قبل أكثر من 50 عاماً مضت أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي ليندون بينيس جونسون أن "الأسلحة النارية هي أداة الموت الرئيسية في الجريمة الأمريكية"، وأنها "في المقام الأول نتيجة للموقف غير الرسمي لثقافة المجتمع تجاه الأسلحة النارية وتراثها من المواطنين المتأهبين المسلحين".
في ذلك الوقت كان يتم تداول حوالي 90 مليون بندقية في البلاد، وفقاً لموقع BBC البريطاني.
ومع ذلك، هناك عدد أكبر بكثير من الأسلحة المملوكة للمواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية، والكثير من القتلى بسببها أيضاً.
وبحسب مراقبين، تكاد تصبح أعداد الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية علامة مميزة للحياة في الولايات المتحدة، بإجمالي بلغ نحو 1.5 مليون قتيل بين الفترة من 1968 إلى 2017، وهو الرقم الذي يتجاوز بكثير أعداد قتلى الصراعات الأمريكية المختلفة حول العالم، منذ حرب الاستقلال الأمريكية عام 1775.
ففي عام 2020 فقط مات أكثر من 45.000 أمريكي بطلقة من مسدس، سواء كان ذلك عن طريق القتل المباشر أو الانتحار بأنفسهم، ليكون 2020 أكثر من أي عام آخر مسجل به عدد وفيات من الأمريكيين بالسلاح.
ويُمثل الرقم زيادة بنسبة 25% عن السنوات الخمس السابقة، وزيادة بنسبة 43% عن عام 2010.
ومع حوادث إطلاق النار الأخيرة التي صدمت الشارع الأمريكي والرأي العام العالمي، تظل هذه القضية سياسية للغاية، حيث يواجه دعاة مكافحة الأسلحة قطاعات واسعة من المواطنين الأمريكيين الذين يتمسكون بشدة بحقهم المنصوص عليه في الدستور في حمل السلاح لحماية النفس.
عدد الأسلحة المملوكة للمواطنين الأمريكيين
نسبة الولايات المتحدة في امتلاك المدنيين للأسلحة تبلغ 120.5 سلاح ناري لكل 100 مقيم ومواطن في الدولة، وذلك في ارتفاع من 88 سلاحاً لكل 100 شخص في عام 2011، لتتفوق كثيراً على نسبة الدول الأخرى حول العالم في امتلاك مواطنيها للأسلحة.
وتشير البيانات الأحدث أيضاً إلى أن ملكية السلاح نمت بشكل ملحوظ خلال السنوات العديدة الماضية.
إذ وجدت إحدى الدراسات التي نشرتها دورية Annals of Internal Medicine، في فبراير/شباط الماضي، أن 7.5 مليون بالغ أمريكي -أي أقل بقليل من 3% من السكان- أصبحوا مالكي أسلحة جدداً لأول مرة بين يناير/كانون الثاني من العام 2019، وأبريل/نيسان عام 2021.
هذا التطور الضخم عرَّض بدوره 11 مليون شخص للأسلحة النارية في منازلهم، في حوادث وجرائم مختلفة، وكان من بينهم 5 ملايين طفل.
وكان حوالي نصف مالكي الأسلحة الجدد في تلك الفترة الزمنية من النساء، بينما كان 40% إما من السود أو من المواطنين ذوي الأصول الإسبانية.
أعداد ضحايا أمريكا بسبب حق امتلاك السلاح
وفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، توفي أكثر من 45.200 شخص في أمريكا من إصابات متعلقة بالأسلحة النارية، نتيجة لجميع الأسباب (الانتحار والجرائم وغيرها) خلال عام 2020، وهو العام الأخير الذي تتوفر بيانات كاملة ودقيقة عنه.
وفي حين تحظى حوادث إطلاق النار الجماعي والقتل بالأسلحة النارية عموماً بمزيد من الاهتمام الإعلامي والتغطيات، فإن 54% من مجموع الوفايات بالأسلحة -حوالي 24.300 حالة وفاة- كانت حالات انتحار.
