صحيح أنّ الفطر (أو "المشروم") ينمو مثل النباتات لكنه ليس نباتاً، لأن جسمه أقرب جينياً إلى أجسام الحيوانات؛ ولكنه ليس حيواناً أيضاً، بل هو من عائلة الفطريات المنفصلة تماماً عن النباتات، وتتألف من الفطر والخَميرة والعفن وصدأ النباتات وأنواع أخرى كثيرة.
وبحسب موقع BBC Earth، فإن الفطر هو الجسم الثمري للفطريات، ويعيشُ حياةً قصيرة لإنتاج الأبواغ التي تتكاثر من دون الحاجة إلى الاندماج مع غيرها، فتُنتِج فطوراً جديدة. ووفقاً للعلماء، فإن خلايا الفطريات تتشابه بشكلٍ مدهش مع الخلايا البشرية.
وعلى عكس النباتات التي يمكنها القيام بعملية "التمثيل الضوئي"، من خلال استخدام ثاني أكسيد الكربون، تعتمد الفطريات على مصادر الغذاء الخارجية للحصول على الطاقة؛ كما أنها تحتوي على مادة تُسمّى الكيتين في جدرانها الخلوية، والموجودة أيضاً في الهياكل العظمية الخارجية للحشرات والعناكب، في حين تُشير التقديرات إلى أنّ الفطريات قد انفصلت عن الحيوانات منذ ملايين السنوات.
ويعتبر الفطر الذي نعرفه مجرّد جزءٍ صغير من شبكة واسعة تحت الأرض، يُمكنها الانتشار على مساحة كبيرة. وتتألف هذه الشبكة من خيوطٍ رفيعة، تُعرف باسم الفطريات، لها علاقة متبادلة مع جذور النباتات المحيطة بها، بحيث تستمد منها السكريّات وتزوّدها بالمغذيات المأخوذة من التربة.
نبات الفطر.. كائنات مستقلّة
يُعثر على الفطر مدفوناً في الغابات أو متفرّعاً من الأشجار مثلاً، لدرجة أنه ربما يُعطي الانطباع بأنه كائن حيّ صامت ومستقلّ بذاته؛ بيد أن دراسةً جديدة أشارت إلى أن الفطر قد يكون قادراً على التواصل فيما بينه، باستخدام لغةٍ قريبة من لغة البشر.
وبحسب تحليل علم الرياضيات، فإن الإشارات الكهربائية التي- على ما يبدو- تُرسلها الفطريات إلى بعضها، حدّدت نماذج تَحمِل تشابهاً هيكلياً مذهلاً مع كلام البشر.
وقد أشارت بحوثٌ سابقة إلى أن الفطريات توصِّل نبضات كهربائية، عبر هياكل شعيرية طويلة تحت الأرض- تُسمّى "الخيط الفطري"- تُشبه الطريقة التي تنقل بها الخلايا العصبية، المعلومات لدى البشر.
حتى إنها أظهرت أن معدّل انطلاق هذه النبضات يزيد، عندما يصير الخيط الفطري للفطريات- التي تهضم الخشب- على اتصال بقطعٍ خشبية.. ما يزيد احتمالية أن تكون الفطريات تستخدم هذه "اللغة" الكهربائية، لمشاركة معلومات حول الغذاء أو الإصابة، مع الأجزاء البعيدة منها أو مع شركائها المرتبطين بها عن طريق الخيط الفطري، مثل الأشجار.
ولكن هل هناك أي قاسم مشترك بين هذه المسارات، من الأنشطة الكهربائية، وبين اللغة البشرية؟
لفحص هذا الأمر، حلّل البروفيسور أندرو أداماتسكي (من مختبر الحوسبة التقليدية في جامعة غرب إنجلترا ببريستول) نماذج التموّج الكهربائي التي أنتجتها أربعة أنواع من الفطريات: الإينوكي، والزامح الشائع، والشبح، وفطر اليسروع.
وقد قام البروفيسور بهذا التحليل عن طريق وضع أقطاب كهربائية داخل قواعد مُستعمرة، مُشكَّلة من مزيجٍ من الخيوط الفطرية، أي غزلها الفطري. وقال: "لا نعرف إذا كانت هناك علاقة مباشرة بين نماذج التموّجات الكهربائية في الفطريات، وبين كلام البشر. ربما لا".
لكنه أضاف، وبحسب صحيفة The Guardian: "على الجانب الآخر، يوجد الكثير من التشابهات في معالجة المعلومات داخل قواعد الأصناف، والعائلات، والأصناف المختلفة. وقد انتابني الفضول فقط من أجل المقارنة".
مفردات الفطر اللغوية تتطابق مع البشرية
وجد البحث، الذي نُشر في مجلة Royal Society Open Science، أن هذه التموّجات تجمّعت في كثيرٍ من الأحيان داخل مسارات من النشاط، لتشكّل مفردات لغوية تتكوّن من 50 كلمة، وأن توزيع "أطوال الكلمات الفطرية" هذه يتطابق تطابقاً وثيقاً مع اللغات البشرية.
ويبدو أن الفطر الزامح الشائع- الذي ينمو على الخشب المتحلّل، وتشبه أجزاؤه المثمرة تموّجات من الشعب المرجانية- ينتج "الجُمل" الأكثر تعقيداً على الإطلاق.
والسبب الأقرب لإنتاج الفطر لهذه الموجات من النشاط الكهربائي، قد يكون من أجل الحفاظ على سلامة الفطريات- وهو ما يناظر عواء الذئب للحفاظ على سلامة القطيع- أو لإبلاغ الأجزاء الأخرى من الغزل الفطري عن وجود مصادر مكتشفة حديثاً من الجاذبات أو الطاردات، وذلك حسبما أشار أداماتسكي.
وأضاف: "هناك أيضاً خيار آخر، إنها لا تقول شيئاً، لأن إرشادات الفطريات المتكاثرة تكون مشحونة كهربائياً، ومن ثم عندما تعبر الإرشادات المشحونة- عبر زوج من الأقطاب الكهربائية التفاضلية-، يُسجَّل تموجٌ في فرق الجهد بينهما".
وتابع البروفيسور أداماتسكي قائلاً إن هذه "التموّجات، أياً كان ما تمثله، فهي لا تبدو عشوائية".
وقد سُجّلت من قبل أنواعٌ أخرى من السلوكيات النابضة لدى شبكات فطرية، مثل نبض نقل العناصر الغذائية، الذي قد يكون سببه النمو الإيقاعي؛ نظراً إلى أن الفطريات تبحث عن الطعام.
وفي هذا الإطار، قال دان بيبر- وهو أستاذ مساعد في علوم الأحياء الحيوية بجامعة أكستر، وعضو لجنة بحوث علوم الفطريات التابعة للجمعية البريطانية لعلوم الفطريات (BMS): "هذه الورقة البحثية الجديدة تتبع النماذج الإيقاعية في الإشارات الكهربائية، ذات التردّد المشابه لنبضات الغذاء التي اكتشفناها".
وأضاف: "صحيحٌ أنها مثيرة للاهتمام، لكن تفسيرها على أنها لغة، يبدو مفرطاً في الحماسة؛ وقد يتطلب بحوثاً أكثر بكثير واختباراً للفرضيات الحاسمة، وذلك قبل أن نرى إضافة اللغة (الفطرية) إلى الثنائيات اللغوية في خدمة ترجمة غوغل".