إذا كنت قد شاهدت أفلاماً مثل "The Godfather"، أو "Psycho"، أو أي جزء من سلسلة أفلام "Saw" المرعبة، فمن المحتمل أنك تتذكر مشهداً دموياً واحداً على الأقل من تلك الأفلام، لا يزال يثير رغبتك في الغثيان.
وعلى الرغم من صعوبة المشاهد التي تتضمن العنف الجسدي والدماء والتقطيع والأحشاء، لكنها "نوعية" مطلوبة، ولها جماهيرية كبيرة بين عشاق الأفلام.
من المحتمل أن يكون هذا أحد أسباب رغبة منتجي الأفلام في تكديس أفلامهم بالعنف الدموي والمشاهد المثيرة للاشمئزاز، لأننا لا نستطيع نسيانها، ورغم بشاعتها نواصل في طلبها بين الفينة والأخرى.
العلماء في الطب النفسي الذين كانوا يدرسون جدوى وتأثير "إراقة الدماء" في الأفلام، والأسباب وراء شغف الكثير من الناس بمشاهدة أعمال مماثلة، يجدون أن الرغبة المتوحشة في استهلاك المحتوى العنيف أكثر تعقيداً مما نظن.
فقدان جزئي في الذاكرة!
اكتشف علماء الطب النفسي في دراسة بجامعة فاندربيلت الأمريكية عام 2005، أن الدماء والمشاهد القاسية تسبب "العمى" المؤقت في اللحظات التي تلي المشهد.
وقد أصدر باحثون في جامعة سنترال فلوريدا وجامعة إنديانا أيضاً دراسات تُظهر أن تلك المشاهد تظهر كما لو أنه يتم محو ذاكرتنا لما حدث قبل أن يضرب الدم الشاشة أمامنا بإسراف بالغ.
هذه الحالة من فقدان الذاكرة النسبي لبعض المشاهد تُعد ممتعة بالنسبة للمشاهدين من هواة الأفلام الدموية، وعلى الرغم من غرابة التأثير، فإن ذلك تحديداً ما يجعلنا نميل لتكرار التجربة.
الاشمئزاز شعور "مثير للاهتمام"
هذا المفهوم حللته دراسة أخرى نُشرت عام 2014 بمجلة Journal of Communication، وحملت عنوان "تحليل لمشاعر الاشمئزاز الأساسية والاجتماعية في وسائل الإعلام الترفيهية".
واتضح، وفقاً للباحثين، أنه على الرغم من شعور الإنسان البديهي بالسوء عند اختبار حالة "الاشمئزاز"، فإنه تطور وظيفياً لدينا، وأصبح يجذب انتباهنا، مما يجعله من نوعية "الوسائل الترفيهية التي قد تبقي المشاهدين منغمسين ومنخرطين تماماً في العمل".
لذلك مهما كان المشهد بغيضاً ودموياً، تجد متفرجين يجلسون على حافة مقاعدهم وهم يتعرَّقون من الترقُّب، غير راغبين في تفويت لحظة دموية واحدة من الفيلم الذي يشاهدونه.
نشاهد اللقطات المقرفة لكي نشعر بالتحسُّن
لسنا بحاجة إلى علماء ليخبرونا بأننا لدينا شغف عميق بالجانب المظلم من الحياة، والدليل على ذلك إيصالات شبَّاك التذاكر التي لا تخيب أفلام الشر والمشاهد الصادمة والدماء المفرطة.
إذ اتضح أننا نجد أنه من الممتع أن نختبر ما يزعجنا عادةً، ولكن من زاوية آمنة عاطفياً، فنحن نرى الإجرام والقتل والتنكيل بكل بشاعته، لكن من أمان منازلنا وخلف شاشات التلفاز.
قال عالم النفس البريطاني تشامبرز لموقع Salon للمنوعات: "الأمر أننا نستهلك شيئاً لا نراه كثيراً في الحياة الواقعية، في بيئة محكومة وآمنة، حيث يمكننا اختبار حدود استجابتنا العاطفية براحة واطمئنان".
بهذا المعنى، هناك تداخل لا يمكن إنكاره بين جاذبية الرعب وجاذبية الدماء، على حد وصفه.
وأوضح تشامبرز: "مفهوم الشر هو أمر يثير إعجاب الكثيرين منا لكننا نختبره بالحد الأدنى في الحياة العملية. لذلك في حياة محمية يمكن أن تكون فرصة تجربة الخوف والألم العاطفي جذابة وجديدة".
كما أن جمهور الرعب والعنف الدموي يشعرون أيضاً بالمتعة من خلال إطلاق الجسم الإدرينالين والإندورفين والدوبامين كلما شعروا بالانفعال، وهي المواد الكيميائية المرتبطة بالسعادة والشعور بالمتعة والحماس.
مشاعر التقزز "ممتعة"
في دراسة نشرها موقع Online Library عن الأشياء "المقززة الإجمالية والجوهرية". شملت لقطة مقرّبة لامرأة مقتولة ومقطوعة لنصفين، ورجل مقطوع الحلق، وصوراً لقيء وبراز وغيرها.
لم يكن لدى المشاركين مشكلة كبيرة في التعامل مع أيٍّ من تلك الصور، ما لم يقم إنسان "بفعل شيء مثير للاشمئزاز" مع هذه العناصر.
وكان لدى المشاركين أقطاب كهربائية متصلة بمناطق مختلفة من أجسادهم لقياس معدل ضربات القلب ومؤشرات فسيولوجية أخرى أثناء مشاهدتهم هذه المحتويات على شاشة تلفزيون كبيرة.
أكثر انسجاماً مع مشاهد "العنف"
وكشفت البيانات من المستشعرات أنه كلما كان المشهد مثيراً للاشمئزاز، أصبح المشارك أكثر انخراطاً وانسجاماً وغرقاً في العمل الذي يشاهده.
وخلصت الدراسة إلى أن "ذاكرة التعرف على المحتوى الاجتماعي – قبل وبعد وبعد ظهور الاشمئزاز تظل عالية جداً"، ما يجعلنا نشعر بالتحسُّن. وخلال التجارب، حظيت مشاهد الدماء بالاهتمام المطلق.
كما يُظهر ارتفاع معدل ضربات القلب وانخفاضه، بالإضافة إلى المؤشرات الفسيولوجية الأخرى، بوضوح أن المشاركين قد أولوا اهتماماً أكبر لما كان على الشاشة بعد أن بدأ الاشمئزاز في الظهور.
وبالتالي مشاهد العنف والدموية، مهما كانت مقرفة، هي من بين الأسباب التي تجعلنا نذهب لرؤية أفلام الرعب والإثارة.