وقد وجدت دراسة نُشرت عام 2016 في المجلة الأمريكية للصحة العامة، أن هناك علاقة قوية بين المستويات الأعلى لملكية السلاح في الولايات الأمريكية، ومعدلات الانتحار بالأسلحة النارية المرتفعة لكل من الرجال والنساء.
مشكلة آخذة في النمو وضاربة في الخطورة
يرى 48% من الأمريكيين أن العنف باستخدام الأسلحة النارية يمثل مشكلة كبيرة جداً في البلاد اليوم، وفقاً لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل/نيسان عام 2021.
وهي النسبة المشابهة لاستياء الأمريكيين من عجز الميزانية الفيدرالية، بنسبة رفض بلغت 49%، والغضب من الجرائم العنيفة 48%، والهجرة غير الشرعية بغضب 48%، وتفشي فيروس كورونا 47%.
وينظر غالبية الأمريكيين إلى قضية واحدة فقط على أنها المشكلة الأكبر: القدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية.
ومع ذلك، يقول 24% آخرون من البالغين، إن العنف باستخدام الأسلحة النارية يمثل مشكلة كبيرة للغاية، وتستلزم إيجاد حل واقعي لها.
ومع ذلك، يرى 53%، أي ما يقرب من نصف الأمريكيين، أنه من الضروري التوصل لقوانين أكثر صرامة بشأن حيازة الأسلحة، وهو انخفاض منذ عام 2019، وفقاً لاستطلاع مركز بيو للأبحاث، في أبريل/نيسان عام 2021.
إذ انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يقولون إن قوانين الأسلحة يجب أن تكون أكثر صرامة من 60% في سبتمبر/أيلول عام 2019.
وعلى سبيل المقارنة، قال نصف الجمهوريين تقريباً إن قوانين الأسلحة الحالية ملائمة، في حين تقول الغالبية العظمى من الديمقراطيين بنسبة 81% منهم، إن قوانين الأسلحة يجب أن تكون أكثر صرامة.
الحاجة لتعديل أكثر صرامة لمجابهة مخاطر العنصرية
يرى نحو نصف الأمريكيين تقريباً أن تعديل قوانين حق حيازة واستخدام السلاح في البلاد من شأنه أن يقلل من أعداد الوفيات الناجمة عن اقتناء السلاح بشكل سنوي.
وفقاً للمركز ذاته، يرى 49% من المواطنين أنه تصعيب فرص الحصول على أسلحة بشكل قانوني سيؤدي إلى عدد أقل من عمليات إطلاق النار الجماعية التي تشهدها الولايات المتحدة.
تلك الجرائم الصادمة غالباً ما تعود لأسباب عنصرية محضة، إذ يقول الخبراء إن مشكلة العنف المسلح في أمريكا جعلت العنف العنصري فتاكة أكثر من أي وقتٍ مضى.
وبحسب موقع ABC News "تفوق العرق الأبيض" أو (White Supremacy) غالباً ما كان الدافع وراء العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية القاتلة في السنوات الأخيرة.
لذلك يوصي الخبراء بجهود السيطرة على الأسلحة كحل محتمل للتطرف والعنصرية الآخذة في التنامي. والتي تضمنت جرائم من ارتكبوا عمليات إطلاق النار العشوائية المماثلة في إل باسو، وتكساس، وتشارلستون، ونورث كارولينا، في السنوات الأخيرة بولايات أمريكية متفرقة.
"المشكلة ليست أفكار المتطرفين، بل في السلاح"
وفي مقال بصحيفة The Atlantic الأمريكية، يقول الكاتب ديفيد فروم إن المتغير الحاسم في إطلاق النار الجماعي ليس الأفكار بل الأسلحة.
مضيفاً: "لا يمكننا التحكم في الأفكار أو الكلام، ولا يجب أن نحاول القيام بذلك حتى لو استطعنا، لكن يمكننا تقليل الوصول إلى الأسلحة التي تحول الأيديولوجية إلى فظائع وجرائم بشعة".
واختتم بقوله: "تقريباً كل بلد على وجه الأرض به مواطنون محمَّلون بالنقد اللاذع والآراء القوية، ولكن لا يوجد أي بلد متقدم ولو نسبياً يعاني من وباء انتشار السلاح مثل أمريكا".