تدور الأرض برفقة 7 كواكب أخرى -بعد استثناء بلوتو- حول نجمٍ عملاق نسمّيه "الشمس"، بفضل جاذبيتها القوية. وتشكّل شمسنا مع كواكبها التي تدور في فلكها ما يُعرف باسم "المجموعة الشمسية".
ونتحدث هنا عن عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، والمشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون. لكن هل هذا هو أقصى عدد من الكواكب التي يمكنها الدوران حول الشمس؟ أم هل يوجد متسعٌ للمزيد؟
في الحقيقة، يضمّ نظامنا الشمسي عدد كواكب أكبر من المعتاد مقارنةً بأنظمة الكواكب الأخرى المعروفة. ويوجد إجمالاً 812 نظام كواكب معروفاً يحتوي على ثلاثة كواكب مؤكدة أو أكثر، فضلاً عن نظامٍ واحد فقط يحتوي على نفس عدد الكواكب الموجودة في النظام الشمسي، وهو نظام كيبلر-90.
وهناك احتمالية جيدة أن تحتوي العديد من تلك الأنظمة على كواكب داخلية أصغر، لم نتمكّن من رصدها، ولهذا فمن المستبعد أن يكون النظام الشمسي هو أكثر أنظمة الكواكب ازدحاماً بين جيراننا الكونيين.
لكن هذه الفكرة تسلّط الضوء أيضاً على أن ثمانية كواكب هو رقمٌ قريب من الحد الأقصى لنمو أنظمة الكواكب طبيعياً.
ولهذا علينا أن ننتقل إلى العالم النظري والمتخيَّل، حتى نكتشف ما هو العدد الأقصى للكواكب التي يمكنها أن تدور حول الشمس، متجاهلين بعض العوامل الطبيعية التي قد تحدّ من عدد الكواكب المتكوِّنة.
نظام شمسي نظري متخيَّل
قال شون ريموند، عالم الفلك المتخصّص في أنظمة الكواكب بمختبر بوردو للفيزياء الفلكية، لموقع Live Science الأمريكي: "هناك الكثير من الجوانب التي يجب أخذها بعين الاعتبار حين نرغب في معرفة أقصى عدد من الكواكب التي يمكنها أن تتواجد في نظامٍ واحد".
ولا شك أن هيكلة النظام الشمسي تأتي نتيجةً لعدة عوامل معقّدة، تشمل: حجم النجم والكواكب، ونوعيتها، بالإضافة إلى عدد الأقمار التي تدور حول كل كوكب، وموقع الكويكبات والمذنبات الكبرى (مثل حزام الكويكبات الممتد بين المشتري والمريخ، وحزام كايبر الواقع بعد كوكب نبتون)، واتجاه مدارات الكواكب، وكمية المادة التي تبقت من تشكيل الشمس لتكوين الكواكب.
كما أن استقرار النظام الكوكبي في تكوينٍ مستقر هي عمليةٌ تستغرق مئات ملايين السنين من التصادم والتجاذب بين كواكب النظام.
ولكن لو كنا حضارةً شديدة التقدّم، وتمتلك تقنيات وموارد أكبر من قدراتنا الحالية بكثير؛ لكان من الممكن التغلّب على الكثير من تلك القيود، وتصميم نظامٍ شمسي مليء بأقصى عدد من الكواكب.
في النظام الشمسي النظري المُتخيَّل سنفترض عدم محدودية المواد المتاحة أمامنا من أجل تشكيل الكواكب، وسنفترض أن بإمكاننا إنتاجها اصطناعياً وترتيبها وفقاً لرغبتنا. كما سيكون من الممكن أيضاً إزالة الأقمار، والكويكبات، والمذنبات، وغيرها من العوائق التي قد تزيد الأمور تعقيداً.
القيود الوحيدة التي لا يمكن إزالتها هي أن جاذبية الكواكب والشمس ستبقى ثابتة على غرار مستوياتها الطبيعية، كما ستدور الكواكب حول الشمس بترتيبٍ مستقرّ من دون أي تداخل.
يُعرّف الكوكب بأنّه جرمٌ سماوي في مدار الشمس، ولديه كتلة كافية لتحقيق التوازن الهيدروستاتيكي (ما يجعله دائري الشكل)، كما أنه أخلى المنطقة المحيطة بمداره من الحطام.
وهذا بالضبط ما تسبّب في عدم اعتبار بلوتو كوكباً حقيقياً، بحسب الاتحاد الفلكي الدولي.
زيادة عدد الكواكب يتطلّب جعلها صغيرة
عدد المدارات التي يمكن أن يستوعبها النظام الشمسي يعتمد في المقام الأول على أحجام الكواكب. ففي النظام الشمسي النظري المُتخيَّل، يعتمد أقصى عدد ممكن من الكواكب على عدد المدارات الكوكبية التي يمكن وضعها حول الشمس، قبل أن يبدأ النظام في فقدان استقراره.
