى 3000 درهم أن يشتري خروف العيد"، متأسفاً على أنه "يخجل كثيراً من البيع هذا العام لهؤلاء؛ لأن خروفاً بسعر 2000 درهم مثلاً، لن يزن سوى 16 كيلوغراماً عند ذبحه وسلخه".

يعزى كل هذا، وفق المصدر ذاته، إلى "ارتفاع أسعار العلف، والزيادة المستمرة في أسعار الغازوال والبنزين"، موضحاً أنه "في السنة الماضية كنا نشتري العلف بـ3 دراهم للكيلو الواحد، لكن أصبحنا نبتاعه اليوم بـ6 درهم؛ أي ضعف الثمن السابق".

كما أن نقل الماشية من الضيعات إلى السوق تضاعف بسبب ارتفاع أسعار الغازوال والبنزين، مشيراً إلى أنهم تمكنوا العام الماضي من نقل الماشية من مدينة خنيفرة وسط البلاد إلى طنجة بـ3000 درهم، غير أن الوضع مختلف هذا العام، بعدما كانت تكلفة النقل 7000 درهم (نحو 700 دولار).

جهود مضاعفة للتسمين

جولة أخرى لـ"عربي بوست" في إحدى ضيعات تسمين الأكباش وبيعها بمنطقة سيدي حجاج نواحي مدينة الدار البيضاء (غرب)، أوضحت أن هناك اختلافاً ملحوظاً في ثمن أضحية العيد عن مثيلاتها خلال السنة المنصرمة.

في هذه الضيعة، أقر صاحبها عمر الشافعي، أن "أثمان الأكباش التي لا يتعدى وزنها 60 كيلوغراماً تصل إلى 3000 درهم، فيما تتراوح الأضاحي متوسطة الجودة بوزن 90 كيلوغراماً بين 5000 و5500 درهم (نحو 500 دولار)".

وكشف الشافعي أن هناك زيادة في أثمان الأضاحي تتراوح ما بين 500 و800 درهم (بين 50 و80 دولاراً)، مرجعاً الأمر إلى أن "عملية تسمين الأضاحي وتربيتها تطلبت جهوداً مضاعفة هذه السنة، إلى جانب الارتفاع القياسي للعلف وتأخر التساقطات هذا الموسم".

في هذا السياق، أشار المتحدث نفسه إلى أنه "لولا الأمطار التي جاءت متأخرة في شهر مارس/آذار الماضي، لكانت العواقب أشد على المزارعين ومربي الماشية في المملكة"، مشدداً على أنه "ليس هناك تعويض حقيقي للفلاح ولا دعم، كما تؤكد الحكومة ووزارة الفلاحة في تصريحاتها وبياناتها".

وكانت الحكومة أطلقت في فبراير/شباط الماضي، برنامجاً عاجلاً للتخفيف من آثار نقص الأمطار على الفلاحين ومربي الماشية.

وارتكز هذا البرنامج بالأساس، على محور يتعلق بحماية الرصيد الحيواني، من خلال توزيع 7 ملايين قنطار من الشعير المدعم لفائدة مربي الماشية، و400 ألف طن من الأعلاف المركبة لفائدة مربي الأبقار الحلوب للحد من آثار ارتفاع أسعار المواد العلفية وتراجع موفورات الكلأ.

الحكومة أطلقت في فبراير/شباط الماضي، برنامجاً عاجلاً للتخفيف من آثار نقص الأمطار على الفلاحين ومربي الماشية
الحكومة أطلقت في فبراير/شباط الماضي، برنامجاً عاجلاً للتخفيف من آثار نقص الأمطار على الفلاحين ومربي الماشية

دعم حكومي خفف العبء

من جهته، يعتقد رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز (غير حكومية)، عبد الرحمن مجدوبي، أن تدخل وزارة الفلاحة بدعم المزارعين بدعم مالي كبير، خفف من حدة معاناتهم جراء تداعيات الجائحة وقلة التساقطات، ومن عبء تكلفة تسمين الأغنام والماعز.

"هذه كلها أمور تؤخذ بعين الاعتبار، لأنها تدخل في مراحل تكلفة تسمين الماشية؛ لأنه لولا تدخل الوزارة الوصية، كان المزارع سيشتري العلف مضاعفاً، وبذلك سنكون أمام تراجع في كمية الأضاحي، أو ارتفاع أكبر في أسعارها"، يوضح مجدوبي في اتصال هاتفي مع "عربي بوست".

وأقرّ نفس المصدر، بوجود فرق في أثمان أضاحي العيد هذا الموسم عن سابقه، لكن ليس بالشكل المتداول، والأمر لا يستدعي تهويلاً، على حد تعبيره.

"وزارة الفلاحة إلى جانب المتدخلين في المجال، سهروا على توفير أضاحي العيد للمواطنات والمواطنين، لإحياء هذه الشعيرة الدينية، ولكي تمر في أجواء جيدة"، على حد قوله.

كما أشار المتحدث، إلى أن "تعدد الوسطاء (يسمون محلياً بالشنّاقة) بين المستهلك ومربي الماشية، يتسبب في ارتفاع أسعار الأضاحي، ما دعا إلى إحداث منصة خاصة ببيع الأغنام والماعز عبر الإنترنت دون الحاجة إلى التنقل".

معضلة العيد والمستهلك وحيداً

يرى رئيس الجامعة الوطنية لحقوق المستهلك (غير حكومية)، بوعزة الخراطي، أن "الوسطاء أو الشناقة ظاهرة تفاقمت في الأسواق المغربية، وبشكل خاص في الأسواق المختصة في بيع الأغنام".

كانت هذه الظاهرة ممنوعة بنص قانوني في الثلاثينات من القرن الماضي، باعتبارها ريعاً في سوق منظم بقانون حرية الأسعار والمنافسة، حسبما أوضح المتحدث لـ"عربي بوست".

المصدر نفسه اعتبر أن "الشناقة من بين ما يساهم في ارتفاع أثمنة أضاحي العيد، إلى جانب تداعيات سنوات الجفاف، وارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاع الطلب بوجود المغاربة المغتربين هذا الموسم".

وكشف الفاعل في مجال حماية المستهلك، أن "العملية تُروّج أكثر من 70 مليار سنتيم كل موسم، وتخلق عدة مناصب شغل متعددة ومختلفة"، مستغرباً من "ترك المستهلك وحده كل سنة أمام معضلة العيد، دون أن تتحرك السلطات المعنية لتنظيم العيد بوضع برنامج له"، على حد قوله.

تحميل المزيد