وحين يصبح النظام الكوكبي غير مستقر، تبدأ مدارات الكواكب في التداخل مع بعضها البعض، ما يعني أنّها قد تتصادم أو تتنافر بفعل الجاذبية، كما يحدث حين تُقذف الكواكب خارج النظام.
وأقل مسافة آمنة ممكنة بين مدارات مختلف الكواكب في النظام المستقرّ تعتمد في الواقع على حجم كل كوكب، حيث تتأثر الأجسام ذات الكتلة الأصغر بجاذبية الكوكب، كما يحدث مع القمر الذي يدور حول الأرض.
وتتمتع الكواكب الأضخم بقوة جاذبيةٍ أكبر. لهذا السبب سنجد أن المسافة بين مدارَي الأرض والمريخ (78.3 مليون كم تقريباً) هي أقلّ بنحو سبعة أضعاف، من المسافة بين مدارَي المريخ والمشتري (550.7 مليون كم تقريباً) بحسب وكالة ناسا.
ولذلك سنجد أيضاً أن عدد المدارات التي يمكن أن يستوعبها النظام الشمسي يعتمد في المقام الأول على أحجام الكواكب. فيُعتبر المشتري مثلاً أكبر من الأرض بـ300 مليون مرّة، ما يعني أن نصف قطر هيل الخاص بالمشتري أكبر بـ10 أضعاف.
وهذا يعني أيضاً أن بالإمكان تركيب 10 مدارات أرضية منفصلة، داخل نفس المساحة التي يشغلها المدار الحالي للمشتري. وبالتالي يُمكن القول إن زيادة عدد الكواكب في نظامنا، إلى أقصى حدّ، سيتطلّب جعل الكواكب صغيرةً قدر الإمكان.
دوران الكواكب في اتجاهين متقابلين
رغم أهمية حجم الكواكب، فإن هناك حيلة ذكية أخرى يمكن استخدامها لإضافة القليل من المدارات، بغضّ النظر عن الحجم: تغيير اتجاه دوران الكواكب حول الشمس.
ففي النظام الشمسي الحالي، تدور كل الكواكب داخل مداراتها حول الشمس في نفس الاتجاه. ويرجع سبب ذلك إلى أن الكواكب تكوّنت من سحابة غبار ضخمة، كانت تدور في نفس الاتجاه حول الشمس. ومع ذلك سيكون من الممكن إجبار الكواكب أن تدور حول الشمس في الاتجاه المعاكس داخل نظامنا الشمسي المهُندَس.
لكنها تظل فكرةً خيالية بعض الشيء، لأنه من المستبعد أن تكون هناك مداراتٌ رجعية في الطبيعة، وذلك نتيجة الطبيعة التي تتشكل بها الكواكب.
ويجب القول إنه في حال دوران كوكبين حول الشمس باتجاهين متقابلين، فقد تضعف قوى الجاذبية الخاصة بهما وتقل المسافة الآمنة الدنيا بين المدارين.
حيث أوضح ريموند: "إذا كان هناك كوكبان داخل مدارين مختلفين ويتحركان في نفس الاتجاه، فسوف يُتاح لهما وقتٌ أطول في لقاء بعضهما البعض أثناء المرور، ما يخلق ركلة جاذبيةٍ أكبر. ولكن تحركهما في اتجاهين متقابلين يعني أنهما سيتخطيان بعضهما ويتفاعلان لوقتٍ أقصر"، أي أن بإمكانهما التقارب أكثر دون تصادمٍ أو تنافر.
وبالتالي فإن تحويل كواكب نظامنا المُهندَس إلى المدارات الرجعية، كما يحدث في لعبة الكاروسيل حين تتحرك الأحصنة المتقاربة في اتجاهاتٍ متقابلة، سوف يُمكّننا من تقليل المسافة المطلوبة بين كل مدارٍ والآخر بما يكفي لإضافة المزيد من الكواكب.
كلّما صغر حجم الكواكب زاد عددها حول الشمس
افترضنا حتى هذه اللحظة أن كل مدارٍ في نظامنا الشمسي المُهندَس يحتوي على كوكبٍ واحدٍ فقط. ومع ذلك نجد أنه من الممكن فعلياً أن تتشارك عدة كواكب في مدارٍ واحد، ولا شك أن خير مثالٍ على ذلك يوجد في نظامنا الشمسي الحالي.
إذ يمتلك المشتري مجموعتين من الكويكبات التي تتشارك نفس المدار، وتُعرف باسم الكويكبات الإغريقية وكويكبات أحصنة طروادة. وتقع هذه التجمعات على بعد نحو 60 درجة أمام وخلف العملاق الغازي أثناء دورانه حول الشمس. لكن علماء الفلك يعتقدون أنه من الممكن أن تتشارك الكواكب المدار نفسه بهذه الطريقةٍ أيضاً. وقد وصفوا هذه العوالم الافتراضية بكواكب طروادة.
حيث أوضح ريموند: "يبحث الناس بنشاطٍ عن أمثلةٍ على كواكب طروادة، بين الأنظمة الواقعة خارج مجموعتنا الشمسية، لأنها من المتوقع أن تتكون بشكلٍ طبيعي". ولكننا لم نرصد أياً منها بعد بحسب ريموند.
وإذا أردنا امتلاك العدد الأقصى من الكواكب داخل نظامنا الشمسي المُهندَس فيجب أن نمتلك أكبر عددٍ ممكن من كواكب طروادة، ولكنك ستظل بحاجةٍ لترك مسافةٍ كافية بين الكواكب الموجودة في مدارٍ واحد حتى يظل النظام مستقراً.
وفي دراسةٍ نشرتها صحيفة Celestial Mechanics and Dynamical Astronomy في العام 2010، تبيّن أن اثنين من علماء الفلك استخدما نصف قطر هيل لتحديد عدد الكواكب التي يمكن أن تتشارك مداراً واحداً.
وتوصلا إلى أنه من الممكن أن يتشارك ما يصل إلى 42 كوكباً بحجم الأرض في مدار دورانٍ واحد. وكلّما صغرت أحجام الكواكب زاد عدد الكواكب التي يُمكن أن تتشارك نفس المدار.
ولا شك أن فرص تشارُك هذا العدد من الكواكب لمدارٍ واحد بشكلٍ طبيعي هي فرصٌ شبه معدومة عملياً، لأن كل كوكب يجب أن يكون بالحجم نفسه تماماً، وأن تتشكل جميعاً في نفس الوقت لتحقيق الاستقرار، لكن هذا القدر من التشارك المداري يُصبح ممكناً في نظامنا الشمسي المُهندَس، ويزيد بالتبعية من عدد الكواكب التي يمكننا إضافتها.
الحد الأقصى من الكواكب النظرية
بعد أن فهمنا المعطيات الأساسية التي نحتاجها لتصميم نظامٍ شمسي مليء بالكواكب، حان الوقت أخيراً لعرض الأرقام حتى نتعرف على أقصى عددٍ ممكن من الكواكب.
ولحسن الحظ أن ريموند قد فعل ذلك نيابةً عنا باستخدام المحاكاة الحاسوبية التي صمّمها، والتي يمكن الاطلاع على تفاصيلها الدقيقة في مدونته Planet Planet. ولكن من المهم أن نُشير إلى أن هذه الحسابات مبنيةٌ على نظريات، يستخدمها علماء الفلك للخروج بمحاكاةٍ منطقية، لكنها ليست نماذج تخضع لمراجعة الأقران، ولهذا يجب اعتبارها بمثابة تكهنات مرحة ليس أكثر.
صمّم ريموند نظاماً يمتد لألف وحدة فلكية من الشمس، حتى يُضيف أقصى عددٍ ممكن من الكواكب. والوحدة الفلكية تمثل متوسّط المسافة بين الشمس ومدار الأرض، أي نحو 150 مليون كلم.
وتقع الحدود المعروفة حالياً لنظامنا الشمسي على بعد 100 وحدة فلكية من الشمس، بحسب وكالة الفضاء الأوروبية، لكن تأثير الجاذبية الشمسية قد يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. ونموذج ريموند يستخدم كواكب متساوية في الحجم بمدارات متقابلة.
ومع أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار سنتوصل إلى أن استخدام كواكب بحجم الأرض سيساعدك على تركيب 57 مداراً، يحتوي كلّ منها على 42 كوكباً، لتحصل في النهاية على 2394 كوكباً إجمالاً.
ولكن في حال استخدام كواكب أصغر بعُشر حجم الأرض (أي بحجم كتلة المريخ تقريباً)، فيمكن تركيب 121 مداراً يحتوي كل منها على 89 كوكباً، ليصل الإجمالي إلى 10,769 كوكباً.
أما في حال كانت الكواكب بحجم القمر (الأصغر من كتلة الأرض بـ100 مرة)، فسيصبح لديك 341 مداراً يحتوي كل منها على 193 كوكباً، ليصل الإجمالي إلى 65,813 كوكباً.
ومن الواضح أننا أمام أرقامٍ ضخمة للغاية هنا، كما أن القدرة على تصميم أنظمةٍ معقدة بهذه الدرجة هو أمرٌ يفوق قدرات البشر بكثير.
لكن هذه التجربة الفكرية المسلّية والمتخيّلة، تُسلط الضوء على وجود مساحةٍ في نظامنا الشمسي تتّسع لما هو أكبر بكثير من الكواكب الثمانية التي نعرفها اليوم، ومع ذلك فمن المستبعد تماماً أن تتكوّن أي كواكب إضافية بشكلٍ طبيعي.